تونس: تراكم الغضب الشعبي

تونس: تراكم الغضب الشعبي

11 ديسمبر 2022
رفعت مسيرة "جبهة الخلاص" أمس شعار "ارحل" (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

تتراكم مسببات الغضب في تونس من الوضع المتردي، سياسياً واقتصادياً، لتنعكس في أشكال عدة للاحتجاج، تتراوح بين مسيرات تطالب برحيل الرئيس قيس سعيّد، على غرار مسيرة "جبهة الخلاص الوطني" أمس السبت، أو عبر تظاهرات ترفع مطالب اجتماعية واقتصادية، أو حتى من خلال مواجهات متقطعة بين الأمن ومحتجين، كما سجل في الأسابيع الماضية.

مسيرة "جبهة الخلاص الوطني" قبيل الانتخابات

وبعد يوم على خروج محتجين في العاصمة تونس، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، للمطالبة بالعيش الكريم، كان الموعد في العاصمة التونسية مجدداً مع مسيرة جديدة لـ"جبهة الخلاص الوطني"، كانت مقرّرة في سياق الاعتراض المتواصل على مسار الرئيس قيس سعيّد، منذ انقلابه في 25 يوليو/تموز 2021، وقبل أيام من الانتخابات التشريعية المقرّرة في 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، بقانون انتخاب صدر بمرسوم رئاسي، وأسفر عن غياب التنافس وفقدان دوائر حتى لمرشحين.

وانطلقت المسيرة الحاشدة لـ"جبهة الخلاص"، أمس، تحت عنوان "ارحل"، من ساحة العملة إلى شارع بورقيبة، في العاصمة، ودعا المنظمون بقية القوى الديمقراطية في البلاد إلى ضمّ الأيدي، لـ"إنقاذ الديمقراطية المغدورة ووضع حد للانقلاب". وشدّدت الجبهة على أن العديد من المكاسب مهددة في تونس، مؤكدة عزم سعيّد الانفراد بالسلطة، بعدما "انقض على الحكم". لكنها لفتت إلى "المأزق" الذي يواجهه الرئيس، الذي يقف أمام "أزمة سياسية خانقة ومعارضة قوية".

تراجعت أحزاب الخماسي الديمقراطي عن تنظيم مسيرة أمس

ورفعت المسيرة شعارات عدة، منها "الشعب يريد إسقاط الانقلاب"، و"ارحل ارحل سعيّد،" و"مقاطعة مقاطعة"، و"الشعب يريد عزل الرئيس".

وقال رئيس "جبهة الخلاص" أحمد نجيب الشابي، في كلمة له خلال المسيرة، إنه "تنبغي على تونس العودة إلى الشرعية"، معتبراً أن الأزمة "لم تعد تشمل القوى السياسية فقط، بل طاولت الجميع دون استثناء". وبيّن أن "التحقيقات، التي فتحت أخيراً حول قائمة الـ25، تؤكد وجود اختراق في رئاسة الجمهورية، وأن تابعين لسعيّد ومستشارين له تولوا نقل تقارير سياسية وطبية وتسريبها إلى الخارج"، وأن "هناك دوراً خارجياً في انقلاب 25 يوليو، وهو ما يعد فضيحة".

ويتعلق الأمر بوثيقة قضائية مسّربة تناولها الإعلام التونسي الشهر الماضي، وتشير إلى تولي النيابة العامة في المحكمة الابتدائية فتح تحقيق ضد 25 شخصية، من بينها إعلاميون بارزون ومسؤولون سابقون وسياسيون ونقابيون أمنيون وشخصية أجنبية. وبحسب الوثيقة، فإنّ التحقيق يتعلق "بجرائم تكوين فريق بغاية الاعتداء على الأملاك والأشخاص والتآمر على أمن الدولة الداخلي، وربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية، الغرض منها الإضرار بالدبلوماسية التونسية... وارتكاب فعل موحش في حق رئيس الدولة".

