تونس في ليبيا: سياسة اللاموقف لتفادي الغضب الخارجي

تونس في ليبيا: سياسة اللاموقف لتفادي الغضب الخارجي

13 مايو 2022
الدبيبة وسعيّد خلال زيارة الأخير لطرابلس، مارس 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

يشهد الملف الليبي في الفترة الأخيرة تطورات متلاحقة، وسط تنافس وخلاف إقليمي ودولي واضح بشأن رسم المشهد السياسي الجديد، وخصوصاً التباين بين تصور مصر من ناحية والجزائر من ناحية أخرى، حول مخرج الأزمة، بين دعم الجزائر لحكومة عبد الحميد الدبيبة ودعم القاهرة لحكومة فتحي باشاغا (المكلفة من مجلس النواب).

وتقف تونس إزاء هذه التطورات في موقف المتابع السلبي، الذي يسعى بكل جهد للنأي بنفسه عن هذه الورطة الدبلوماسية الكبيرة، بينما هي معنية بها سياسياً وأمنياً واقتصادياً بالدرجة الأولى، ويجري إقحامها عنوة في هذه التطورات، حتى من دون رغبتها.

تونس ترفض الانحياز لأي تحالف ليبي

وأكد الرئيس التونسي قيس سعيّد، أول من أمس الأربعاء، أن "تونس لا تدخل في تحالف مع أي كان لضرب تحالف آخر"، مشدداً في لقاء مع وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، على أن "هذه هي مبادئ الدبلوماسية التونسية منذ عقود".

وشهدت الأسابيع الأخيرة تنافساً ليبياً بين حكومتي الدبيبة وباشاغا على إحراز موقف تونسي مساند. وزار باشاغا تونس وأقام فيها لأيام وأجرى لقاءات ومشاورات ليبية ودولية، بينما كان الدبيبة يستعد لزيارة أكبر أُعلن عنها ولكنها لم تتم من دون أي تفسير.

وجرت الأسبوع الماضي مكالمة هاتفية بين سعيّد والدبيبة، تبادلا خلالها التهاني بمناسبة عيد الفطر. وقال بيان مقتضب للرئاسة التونسية، إن المكالمة كانت "مناسبة جدّد من خلالها رئيس الجمهورية تأكيد موقف تونس الثابت من الأوضاع في ليبيا، القائم على التمسك بوحدة هذا البلد وعلى أن الحل لا يمكن أن يكون إلا ليبياً - ليبياً".

مهدي ثابت: موقف الحياد التونسي كافٍ حالياً للجزائر

وكانت وثيقة ليبية مسربة كشفت عن اعتزام الدبيبة زيارة تونس لمدة أسبوع كامل مع وفد رفيع المستوى بداية من 26 إبريل/نيسان الماضي.

وذكرت الوثيقة أن الدبيبة يزور تونس في مهمة عمل "باسم الدولة الليبية" ضمن وفد يضم وزراء الداخلية والمالية والتجارة والثروة البحرية ورؤساء الأركان والمخابرات والأمن الداخلي، بالإضافة إلى عدد كبير من المسؤولين الأمنيين والاقتصاديين والمستشارين. ولكن الزيارة ألغيت من دون أي توضيح من الطرفين، وكانت ستلي مباشرة زيارة قام بها الدبيبة إلى الجزائر.

الخبير المختص في الشأن الليبي، مهدي ثابت، قال لـ"العربي الجديد "، إنه "لم تتم الإشارة في بيان الرئاسة التونسية إلى من قام بالاتصال، الطرف التونسي أو الليبي، وهذه نقطة مهمة لها رمزيتها في السياق الحالي للعلاقات بين البلدين"، مؤكداً أن "الأمر الثاني هو أن المكالمة تمت يوم أعلن باشاغا عن نيّة تنصيب حكومته في مدينة سرت، وهذا متغير مهم في ليبيا، وبفعل الأمر الواقع أصبحت اليوم هناك حكومتان في ليبيا".

وبيّن ثابت أن "الموقف التونسي في الظاهر سليم، على اعتبار أنه عبّر عن وجود مسافة واحدة من الجميع، وعلى أن الحل يجب أن يكون ليبياً، وهذا أمر يعكس خلفية الدبلوماسية التونسية عموماً، على الرغم من أنه ليس لنا دبلوماسية فاعلة في ليبيا حالياً".

لكنه تساءل: "هل أن تونس في حقيقة الأمر فعلاً على الحياد في هذا الملف؟ أم هي منحازة للخيار الجزائري (الداعم للدبيبة)، أم خاضعة للضغط المصري (الداعم لباشاغا)؟". وتابع "لا وجود لما يؤكد هذا أو ذاك، وهذا عامل سلبي لأنه يجب أن يكون هناك موقف تونسي واضح مما يجري في ليبيا، وأن يكون هناك تأثير تونسي في هذا الملف الحيوي، وهذا غائب للأسف".

وكشف ثابت أن "زيارة الدبيبة تم إلغاؤها لأن تونس مقتنعة، بالإضافة إلى الضغوط المصرية والفرنسية، بأن الدبيبة ليس هو الممسك الفعلي بالملف المالي، وملف المال لدى محافظ المصرف الليبي الصديق الكبير، القريب من الولايات المتحدة"، مضيفاً أنه "معلوم أن هناك ضغطاً وحصاراً من الجانب الأميركي على تونس حتى لا يتم تمكين سعيّد من أي دعم مالي في إطار موقف رسمي مما يجري في البلاد، وبظل شروط العودة إلى المسار الديمقراطي".

