تونس... خسارات متتالية

تونس... خسارات متتالية

04 يوليو 2022
انتقد بلعيد انقلاب سعيّد على الدستور الجديد (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

هل كان الرئيس التونسي قيس سعيّد أذكى من الجميع ليتلاعب بالكل على هذا النحو، وهل كان داعموه، قبل معارضيه، سذّجاً إلى هذه الدرجة ليكونوا عرضة للتلاعب بهم بهذه الطريقة؟

ما كشفه رئيس الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، العميد الصادق بلعيد، أمس الأحد، بشأن مشروع الدستور، كان صادماً له ولأصدقائه، لأن سعيّد غيّر جوهرياً نسخة الدستور المسلّمة إليه من اللجنة، ووضع فيها كل أفكاره وأحلامه منذ سنوات، وهو في الحقيقة لم يفاجئ أحداً بل كان واضحاً منذ البداية بأنه يريد جمهورية في مخيلته، يبنيها على طريقته وبالنظام الذي يراه وبالأدوات القانونية والأخلاقية والسياسية التي يرى هو أنها صالحة ومتاحة.

ولكن السذاجة ليست من طرف سعيّد، وهو لا يلام مطلقاً في هذا، خصوصاً أنه يجد من يخدمه ويدعمه وينزع الأشواك من طريقه، وإنما من نخبة غريبة، تأخذها نوازعها الأيديولوجية حد الارتماء في البحر، والانتحار غرقاً.

نحن لا نتحدث عن جامعيين متخرجين لتوهم من كلية الحقوق، وإنما عن أساتذة مشاهير عاشوا وجرّبوا وقرأوا وكتبوا وجادلوا على امتداد عقود في الشأن القانوني والدستوري، وذهبوا في دعم سعيّد إلى أبعد الحدود، وعادَوْا من أجله كل الساحة السياسية، وبعد أن مهدوا له الطريق خرجوا يتحدثون عن صدمتهم مما حصل.

أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري، صديق بلعيد وسعيّد، قال لإذاعة "شمس"، أمس الأحد، إن سعيّد حذف الفصل العاشر الذي يشير إلى أن "تونس جمهورية ديمقراطية اجتماعية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وحماية الحقوق والحريات..."، وعندما سألته المذيعة لماذا بحسب رأيك قال "لا أعرف".

وأكثر من ذلك، بعد ساعتين من حوار الصدمة والذهول في الإذاعة، قال محفوظ إنه لا يزال يأمل أن يتم التدارك وأن يصلح الرئيس هذا الدستور، وليس هناك مشكل في تجاوز بعض الفصول من أجل مصلحة البلاد.

ليست المشكلة في بلعيد ومحفوظ، وإنما في هذه النخبة التي عبّدت الطريق أمام سعيّد، بينها أحزاب ومنظمات وشخصيات، لا أطماع لديها ولكنه العمى الأيديولوجي الذي يعمي البصيرة ويقود الجميع إلى الهاوية. وفي الأثناء، لم يدخل سعيّد الإسلاميين، بعد، إلى السجون ولا منع حركة "النهضة" من الحياة، ولا حذف الإسلام من الدستور بل ربما زاد عليه، ولكنه بصدد التفريط في ما مات من أجله شهداء، ديمقراطية حقيقية وحرية لا ثمن لها.