تونس: ما وراء تصاعد التوتر في الخطاب السياسي وإقحام الجيش؟

تونس: ما وراء تصاعد التوتر في الخطاب السياسي وإقحام الجيش؟

02 ديسمبر 2021
قيس سعيّد خلال اجتماع المجلس الأعلى للجيوش (الرئاسة التونسية/فيسبوك)
+ الخط -

شهدت الأيام الأخيرة تصاعداً لافتاً في حدة الخطاب السياسي بين الفرقاء في تونس، بشكل زاد مخاوف الانزلاق في مزيد من العنف قد يعقد الوضع أكثر ويعمق الأزمة بمختلف أوجهها، ويبعد الفرقاء عن احتمال الالتقاء حول طاولة حوار.

وجاء هجوم الرئيس التونسي قيس سعيّد على معارضيه حادّاً، ليلة الثلاثاء، لا سيما أنه جاء خلال اجتماع المجلس الأعلى للجيوش، وهو ما فهم منه أنه قد يحمل مؤشرات على تصعيد مقبل.

وأكد سعيد، في كلمته، أنّ "الدولة ليست لقمة سائغة ومؤسساتها ستبقى قائمة"، مشدداً على أنّ "كل من يعمل على ضرب الدولة أو التسلل إلى مؤسساتها فهو واهم"، وفق بلاغ للرئاسة التونسية.

وهاجم سعيد من وصفهم بأنهم "يهرّبون الأموال ويتلقّون أموالاً من الخارج في حقائب"، مؤكداً أنّ الشعب "كشفهم وأنّ القانون سيطبّق على الجميع"، قائلاً: "فلا عمالة للخارج ستحميهم ولا مصاهرة ستُجديهم نفعاً". وأضاف: "كانوا يعتقدون في وقت من الأوقات أنني منهم ويمكن أن أنخرط في مؤامراتهم، ولكنهم أخطأوا العنوان".

رفض "تسييس" المؤسسة العسكرية في تونس

وعبّرت أحزاب "الجمهوري"، و"التيار الديمقراطي"، و"التكتل من أجل العمل والحريات"، عن" رفضها القطعي لإقحام الجيش الوطني في الصراعات السياسية، معبرة عن "استنكارها الشديد لمضمون الكلمة التي ألقاها رئيس السلطة، وزجه بالأجهزة الحساسة للدولة في الخلافات السياسية والزيغ بها عن عقيدتها الجمهورية".

واستنكرت الأحزاب المذكورة، في بيان لها، اليوم الخميس، إصرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد على "اعتماد خطاب يقوم على تقسيم التونسيين وكيل الاتهامات لمعارضيه"، معربة عن استغرابها من تبريره للتعيينات في المواقع العليا للدولة على "أساس الولاء بدل الكفاءة".

وشجبت الأحزاب الموقّعة على البيان "التدخل السافر في شؤون القضاء عبر استمرار الضغط المباشر عليه،" مؤكدة أنّ "إصلاح المنظومة القضائية يبقى استحقاقاً وطنياً يجب تناوله خارج الأحكام الاستثنائية وفي إطار حوار تشارك فيه كل القوى الحية وفي مقدمتها الهيئات والمنظمات القضائية".

وأكدت "رفضها لاستمرار التضييق على الحريات العامة والفردية وخاصة ملاحقة المدنيين أمام القضاء العسكري والمنع التعسفي من السفر وهرسلة المدونين وعودة التضييقات والمراقبة الأمنية للنشطاء السياسيين".

كما أكدت مواصلتها العمل على تكثيف الضغط لإنهاء الفترة الاستثنائية والعودة إلى النظام الديمقراطي و"إلى المسار الدستوري السليم"، وفق نص البيان.

وفي السياق أيضاً، ندد المكتب التنفيذي لحركة النهضة ما وصفه بـ"استمرار رئيس الدولة في اعتماد خطابات التشنج والتخوين، حيث برز ذلك في أكثر من مناسبة وآخرها استغلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للجيوش لتصفية حساباته مع خصومه، مصرا بهذا المنهج على إقحام المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي بدل احترام مهامها كما حدّدها الدستور".

وقال المكتب التنفيذي في بيان "نؤكد على ضرورة احترام مهام الجيش الوطني وإبعاده عن التجاذبات السياسية وصراعات الأحزاب ومنافساتها".

وقالت النهضة إن الرئيس "لم يفوت مناسبة للضغط على القضاء والتهديد باتخاذ الأوامر والمراسيم وهو ما فعله منذ انقلاب 25/07".

