تونس... لكل ديمقراطية نصيب من النكسة

تونس... لكل ديمقراطية نصيب من النكسة

28 يوليو 2021
التونسيون اجتازوا بتعقل فترات أكثر تأزماً من هذه (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

كل تجربة ديمقراطية فتية لها نصيب من النجاحات، ومن الخيبات والنكسات أيضاً، خصوصاً في بلداننا العربية، التي تجذرت فيها دولة الفرد ونوازع التسلط. وبغض النظر عن توصيفها، الذي يبقى ذا سياق انقلابي تعززه شهوة الانفراد بالسلطة والجنوح المفرط إلى الشعبوية، فإن التطورات الحاصلة في تونس يمكن أن تكون نكسة للديمقراطية الناشئة. لكن المهم من ذلك أمران، هما حماية الديمقراطية واستيعاب الدرس. أي تطورات في تونس تبقى ذات تأثير ومعنى. 
لا يمكن إنكار أن التجربة التونسية ظلت تقاوم عوامل الإخفاق، وتتجنب الوقوع في ما وقعت فيه التجارب المماثلة لثورات الربيع العربي. كما ظلت، وهي من أطلقت شرارة الربيع العربي، مستهدفة من قبل عرابي الثورات المضادة والأنظمة الوظيفية، التي لم يرق لها صعود تجربة ديمقراطية في المنطقة العربية. ويفسّر ذلك التهليل الآتي من منظومات التخريب نفسها، والذي رافق القرارات الأخيرة للرئيس قيس سعيد.
ومع الإقرار بذلك كله، ضمن سياقات التدافع الإقليمي والداخلي، فإن التجربة التونسية تحيلنا إلى درس أول أهم بكثير من تحليل الخيوط المتشابكة للتطورات الأخيرة، وهو أن نزاهة الانتخابات وشفافية الصندوق لا تكفي وحدها، بل إنها بلا معنى إذا لم تكن مخرجات الانتخابات، وأطرافها الفائزة واعية لحجم المسؤولية، وعلى مستوى ثقة الشعب، وقادرة فعلاً على إيجاد الحلول للمشكلات القائمة. والفوز بالانتخابات لا يعطي لأحد حق إهدار الزمن السياسي والاقتصادي باسم الشرعية الشعبية، بل هو تكليف بإيجاد حلول وتخليق النمو والثروة.
الدرس الثاني البالغ الأهمية، هو أن الديمقراطية، في أبعادها المرتبطة بالانتخابات النزيهة وحرية الصحافة والرأي والتعبير وحرية التنظّم والتظاهر، وغيرها من القيم ذات الصلة على صعيد الممارسة السياسية والمدنية، تبقى بلا قيمة عملياً، ما لم ترافقها تنمية اقتصادية وحيوية اجتماعية وتطور في الحياة المعيشية للسكان، ومحاربة الفساد وتفكيك المجموعات المهيمنة على المقدرات، وتحرير المبادرة الاقتصادية للفرد، وما لم يشعر المواطن أن الثورة والديمقراطية صبت في رصيده ما يكفي ليميز بين وضع ما قبل الثورة وما بعدها، لأن الثورة والديمقراطية التي لا تتحول إلى قيمة مضافة في الصحة والتعليم والشغل والسكن والنقل وغيرها، تبقى ديمقراطية عرجاء.
درسان وجب أن تتأسس عليهما كل مراجعات القوى السياسية في تونس، وتلك ضرورة لا مفر منها. يبقى المطمئن أن معطيات الحالة التونسية لا تسمح بالمطلق لأي طرف بالذهاب بعيداً في تعطيل الحياة السياسية، أو إعادة إنتاج الاستئصال كما الحالة المصرية، بل إن جزءا من التونسيين الداعمين لقرارات سعيد، وإن كان لهم موقف نقدي يصل حد الإقصاء لفصيل سياسي (النهضة)، بسبب خلفية وخلافات أيديولوجية، فإنهم في الوقت نفسه، ليس لديهم الاستعداد للقبول بعودة الاستبداد والدولة البوليسية التي حكمت البلاد لعقود. إن مواقف الكثير من القوى المحلية تفسر ذلك بوضوح، والعقل السياسي التونسي، سواء الإسلامي أو التقدمي أو المحافظ، مناكف نعم، لكنه ما زال بعيداً عن حدود المجازفة والمواجهة، بل إن التونسيين اجتازوا بتعقل فترات أكثر تأزماً من هذه.

المساهمون