ولفت الخبير السياسي إلى أن "تونس تعتقد أن الدبيبة أراد أن يربح موقفاً سياسياً لا غير من زيارته إلى تونس، خصوصاً مع ضخامة الوفد الكبير الذي كان سيرافقه، وكأنه وفد مفاوضات وحدة اندماجية بين بلدين". وتابع: "كان هناك اتفاق بين البلدين حول هذه الزيارة، والتقى الدبيبة بحسب علمي السفير التونسي في ليبيا، لسعد العجيلي، واتفق معه على كل شيء، ولكن خيار إلغاء الزيارة لم يكن خياراً تونسياً فقط، بل نتيجة ضغوط أجنبية، مصرية وفرنسية".

وبخصوص إمكانية الدخول في خلاف مع الجزائر بالاصطفاف ضد موقفها بخصوص الملف الليبي، وقد كانتا (تونس والجزائر) في تناغم كبير على مدى السنوات الماضية بخصوص كل تطورات الملف الليبي، لاحظ ثابت أن "هذا الموقف لن يزعج الجزائر، لأن تونس تبدو في موقف الحياد حالياً، والجزائر تدرك أن تونس لا وزن لها في الدبلوماسية المغاربية في المرحلة الراهنة، وهي مشغولة بأوضاعها الداخلية وبالملف الاقتصادي الشائك، وموقف الحياد كافٍ للجزائر".

ورأى ثابت أن "المهم في ليبيا الآن هو أن الرأي العام في الغالب مع إجراء انتخابات وإنهاء الجسمين، البرلمان والمجلس الأعلى للدولة المنتهية ولايتهما من 2016، ومع انتخابات جديدة، وفي الحقيقة الدبيبة يلعب على هذا الوتر، وهو مع الدعوة لانتخابات، ولن يسلم إلا لحكومة منتخبة".

وذكّر ثابت بأن تونس "لها علاقات تقليدية وتاريخية مع الغرب الليبي، وفي وقت من الأوقات كادت ترتمي في حضن الشرق الليبي على حساب الغرب مع حكومة مهدي جمعة، ولكن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي صوّب الأمر عندما صعد إلى الحكم، وأدرك أن مصالح تونس في الغرب الليبي، وأعاد التوازن في العلاقات".

تونس تضحي بمصالح كبيرة في ليبيا

من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي التونسي المهتم بالشأن الليبي، مصطفى عبد الكبير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما يحصل في المشهد الليبي هو "عملية إرباك للمشهد الدولي عموماً وليس لتونس وحدها، ونحن اليوم إزاء حكومتين تتنازعان الشرعية"، مضيفاً أنه "على الرغم من أن بعض الدول تتميز بقوة استخباراتها داخل ليبيا، إلا أن تسارع الأحداث فاجأها، ولكن تونس لم تستقرأ الأحداث جيداً أيضاً".

وأوضح عبد الكبير أن "الإشكاليات الأمنية التي حصلت في ليبيا جعلت فتحي باشاغا، وأمام صعوبة دخوله إلى طرابلس، يسعى إلى أن يلتقي ببعض رؤساء الكتائب والأطراف الفاعلة في غرب ليبيا في العاصمة التونسية، ما جعل الدبيبة يعتبره تدخلاً تونسياً في الشأن الليبي".

عبد الكبير: تونس لم تتحمس لزيارة الدبيبة لأسباب داخلية

وأضاف الناشط التونسي أن "الإشكال يتمثل في الضعف الإعلامي للدبلوماسية التونسية، فكان عليها الخروج والتصريح أن الأطراف الليبية ومنذ عام 2011، سواء في الحكومات المتعاقبة أو الحوارات التحضيرية الليبية أو غيرها، كلها يتم استقبالها في تونس، ولكنها لا تساند أي طرف، وما يهمها هو استقرار ليبيا وحصول تسليم سلمي للسلطة، ولكن تأخر ردها أثار بعض الغموض".

وأوضح عبد الكبير أن "تونس لم تتحمس لزيارة الدبيبة لأسباب داخلية، علاوة على أنها منزعجة من بعض تصريحاته، وكذلك اجتماعه بالسفير التونسي، لسعد العجيلي، بحضور قائد قوات مكافحة الإرهاب الليبي، وهو مخالف للعرف الدبلوماسي ".

وأكد أن "تونس استغربت من وجود القائد العام لمكافحة الإرهاب في الحكومة الليبية واعتبرته استفزازا". وأضاف أن هناك "مسألة أخرى أثارت الغضب التونسي وتتعلق بوزير الاقتصاد الليبي، محمد الحويج، الذي التزم ببعض المسائل في زيارته لتونس وطرح استثمارات ليبية في القطاع الطبي الخاص وبالمصحات التونسية، ولكن تمت مساءلته بعد ذلك من طرف الحكومة الليبية".

ورأى الناشط الحقوقي التونسي، أن "موقف تونس هو اللاموقف، وتتعامل بنفس دبلوماسية الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، أي أنها ليست مع أو ضد أي طرف، ولا تريد موقفاً واضحاً وتتفادى رد الفعل". وقال إن بلاده "بين نارين وتتحاشى دعم طرف ليبي على حساب آخر ما قد يجعلها تضحي بمصالح كبرى في شرق ليبيا أو غربها على مستوى اليد العاملة وشركات النفط وغيرها".

المساهمون