تونس على خطى لبنان؟

تونس على خطى لبنان؟

01 يوليو 2021
تدهور الوضع الاقتصادي بشدّة في تونس (الأناضول)
+ الخط -

كان التونسيون يتخوّفون من احتمال وقوع بلادهم في السيناريو اليوناني، أما اليوم فقد أصبح بعض خبرائهم وسياسييهم يقارنون الحالة التونسية باللبنانية. اليونانيون اختاروا الطريق الصعب، وقرروا مواجهة مصيرهم بإرادة جماعية، ووجدوا في الاتحاد الأوروبي سنداً قوياً، وقبلوا شروطه الصعبة والقاسية مقابل مساعدتهم على الخروج من النفق. في المقابل يعاند التونسيون، مثل اللبنانيين، ويقفون أمام الأزمة مترددين ومنقسمين وعاجزين عن تحمّل مسؤولياتهم السياسية والاقتصادية بكل شجاعة.

وحول هذه المقارنة بين تونس ولبنان، أجرى أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية علوم الاقتصاد والتصرف في المهدية (التابعة لجامعة المنستير) معز العبيدي، دراسة بعنوان "الأزمة المالية اللبنانية: أي دروس للاقتصاد التونسي". وانطلق الباحث من طرفة فحواها أن شخصاً سقط من مبنى شاهق مكوّن من 50 طابقاً، وعندما بلغ الطابق الثالث ابتسم وقال لنفسه "إلى حد الآن... لا بأس". أما الاقتصاد التونسي فقد أُصيب بالسقوط السريع بعد بلوغه الطابق الأول على الطريقة اللبنانية.


الطبقة السياسية في لبنان وتونس تفتقر للحد الأدنى من المصداقية

ويبدي باحثون كثيرون اعتقادهم بصعوبة المقارنة بين البلدين، وقد تكون غير ممكنة أحياناً، لكنهم في الوقت نفسه يقرّون بأنه في حال استمر التدهور الاقتصادي والاجتماعي في تونس بالنسق الحالي، فإن النتائج ستصبح في إحدى اللحظات متشابهة، رغم اختلاف التباينات القائمة بين البلدين. مع ذلك، فإن هناك نقاط تشابه بين الحالتين، وهي التي أغرت بعض الباحثين ومن بينهم معز العبيدي لإجراء المقارنة بينهما. ومن هذه النقاط التداخل القائم بين الأزمة السياسية والأزمة الاقتصادية، فالطبقة السياسية في كلا البلدين تفتقر للحد الأدنى من المصداقية والوضوح. كما يسود الشعبان شعور عميق بعدم المساواة بين مكوناته، وتجتاح البلدين رغبة جارفة نحو الهجرة إلى الخارج، بمن في ذلك رجال الأعمال والكوادر الأساسية في القطاعات الهامة والأكثر حساسية. كما توجد أيضاً مؤشرات متشابهة من حيث بروز قوي للاقتصاد الريعي، وارتفاع في نسب الاقتراض، ومواجهة أنظمة تقاعد متعثرة وشديدة الهشاشة.

مع ذلك لا تزال تونس في وضع أفضل نظراً لوجود عوامل مختلفة عن لبنان، فنظامها السياسي والاجتماعي بعيد عن النظام اللبناني الطائفي الذي حال إلى حد الآن دون تحوله إلى دولة مدنية فوق الطوائف. وعلى الرغم من تأثير القوى الخارجية على تونس، إلا أن علاقة لبنان بالقوى الإقليمية والدولية تعتبر أكثر تعقيداً وتبعية. كما أن المجتمع المدني في تونس أكثر قوة وتماسكاً وتأثيراً، فـ"الاتحاد العام التونسي للشغل" يُعدّ من بين أقدم النقابات العربية، وتمكن من البقاء والصمود رغم انهيار نقابات أخرى وتشتتها، مثلما حصل في المغرب. وقد أدى ضعف الدولة أحياناً إلى أن يصبح الاتحاد أقوى وأكثر تأثيراً.

صحيح أن الدينار التونسي انزلق بشدّة في السنوات الأخيرة، ولم يتمكن من الصمود في وجه العملات الأجنبية، بل تدهور بحدّة أمام اليورو، لكن لا يمكن مقارنته بالليرة اللبنانية التي فقدت كلياً قيمتها، وأصبح سعر صرف الدولار في السوق نحو 17 ألف ليرة، فيما سعر الصرف الرسمي ثابت على 1500 ليرة. ويعود التوازن النسبي للعملة المحلية في تونس إلى سياسة المصرف المركزي الذي بقي بعيداً عن المغامرات المالية والسياسية، وحافظ على استقلالية قراره، فنجح نسبياً في التحكم في حجم التضخم، ولم يدخل عالم المضاربات، خلافاً لما حصل للمصرف المركزي اللبناني.


تونس ليست لبنان، لكنها مطالبة بأن تضع تجربة الأخير أمامها وتتعظ من أخطائه

تونس ليست لبنان، لكنها مطالبة بأن تضع تجربة الأخير أمامها وتتعظ من أخطائه. ومن أهم الدروس التي يجب أن يتوقف عندها التونسيون، والتي أشار إليها الباحث العبيدي، ضرورة الإيمان بأن تقوية الدولة الديمقراطية تمر حتماً عبر اقتصاد مرن ومدمج. وذكر أن لبنان وتونس "يمرّان حالياً بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وهو ما قد يجعل من الإصلاحات الضرورية التي يتوجب القيام بها، نقطة عدم استقرار في البلدين". ورأى أنه عندما تكون الدولة ضعيفة فإنها لن تنجح في تجاوز العقبات ولن تستطيع الإقدام على إصلاحات عميقة.

كما أن اقتصاداً قائماً على الخدمات سيبقى هشاً وغير قادر على تحقيق التنوع الضروري لحماية التوازنات الاقتصادية للبلد، مثلما هو حاصل في تونس إلى حد ما. ومن شأن ذلك أن يعزز الخوف من استغلال الحالة الاقتصادية والاجتماعية لتغذية الاستقطاب الثنائي على الصعيد السياسي، واعتماد الشعبوية كخطاب سياسي. وفي حال انخراط الإعلام في دعم هذا النمط من الخطاب السياسي، فإن لوبيات المصالح والفساد ستزداد قوة وتغلغلاً، ما قد يعرّض البلاد إلى عمليات ابتزاز مكثفة، تكون نتيجتها تفكك المؤسسات وانهيار الدولة. وعادة ما يكون هذا المسار مصحوباً بموجة من ترويج خطاب الكراهية، الذي يقوم على محاولة إبعاد الآخر ومحاولة سحقه، ويؤدي إلى التورّط تدريجياً في مشاريع الحروب الأهلية.