تونس في دوامة الخلافات: هل يدفع المشيشي الثمن؟

تونس في دوامة الخلافات: هل يدفع المشيشي الثمن؟

22 يوليو 2021
سجلت زحمة أمام مراكز التلقيح بعد دعوة مهدي لحملات تلقيح مفتوحة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش تونس مرحلة حرجة للغاية، صحيّة بالأساس، نتيجة لتفشي وباء كورونا وحصده مئات الأرواح والضغط الكبير على المستشفيات، واقتصادياً واجتماعياً بسبب تراجع كل المؤشرات وتراكم الديون، وسياسياً نتيجة لكل ذلك، بسبب عجز الطبقة السياسية عن التوافق على حد أدنى مشترك يمكّن من تجاوز المرحلة الحرجة، ثم الاتفاق على خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
وتجمع المعارضة كل جهودها للإجهاز على حكومة هشام المشيشي، التي تتخبّط في مشاكل الجائحة وضعف أدائها، فيما تبحث الأغلبية النيابية الداعمة لها عن حلول تمكّنها من تلافي دفع ضريبة هذا الفشل، وإن كان على حساب المشيشي نفسه، على الرغم من أنها تتمسك به حالياً، لأنه لا خيار لها أصلاً غير ذلك في الوقت الراهن.

تشهد مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتظاهر بهدف حل البرلمان وإسقاط الحكومة

وفي ما بدت محاولة من المشيشي لاستعادة المبادرة، أعلنت رئاسة الحكومة مساء الثلاثاء إقالة وزير الصحة فوزي مهدي وتكليف وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي بمهام وزير الصحة بالإنابة. وجاءت الإقالة بعد يوم واحد من دعوة مهدي إلى حملات مفتوحة للجميع للتلقيح في 29 مركزاً خلال أول يومين من عيد الأضحى (الثلاثاء والأربعاء). وحسب مقاطع فيديو بثها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حصل ازدحام كبير وتدافع أمام هذه المراكز. واجتمع المشيشي مساء الثلاثاء بكوادر وزارة الصحة، قائلاً إن "قرار استدعاء التونسيين إلى تلقي التلقيح يوم عيد الأضحى قرار شعبوي، يمكن وصفه بالإجرامي، خصوصاً أن فيه تهديداً لصحة التونسيين والسلم الأهلي"، حسب بيان لرئاسة الحكومة. واعتبر المشيشي أن تعطيل التعديل الوزاري الذي اقترحه في يناير/ كانون الثاني الماضي "تسبّب في كوارث، خصوصاً في القطاع الصحي''، على حد تعبيره. فيما رأى مراقبون أن مهدي كان "كبش فداء" للأزمة الصحية الكبيرة التي تمر بها تونس. لكن حركة "النهضة"، الداعم الأكبر للمشيشي، والتي كانت قد دعت بقوة إلى تغيير وزير الصحة، انتقدت تعيين وزير بالنيابة لتولي وزارة الصحة. وكتب القيادي في "النهضة" سمير ديلو على صفحته في "فيسبوك": "اللهم إن هذا عبث، وزير صحة بالنيابة في بلاد تعيش حرباً على الوباء... وزير يدير وزارتين تتطلّب كل وزارة منهما تفرّغاً؟".

وفي سياق هجوم المعارضة على الحكومة، كتب الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي" المعارض، غازي الشواشي، في تدوينة مقتضبة نشرها على صفحته الرسمية على "فيسبوك" قبل أيام: "بالفعل يجب إيقاف هذا السيرك الذي يسمى حكومة المشيشي". وتطالب بقية قوى المعارضة بإسقاط الحكومة أيضاً ورحيل المشيشي، وتحاول إدخال تغييرات على التوازنات البرلمانية، مستغلة خلافات كتلتي "الإصلاح" و"تحيا تونس"، الداعمتين لحكومة المشيشي، مع كل من حركة "النهضة" وحزبي "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة". وتسعى إلى التقاط هذه الفرصة النادرة لمحاولة إيجاد أغلبية تمكّنها من سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي لا يزال يتلقى العلاج من تبعات إصابته بكورونا، إلا أن هذا لا يزال أمراً صعباً، لأن "تحيا تونس" لم يحدد موقفه بوضوح من هذه المسألة لغاية الآن، وربما يتم التوافق معه على انضمام شخصيات من الحزب للحكومة ويبقى في الائتلاف.
بالتوازي مع ذلك، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام دعوات إلى التظاهر يوم 25 يوليو/تموز الحالي، الذي يتزامن مع ذكرى عيد الجمهورية، بهدف حل البرلمان وإسقاط الحكومة، من دون أن تكون لهذه الدعوات خلفيات محددة أو جهات معلومة. وفيما تداول البعض أن الحزب "الدستوري الحر"، الذي تترأسه عبير موسي، يقف وراء هذه الدعوات، حذرت موسي أنصارها من الانخراط في الدعوة إلى التظاهر لأنها لا تعنيها. وقالت موسي، في فيديو نشرته قبل أيام، إن "هناك شيئاً ما يحدث بلون جديد، ويسوّق لوجوه جديدة، وإن الدعوة إلى التظاهر يوم 25 يوليو من جهة غير معلومة، ومن دون أسماء منظمين، أو تحديد برنامج واضح، تبعث على الريبة في نوايا الجهة التي تسعى لهذه العملية ونزاهتها، ولا تعنينا إطلاقاً ولن ننخرط فيها".

