تونس: سجال "رئيس من كوكب آخر"

تونس: سجال "رئيس من كوكب آخر"

06 مايو 2021
ساوى سعيّد بين التنظيمات الإرهابية وخصومه السياسيين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

"والله صدقت، إنّك بالفعل من كوكب آخر. حفظك الله يا سيادة الرئيس، وحفظ بك تونس وأهلها". هذا ما جاء على لسان نوفل سعيّد، شقيق الرئيس التونسي قيس سعيّد، تعليقاً على زيارة الأخير إلى منطقة جبل الشعانبي، يوم السبت الماضي، وهي المنطقة التي جعلت منها الجماعات المسلحة قاعدة انطلاق للقيام بعملياتها. وجاء كلام نوفل سعيّد من باب مدح شقيقه، لكن وسائل الإعلام وخصوم قيس سعيّد حوّلوا كلامه إلى عبارة سلبية تعني من وجهة نظرهم، أن الرئيس لا يعيش مع التونسيين، وأنه لا يقدّر حجم المخاطر التي تتعرض لها البلاد، ولا يتفاعل مع القوى السياسية والاجتماعية. بالتالي لا يؤدي دور الرئيس الجامع لمواطنيه والموحّد لكلمتهم والمساهم في إخراجهم من المصائب التي حلت بهم، وفي مقدمتها وباء كورونا.

لا يأخذ سعيّد بعين الاعتبار اعتراض فقهاء القانون على قراءته الخاصة للدستور

وكان الرئيس قد غاب نحو 10 أيام عن الواجهة، مثيراً التساؤلات، لكن ما أن ظهر من جديد حتى قال مجدداً إن "القوات المسلحة، عسكرية كانت أو أمنية، تبقى كلها تحت قيادة رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة". وهي المسألة التي تشغله هذه الأيام. لم يكتفِ بالدفاع عن ذلك من خلال قراءته الخاصة لفصول الدستور، بل انتقل إلى تنفيذ وجهة نظره من دون الرجوع إلى البرلمان، ودون الأخذ بعين الاعتبار اعتراض الأغلبية الواسعة من فقهاء القانون الدستوري ومعظم العائلات السياسية. وهو ما عمّق حالة القلق التي تسود البلاد، وفتح المجال واسعاً أمام سيناريوهات غير مريحة، قد تنساق إليها تونس خلال الفترة المقبلة في غياب الثقة والحوار.

كما اعتبر أن "الأخطار التي تهدد الدول ليست العمليات الإرهابية التي تقوم بها مجموعات أو من يتخفى وراءها، بل إن الخطر الحقيقي هو تقسيم الدولة ومحاولة ضربها من الداخل، تحت تأويلات لنصّ دستوري أو نص قانوني ظاهره تأويل وباطنه لا يقلّ إرهاباً عمن يتحصنون بالجبال، ومن يحرّكهم بين الحين والآخر". وساوى قيس سعيّد بذلك من حيث الخطورة بين التنظيمات وبين خصومه السياسيين، ممثلين بالخصوص في رئيس الحكومة هشام المشيشي وحركة "النهضة".

لم تنسَق "النهضة" إلى الرد على التصريح الجديد لرئيس الجمهورية، لكن بعض كوادرها لم يفوّتوا الفرصة للقيام بذلك ربما نيابة عنها. ولم يتردد عضو المكتب السياسي للحركة محمد القوماني، في القول: "بوضوح ودون مواربة، إذا استمر رئيس الجمهورية في عناده الشخصي وخطابه الحربي، وفي صدّ جميع أبواب الحوار للمشاركة في التوصل إلى الحلول الأنجع للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية الضاغطة، فإنّه يتعيّن بمقتضى عبارته (إشهاد الشعب والتاريخ عليه)، تحميله المسؤولية بوضوح من قبل القوى السياسية والاجتماعية".

لعل الجديد في هذا الصراع المستمر بنسق تصاعدي أن رقعة المتخوفين من التداعيات السلبية لمواقف الرئيس سعيّد اتسعت وتجاوزت دائرة السياسيين وأساتذة القانون ونشطاء المجتمع المدني، لتشمل شخصيات في حقول وميادين أخرى. وهو ما دفع أحد قضاة محكمة التعقيب، حمادي الرحماني، للخروج عن واجب التحفظ، ووصف كلمة الرئيس بـ"الخطاب المسلح". ودعا الديمقراطيين المساندين للرئيس إلى "التبرؤ من تصرفات الرئيس وخطابه"، فإن لم يفعلوا ما عليهم سوى "تغيير أسمائهم على الأقل، قبل أن تُغيّرها الجرائم التي قد تُرتكب في حق البلد بمُباركتكم، وتظنون أنكم تُحسنون صنعاً".

رئيس الجمهورية مصرّ على رفض الحوار مع خصومه في الحكومة وفي البرلمان

ليست هذه سوى عيّنة من حالة القلق التي سيطرت أخيراً على الكثير من فئات الشعب التي حاصرها وباء كورونا، متسبباً بخسائر بشرية ثقيلة. كما تعددت المبادرات التي يبحث أصحابها عن الطريق الأنجع لتخليص البلاد من هذا المأزق السياسي غير المسبوق. فرئيس الجمهورية مصرّ على رفض الحوار مع خصومه في الحكومة وفي البرلمان، رغم إلحاح الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، على ضرورة الشروع في حوار اجتماعي وسياسي، الذي أصبح قارب النجاة الوحيد لتونس. وفي مناسبة عيد العمال، في 1 مايو/ أيار الحالي، دعا الطبوبي رئيس الجمهورية "لتفعيل نداء الاتحاد، والدعوة إلى حوار وطني جامع، والمبادرة قبل فوات الأوان بوضع المستلزمات والآليات الضرورية لإدارته". واعتبر أنّ "كل تأجيل للحوار من شأنه أن يزيد من الانجذاب نحو الأسوأ"، من دون أن يلقى تجاوباً.

بدوره، دعا المشيشي في المناسبة نفسها إلى "ترك التجاذبات السياسية ومسألة تسجيل النقاط، التي انخرطت فيها العديد من الأطراف غير مهتمة بالوضع الصعب، بينما تريد أخرى الاستثمار في ذلك لضرب الدولة وإرباكها". هكذا استعمل المشيشي التهم والصيغ نفسها التي وردت في خطاب قيس سعيّد ووجهها ضده وضد من يقفون معه في هذه المعركة العبثية التي لن يكون الخاسر فيها سوى الدولة والشعب.

المساهمون