وفي السياق أيضاً، اعتبر القيادي المستقيل من "حركة النهضة"، عبد اللطيف المكي، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، أمس الأربعاء، أنّ "كلمة قيس سعيّد أمام المجلس الأعلى للجيوش تسييس للمؤسسة العسكرية وإقحام لها في الصراعات السياسية، وهذا ضرب لأحد أسس الجمهورية".

وسبق تصريح الرئيس قيس سعيّد، تصريح لافت من رئيس "حركة النهضة"، ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، الذي أكد، السبت الماضي، أنّ "البرلمان عائد، أحبّ من أحبّ وكره من كره"، وأردفه تصريح من مستشاره، رياض الشعيبي لإحدى الإذاعات المحلية بأنّ "البرلمان سيعود وأولى جلساته ستلغي كل الذي حصل بعد 25 يوليو، وكل قراراتك (لسعيد) ومراسيمك ستصبح باطلة".

وردّ عليه القيادي في "التيار الشعبي"، زهير حمدي، في تصريح لذات الإذاعة، قائلاً إنّ "حدة الخطابات الأخيرة لحركة النهضة وحلفائها، تأتي في إطار خوض حرب نفسية لإثبات تواصل وجودهم''، مضيفاً: ''يجب أن يفهموا أنّ مشروعهم انتهى''.

وتابع حمدي: ''كما أنهم على علم أنّ الفترة القريبة القادمة ستشهد إجراءات وقرارات هم أول المتضررين منها... وهم يدركون حجم الجرائم والانتهاكات التي قاموا بها، والنهضة ستدفع الثمن الذي يصل إلى الحلّ والعقوبات السجنية".

وجاء تهديد الرئيس التونسي قيس سعيّد بإصدار مراسيم لتفعيل قرارات محكمة المحاسبات بشأن الجرائم الانتخابية، ليزيد من توتير الوضع ويرفع المخاوف من توغل البلاد أكثر في النفق المظلم.

الأمين العام لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل" نور الدين الطبوبي، قال، اليوم الخميس، إنه "في كل مرة يتم تضييع فرص الإصلاح والبناء في تونس"، داعياً إلى ضرورة تواضع الجميع وإعمال الحكمة من أجل تجاوز الوضع الدقيق الذي وصلت إليه تونس"، محذراً من "فوات الأوان..".

 نور الدين الطبوبي/سياسة/الأناضول
الطبوبي: رئيس الجمهورية أقفل على نفسه (الأناضول)

وحذر الطبوبي، في تصريحات صحافية، من أنه "يجب الأخذ بعين الاعتبار الواقع العالمي والمواقف الدولية التي لها تداعيات مباشرة على تونس".

وكان الطبوبي قد قال، أمس الأربعاء: "للأسف الشديد رئيس الجمهورية أقفل على نفسه وقال أنا رئيس السلطة التنفيذية وأنا المتحكّم في مفاصل الدولة، هو أيضاً لا بد أن يتحمّل مسؤوليته اليوم".

وأوضح الطبوبي، في افتتاح ملتقى المنظومة الصحية، أنّ الاتحاد التونسي للشغل "يطالب بتسقيف الآجال الاستثنائية وتقديم رؤيا بشأن الخيارات السياسية الحالية"، مشيراً إلى أنّ "المسار الحالي يكتنفه الغموض، والمنظمة الشغيلة ترفض النظام القاعدي، وهناك أحزاب هي من تبني الحياة السياسية".

"حرب باردة" في تونس

وتعليقاً على خلفيات ودافع تصاعد التوتر في تونس، اعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بالنسبة لخصوم الرئيس قيس سعيّد، فإنّ تصريحاتهم لا تتعدى المناوشات.. وأما من جهة سعيّد فلا أعتقد أنّ هناك تصعيداً سياسياً مرتقباً أو تغييراً قريباً، بل هو سجال لكسب وقت أطول ولإدامة واستدامة الخطر الجاثم من وراء خطابات التهديد والوعيد وتبادل الرسائل المشفرة".

وأضاف المؤدب: "أحسب أنها مجرد رسائل موجهة للجمهور التونسي أولاً، وللخارج ثانياً؛ أي للرأي العام المحلي والدولي، أكثر منها رسائل مباشرة من خصم لخصمه".

وتابع أنّ "الحرب الكلامية بين سعيّد وخصومه ستبقى في مستوى الحرب الباردة غير المباشرة المحكومة بالترميز والإشارات والتلميح دون تسمية الأطراف والأعداء والمتآمرين، ومتى سمّى سعيّد الأمور بمسمياتها فإنه بمثابة إعلان لنهاية هذه الحرب الخطابية، لما سيفقدها بريقها المبني على الغموض والتشويق والتهويل، الحمّال للتأويل في محاربة الأضداد والخصوم المخفيين".

