تونس... سؤال المستقبل

تونس... سؤال المستقبل

09 اغسطس 2021
منبع الأزمة التونسية الإخفاق الداخلي بكل المقاييس (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

طمأن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التونسيين، أخيراً، وأزال عنهم الشكوك والمخاوف، عندما هاتف، يوم السبت، الرئيس التونسي قيس سعيّد، معرباً عن أمنياته أن "تتمكن تونس من الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تواجهها"، مشيراً إلى أنه "يُمكن لتونس أن تعتمد على دعم فرنسا لها إزاء هذه التحديات". وسنطمئن بالتأكيد بعد هذه المكالمة، تماماً كما اطمأن اللبنانيون بفعل هذا الحنان الفرنسي الجارف، وانحلت عقدة الحكم لديهم بعد التدخل الفرنسي الحاسم، وازدهر اقتصادهم بفعل كل المؤتمرات التي نظمتها فرنسا لإنقاذهم.
والسبت نفسه، أطل علينا في تونس المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، وأعرب عن "استعداد الإمارات لدعم تونس والوقوف إلى جانبها، تعزيزاً لما يجمع البلدين من روابط أخوية تاريخية"، وفق بيان للرئاسة التونسية. وطالما أن الإمارات تؤكد أنها ستقف معنا فهذا بالتأكيد سيُغنينا عن كل شيء، وسيقرّبنا أكثر من الإمارات وأصدقاء الإمارات، الجدد والقدامى، كلِّهم، مسألة وقت لا أكثر.

فجأة أصبح الكل مستعداً لدعم تونس، وفجأة وصلتنا ملايين جرعات التلقيح ضد كورونا، بعدما انتظرناها طويلاً ودفعنا مقابلها آلاف الموتى. وبقدرة قادر أصبح بإمكاننا أن نلقّح الجميع وبسرعة فائقة، فما الذي يبدو غامضاً وما الذي لا يفهمه البعض؟ و"أهي بانت" كما يقول أشقاؤنا المصريون، الذين ينعمون هم أيضاً بالحنان الفرنسي والصداقة الإماراتية منذ سنوات، ويهنأون بسبب ذلك برغد العيش.

لا يتعلق الأمر بالخارج فقط ولا برؤيته للحكم في تونس، ليس الأمر كما قد يصوّره البعض مؤامرة خارجية خالصة لتغيير الأوضاع في تونس. تلك أوهام ومبررات يصورها الخاسر لنفسه بحثاً عن إسكات ضمير، إن كان موجوداً، وذلك نفس العمى السياسي الذي قاد منظومة الحكم إلى الفشل الكامل. إنه التقاء مصالح متقاطعة في لحظة زمنية متاحة، ومثالية ربما، لمناهضي التجربة التونسية، لكن الأساس إخفاق داخلي بكل المقاييس، إخفاق في الإنصات للناس والإحساس بهمومهم ومشاغلهم. خرج التونسيون محتجين مرات ومرات، ليلاً ونهاراً، في المركز والجهات، عمالاً وعاطلين، ولكن لا من مجيب. كان الرفض واضحاً والغضب واضحاً. مطالب الناس كانت بسيطة وقابلة للتحقيق، ماء صالح للشراب، ولقمة لا يحرق ثمنُها، ومدرسة فيها أبسط مقومات العلم، وجرعة أوكسجين في المستشفى، لكن جهابذة السياسة كانوا منشغلين بمعاركهم الصغيرة، حتى كفر الناس بالدستور وبالبرلمان وبالأحزاب وبالسياسة، وصاروا يبحثون عن بديل، وأنذروا الجميع بذلك منذ الانتخابات الماضية حين انتخبوا قيس سعيّد من خارج كل المنظومة، ولكن صراخهم لم يُسمِع، وسؤال التونسيين اليوم لم يعد سؤال الأمس، إنه سؤال الغد، سؤال المستقبل.

المساهمون