ترى "النهضة" أن دعوتها لحكومة سياسية سبب الموجة المعارضة

وترى قيادات عديدة من "النهضة" أن سبب هذه الموجة المعارضة الجديدة هو دعوتها إلى تشكيل حكومة سياسية جديدة، لأن المعارضة تريد أن يبقى الأمر على ما هو عليه، حكومة مشلولة بنصف أعضائها فقط، وأداء ضعيف وغضب شعبي. ورأى القيادي البارز في "النهضة"، محمد القوماني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "إعلان النهضة عن مبادرة الحكومة السياسية أحدث عدة ردود أفعال داخل البرلمان، حتى أن بعض الأحزاب صعّدت من لهجتها ضد النهضة، وتحدثت مجدداً عن سحب الثقة من رئيس البرلمان. ولكن التصويت الأخير بخصوص الإجراءات الاستثنائية في البرلمان، وحصول الائتلاف البرلماني على 109 أصوات، على الرغم من معارضة تحيا تونس والكتلة الديمقراطية والدستوري الحر، كان أكبر رد وتأكيد على استحالة تمرير عريضة سحب الثقة، لأنها لا تتوفر على الأغلبية، والعمل بالإجراءات الاستثنائية لا يسمح بذلك".
وأوضح القوماني أن "خيار التوجه نحو حكومة سياسية ناتج عن تقييم سلبي لأداء حكومة المشيشي في مواجهة قضيتين لهما الأولوية: مواجهة جائحة كورونا، لأن هناك ضعفاً في إدارة الأزمة وسوء إدارة من قبل وزارة الصحة، خصوصاً التأخر في جلب اللقاحات، إلى جانب ضعف الأداء الدبلوماسي، والدليل أنه عندما طرح هذا الموضوع بقوة لاحظنا تحسناً في الأداء، خصوصاً خلال الأسابيع الأخيرة. والمسألة الثانية تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، والضعف الواضح في التفاوض، وجلب الموارد الضرورية لتغطية العجز في الميزانية ودفع الدين العمومي في آجاله".
واعتبر القوماني أن هناك "شللاً حكومياً بسبب ما حصل مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ورفضه أداء يمين الوزراء الجدد الذين صادق عليهم البرلمان، ولكن أيضاً بسبب ضعف رئيس الحكومة في البحث عن حلول مع قرطاج. وبالتالي فالأزمة تتفاقم، والمساءلة الشعبية متجهة للنهضة بصفتها الحزب الأول في البرلمان، على الرغم من أنها ليست الحزب الأغلبي والحاكم". وأكد أن "النهضة تدفع الكلفة السياسية من دون أن تمسك بجزء من دواليب الحكومة، ناهيك عن التعيينات من دون استشارة الأحزاب والقرارات السياسية في غير موضعها، كالزيادات الأخيرة في بعض المواد والقطاعات".
ولفت إلى أن "هناك أيضاً مسألة مهمة أخرى، تتمثّل في غياب التضامن البرلماني بين الكتل الداعمة للحكومة. فالنهضة تدفع نحو تمرير قوانين مهمة لتحسين حياة التونسيين، ولكن بقية الشركاء، ككتلتي الإصلاح وتحيا تونس، تصوتان ضد ذلك مع المعارضة". وأشار إلى أن "النهضة قررت تحمّل مسؤوليتها من خلال هذه المبادرة السياسية. فمنذ بداية تشكل الحكومة كان هناك إقرار بأنها ضعيفة، وربما أضعف من سابقتها، وكان هناك أمل في أن تتحسن بمرور الوقت، ولكن ذلك لم يحدث"، مضيفاً أن "القرار واضح، وهو أن تتحمّل النهضة مسؤوليتها في الحكم، وإذا استحال ذلك تغادر الحكم وتأخذ موقعها في المعارضة".

القوماني: خيار التوجه نحو حكومة سياسية ناتج عن تقييم سلبي لأداء حكومة المشيشي

وأوضح القوماني أن "ما عجّل بهذا القرار الآن هو الفشل في الذهاب إلى الحوار الوطني، والبلد لم يعد يتحمل هذا الوضع الصعب". وأكد أن "النهضة تقدّر أن الذهاب نحو حكومة سياسية سيحرك الرمال باتجاه قرطاج والمعارضة أيضاً، أي الكتل الداعمة للرئاسة التي تبقى جزءا من السلطة التنفيذية، حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي، وهناك انفتاح للمشاورات بشأن حكومة سياسية"، مبيناً أنه "قد يكون هناك خلاف بين هذه الأحزاب والمشيشي، ولكن حصول تغيير واسع في الحكومة سيكون أيسر من إقالة المشيشي".