ولفت المؤدب إلى أنّ "العنف السياسي أصبح سمة الحياة السياسية في تونس وعنصراً لا يغيب عن الخطاب العنيف لمختلف الفاعلين السياسيين"، مبيّناً أنّ "المؤسسات الرسمية والحكومية كانت حاضنة لهذا الخطاب العنيف بحكم التمادي في تأويل واستغلال الحريات إلى حد الاعتداء على حرية الآخرين أفراداً ومجتمعاً".

وذكّر بأنّ "البرلمان التونسي كان حاضناً للعنف بمختلف أشكاله المعنوية والمادية وكان العنف سبباً ومطية اعتمدها الرئيس قيس سعيّد لتصنيفه ووصمه بمصدر الخطر الداهم مستغلاً ذلك لتعليق أشغاله".

وتابع أنّ "خطاب الرئيس بدوره يستبطن نفس القدر من العنف في وصف خصومه بأقذع النعوت مشبهاً إياهم بـ"الحشرات" والفاسدين ومكانهم "قنوات الصرف الصحي"".

ما أسباب التصعيد في تونس؟

وفي المقابل، اعتبر القيادي في حركة "مواطنون ضد الانقلاب" رضا بلحاج أنّ "هناك تصعيداً من الرئيس قيس سعيّد، وهو تصعيد المتخبط لأنه في طريق مسدود وفي عزلة داخلية ودولية، فهو تقريباً يعيش حصاراً اقتصادياً ضد المشي الانفرادي الذي انتهجه والمعادي للديمقراطية، وتونس أصبحت في حالة اختناق اقتصادي ومالي لأول مرة في تاريخها بعد أن كانت صديقة جميع الدول والبلدان".

بلحاج: سعيّد يتعمد إقحام الجيش الوطني لتقديم صورة المستقوي بالجيش ولكن الجيش عوّدنا في جميع المناسبات على أنه لا يخوض المغامرات

وأضاف بلحاج، لـ"العربي الجديد"، أنه "على المستوى الداخلي أيضاً، كل الأطراف نفد صبرها بمن فيها الاتحاد العام التونسي للشغل بسبب غياب الحوار حول المشاكل الاجتماعية".

وحول خطاب سعيّد في حضرة المجلس الأعلى للجيوش، اعتبر أنّ "هناك توظيفاً للمؤسسة العسكرية لترهيب الخصوم السياسيين"، مشيراً إلى أنّ "سعيّد يتعمد إقحام الجيش الوطني لتقديم صورة المستقوي بالجيش، ولكن الجيش عوّدنا في جميع المناسبات على أنه لا يخوض المغامرات والحلول غير الديمقراطية".

منع نائب تونسي من السفر والمشاركة في ملتقى سياسي

إلى ذلك، منع النائب التونسي والقيادي السابق في "حركة النهضة"، أسامة الصغيّر، من السفر لزيارة عائلته، والمشاركة في ملتقى سياسي ينتظم سنوياً في العاصمة الإيطالية روما.

وأكد الصغير، في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، أمس الأربعاء، أنّ السلطات التونسية منعته من السفر على خلفية مشاركته في الملتقى الدولي الذي سيشارك فيه وزير الخارجية عثمان الجرندي.

وأضاف أنّ من سماه ''وزير خارجيّة الانقلاب''، لا يريد سماع إلا صوت نفسه.

وقال الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه" فوجئ بالمطار من منعه من السفر وعند الاستفسار تم إبلاغه أنها تعليمات من القيادة"، مبيّناً أنه توقع بعض التعطيلات ولكنه لم يتوقع المنع.

وأوضح الصغير أن "لا قضايا تتعلق بي ولم يسبق لي أن تمت مقاضاتي لأي سبب كان، حيث كنت أعتقد أنّ المنع من السفر يتم فقط في بعض الحالات من شبهات فساد أو قضايا أو بطاقات جلب"، مشيراً إلى أنه "بين خطابات الرئيس حول الحقوق والحريات والواقع فرق شاسع".

ولاحظ الصغير أنه لم يتم تسليمه أي قرار أو وثيقة للتظلم، وقيل له فقط إنها أوامر من القيادة، معتبراً أنّ "المنع كان بقرار سياسي"، مشيراً إلى أنّ "الندوة سياسية وتتضمن في أحد جوانبها آراء ونقاشات حول الوضع والتغيرات في تونس وقد تعوّدت تلقي دعوة سنوية للمشاركة".

ولفت إلى أنه ليس النائب الوحيد الذي مُنع من السفر فعديد النواب من مختلف الانتماءات منعوا كذلك، مشيراً إلى أنّ حالات المنع "تواترت في الأسبوعين الأخيرين".