هل تبقى أمام التونسيين فرصة لإنقاذ حلمهم في دولة ديمقراطية وعادلة وتعددية ترعاهم وتحقق كريم العيش لهم في نفس الوقت، يعيشون فيها بسلام وأمن وحرية؟ كثيرون يرون أن ذلك لا يزال ممكناً ومتاحاً. هي فرصة ضئيلة، ولكنها تبقى فرصة على كل حال، لأن مواطني تونس، الذين قضوا هذا الأسبوع على مواقع التواصل ينتقدون ويفكرون ويتخالفون بكل حرية، وكانوا على مدى عشر سنوات يعيشون أحلامهم وهواجسهم بحرية، لن يتنازلوا عن حريتهم، ولن يقبلوا مجدداً أن يتم تخييرهم بين الخبز والديمقراطية.
خرج الناس منذ عشر سنوات في تونس بشعار "شغل حرية كرامة وطنية"، شعار الثورة الذي تغافل عنه كل السياسيين وهم يدفعون اليوم ثمنه غالياً، لأن الرئيس قيس سعيّد وجد في هذا الغضب الشعبي على القوى المشاركة في الحكم، بدون استثناء، في السنوات العشر الأخيرة، حاضنة شعبية ترغب في استعادة بعض من شعارها، لكنها ستستفيق بالتأكيد لتطالب بالشعار كله، بمضامينه السياسية والاجتماعية ولن تقبل بنصفه برغم الآلام.
لقد قال التونسيون بوضوح إن المنجز الاجتماعي والاقتصادي قد يتقدم على المنجز السياسي، وهذا ما لم يفهمه ساسة السنوات الماضية، الذين انغمسوا في صراعات لا تهم الناس، ولا تعكس مستوى التونسيين الحضاري، حتى صار بعضهم يشعر بالإحراج مما يرى على المباشر، وأصاب الأحزاب صمّ وعمى، لطالما نبه الجميع من أن ارتداده سيكون كارثياً على الجميع، وسيأتي على الأخضر واليابس، ولكن لا حياة لمن تنادي. واليوم تقف البلاد أمام ثورتها المهددة بالضياع، تتساءل عن طريق الخلاص، فيما انغمس الجميع في صراعات تموقع جديدة بنفس الأخطاء، ونفس التمترس الأيديولوجي الذي ضيّع البلاد وخنقها ويأس أهلها من نخبها.
أمام التونسيين جميعاً اليوم، الأحزاب والمنظمات والناخبون وسعيّد نفسه، فرصة ضئيلة، تقوم أولاً على الاعتراف بالفشل وما يستوجب من قرارات، والتفكير بمنطق الخروج الجماعي من النفق، لأن أحداً لا يملك وحده الحقيقة، ولا القدرة على تحقيق حلم التونسيين، ولن تنفع الديكتاتورية، لأنها لو كانت مجدية لنفعت زين العابدين بن علي، والأهم أنه لن يعود التونسيون إلى الوراء أبداً. ولذلك فإن الحكمة تستوجب أن يجتمع التونسيون مجدداً على الطاولة، رغم أن ذلك صعب للغاية بالنظر إلى كم الكراهية الطاغي لدى البعض، وأوهام لن تقود إلا إلى الهاوية. وكأننا لم نستوعب دروس التجارب التي عشناها وعاشها غيرنا، وكأننا لا نرى الحفرة التي ستجمعنا لحظة السقوط مجتمعين، ولن ينجو منها أحد، وكأن الحقد قاد إلى أي منجز على مر التاريخ. إنها لحظات ما قبل فوات الأوان.