تونس: عودة الجدل بسبب تعيين الغرياني مستشاراً للغنوشي

تونس: عودة الجدل بسبب تعيين الغرياني مستشاراً للغنوشي

03 ديسمبر 2020
الغنوشي يتمسك بالدفاع عن اختياره للغرياني (الأناضول)
+ الخط -

أعاد إعلان التعيين الرسمي لرمز من رموز نظام زين العابدين بن علي، محمد الغرياني، في رتبة مكلف بمأمورية في ديوان رئيس مجلس نواب الشعب، راشد الغنوشي، الجدل في تونس، خاصة بعد صدور التعيين في الجريدة الرسمية.

ورفض بعض النواب تعيين الغرياني، آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل في 2011، مؤكدين أنه لا يتماشى وروح الثورة التونسية، فيما يرى آخرون هذا التعيين مبادرة سياسية من الغنوشي ومحاولة لتوجيه رسائل لخصومه.

 وسبق الجدل هذا التعيين منذ فترة، أي بمجرد تسريبه، إلا أن الغنوشي تمسك بالدفاع عن اختياره، مؤكداً ضرورة التعامل مع المنظومة القديمة لأنه لا يوجد سوى خيارين، إما أسلوب المصالحة، والبحث عما هو مشترك، أو أسلوب الانتقام، مبيناً أن هذا الأسلوب جُرب في الربيع العربي وسقط في كل مكان وبقيت تونس بسبب سياسة التوافق. 

ويرى الغنوشي أن التحاق النظام القديم بقبة البرلمان لا يعني أن الثورة انتكست إلى الماضي، بل تطورت في اتجاه الحاضر، مذكراً أن الغرياني قدم اعتذاره للشعب التونسي، وانتقل إلى أرضية الثورة، ولم يتبجح بالماضي وإنما انتقل إلى الدستور والثورة، ولذلك يجب أن يُفتح له الطريق ولمن يرغب في الالتحاق بأرضية الثورة والقانون والدستور.   

وأكد  الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تعيين الغرياني غير موفق، خاصة وأنه جاء في مؤسسة سيادية، وهي قبة البرلمان. 

 وأوضح  أن التعيين طالما حصل في مؤسسة سيادية وُلدت من رحم الثورة التونسية، فإنه ضرب للثورة لأن هذه الشخصية مثلت ركناً من أركان المنظومة القديمة التي قامت عليها الثورة، وبوصفه آخر أمين عام لحزب التجمع الحاكم الذي ساهم كحزب في الاستبداد والفساد ونهب المال لعام والتعذيب. 

وأوضح الشواشي أنه يفهم من هذا التعيين رسالتين، الأولى تتعلق بالدفاع عن النفس خاصة تجاه رئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي وحزبها والتي ما فتئت تهاجم الغنوشي. 

وأضاف "أراد (الغنوشي) بهذا التعيين أن يُبين أنه تصالح مع المنظومة القديمة، وأكبر دليل تعيينه واختياره  لآخر أمين عام في التجمع المنحل كمستشار له في البرلمان، وبالتالي فهي محاولة للرد وكأنه يقول لموسى أنت ناطقة باسم التجمع، وها أنا أعين الشخص الذي كان في الصف الأول في التجمع، مشيراً إلى أن موسي كانت نائبة الأمين العام للتجمع". 

وبين أن الرسالة الثانية هي مراوغة سياسية، لافتاً إلى تكليف الغرياني بملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، يأتي بالتوازي مع مشروع رئيس الجمهورية حول الصلح الجزائي.

 وأشار الشواشي إلى أن سعيد استقبل الثلاثاء رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، بعد يوم من التعيين الرسمي للغرياني، لافتاً إلى أن هناك تنازعا على السلطات والمواقع والنفوذ بين الغنوشي وسعيد وأن من الأجدر إبعاد المجلس عن مثل هذه الصراعات وتعكير الأوضاع في ظرف دقيق وصعب.

 وأكد أن القول بأن الغرياني انخرط في المنظومة الجديدة، واعتذر للشعب، وبالتالي هو قادر على أن يلعب دوراً فاعلاً في إجراء مصالحة وطنية شاملة، مغالطات لأنه لا يزال هناك ملف لدى القضاء، و هناك ملفات لدى الهيئات القضائية في العدالة الانتقالية. 

 وشدد الشواشي على أن الغرياني لا يمكن أن يساهم فعلاً في إجراء مصالحة شاملة "لأنه طرف من الجلادين وعليه الاعتذار، ورد الاعتبار للضحايا، ولا يمكن له أن يقود المصالحة".

ولفت المتحدث إلى أن "العديد من الأحزاب ترفض هذا التعيين ولن تسمح له بممارسة مهامه، وستتصدى له الكتل البرلمانية في مجلس نواب الشعب، ولا يمكن لرئيس البرلمان اختيار أي شخصيات يريدها، فالحرية ليست مطلقة ومهمته التسيير الإداري والإشراف على رئاسة البرلمان وليس التسميات السياسية في هيكل سيادي وصلب مجلس نواب الشعب".

وعلقت النائبة عن قلب تونس، أمال الورتتانيي على هذا التعيين قائلة إنها فوجئت بهذا الاختيار، وعن الإضافة التي يمكن أن يقدمها  الغرياني داخل مجلس نواب الشعب، قالت، في تصريح إعلامي مباشر، بعد صدور التعيين في الجريدة الرسمية، إن الهدف قد يكون مهاجمة كتلة الدستوري الحر.  

وأفاد المحلل السياسي، ماجد البرهومي، بأن هذا التعيين هو مراوغة سياسية من الغنوشي وكأنه يقول إن "عبير موسي لا تمثل الدستوريين وأمينها العام متصالح مع حركة النهضة، ولا يعتبرها عدواً كما تصفها موسى، وهي مراوغة لتلميع الصورة".

وأوضح البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قبول الغرياني بهذا المنصب، ربما لاعتقاده بأنه قادر على القيام بمصالحة، وقد تكون وجهة نظر، ولكن المصالحة لا تتم إلا بحوار وطني جدي، وبإعادة النظر في مسار العدالة الانتقالية، خاصة وأن تونس أضاعت فرصة تاريخية لمسار حقيقي تكشف فيه الحقائق ويعتذر الجلاد للضحايا، وتطهر مؤسسات الدولة ويلتزم الجميع بطي صفحة الماضي، فما يحصل اليوم من احتقان بين القديم والجديد هو نتيجة عدم حصول مصالحة حقيقية".

وأشار إلى أن سعيد، من خلال استقباله  لابن سدرين، يجتر نفس الأخطاء السابقة، مشدداً على أن عدة أخطاء أثرت على أداء الهيئة من طول فترة المحاسبة واستحضار الضحايا وعدم معرفة الأسباب، نظراً لغياب الجلادين. 

 من جهته، أكد عضو منظمة "أنا يقظ"، مهاب القروي، في تدوينه على حسابه فيسبوك أنه حسب الجريدة الرسمية، فقد تم تعيين الغرياني بصفة رسمية منذ حوالي شهر ونصف، وهذا يعني أنه تقاضى أو سيتقاضى على الأقل راتباً شهرياً على المدة التي قضاها. وأكد القروي أن المنظمة ستطالب، في إطار الحق في النفاذ للمعلومة، بالمهام التي قام بها الأمين العام السابق للتجمع في الفترة الممتدة من 22 أكتوبر/تشرين الأول إلى 1 ديسمبر/كانون الأول ونسخة من العقد الذي يجمعه بمجلس النواب.