وذكّر الشابي بأن "تونس تعيش اليوم أسوأ فترة في تاريخها، لم تعرفها في عهد الحبيب بورقيبة، ولا مع زين العابدين بن علي، بسبب ملاحقة وتتبع البرلمانيين وقمع الحرّيات ومحاكمات النواب والسياسيين والصحافيين". وبيّن أن "الجبهة صامدة وقادرة على التعبئة، وأيديهم مفتوحة للجميع، لكن بعض القوى المعارضة سقطت للأسف في امتحان الديمقراطية"، بحسب رأيه. وأوضح أنه "رغم تنازلات عديدة قدمتها الجبهة" لبعض الأطراف، كتعديل يوم الاحتجاج وعدم إلقاء كلمات استجابة لما طلبته أحزاب الخماسي الديمقراطي (الجمهوري والتكتل والتيار الديمقراطي والقطب والعمال)، إلا أن هذه الأحزاب المعارضة انسحبت من المسيرة". وشدّد على أن هذه الأحزاب "لا تفكر في انتخابات مقبلة، لأن الانقلاب يقف في وجه الجميع، ويجب أن تكون يداً واحدة لعودة الديمقراطية، فمهزلة الانتخابات كبيرة".

تجدر الإشارة إلى أن أحزاب الخماسي الديمقراطي تراجعت، مساء أمس الجمعة، عن تنظيم مسيرة احتجاجية كانت مقرّرة أمس السبت، في نفس توقيت مسيرة الجبهة وفي نفس المكان، ما عد نوعاً من التقارب بين الطرفين. ولم توضح أحزاب الخماسي الديمقراطي الأسباب. في المقابل، شاركت حركة "عازمون" في مسيرة "الجبهة" أمس، كما كانت "الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية" قد دعت التونسيين إلى المشاركة فيها.

إلى ذلك، بيّن الشابي أن "الانتخابات ستفرز مجلساً عديم الصلاحيات، ومشهداً دون توازن بين السلطات، وبرلماناً لا يختص بأي تشريع، بينما لسعيّد كل الصلاحيات، بعدما داس على الدستور والديمقراطية".

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، اعتبر الشابي أن "ما يختلف في مسيرة (أمس) أنها تراكم لمسيرات وتحركات سابقة، إذ يجرى البناء شيئاً فشيئاً، إلى حين إسقاط الانقلاب واستكمال الديمقراطية"، مضيفاً أنهم" سيواصلون التحركات حتى بعد الانتخابات التشريعية، وسينظمون مسيرة في 14 يناير/كانون الثاني المقبل في ذكرى الثورة التونسية".

بدوره، أكد عضو الجبهة جوهر بن مبارك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الجبهة مستمرة في الخط ذاته، وهو المقاومة السلمية، من أجل فرض العودة إلى المسار الديمقراطي"، لافتاً إلى "وجود وعي متزايد لدى التونسيين بأن سعيّد يقودهم إلى مسار خاطئ، وأنه المشكل وليس الحل".

تونس...احتجاجات متنقلة

وباتت تونس على وقع تحركات واحتجاجات متنقلة، تحمل هموماً اجتماعية واقتصادية باتت ترخي بثقلها على المواطن التونسي، بالإضافة إلى الهمّ السياسي المتمثل بالانقلاب وتداعياته، لا سيما على مكتسبات الثورة.

وفي هذا الإطار، شهدت العاصمة تونس، أول من أمس، تحركاً مطلبياً، حيث طالب محتجون بالعيش الكريم، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وجاء التحرك، الذي شارك فيه محتجون من مختلف التحركات الاجتماعية، وعاملون في التشغيل الهش، وعائلات مهاجرين مفقودين، وأصحاب العقود المؤقتة، بمبادرة من "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" وجمعيات ومنظمات عدة، بالتنسيق مع الحركات الاجتماعية والميدانية.

وفي هذا السياق، قال الناشط الحقوقي الأمين بوعزيزي، الذي كان يشارك أمس في مسيرة "جبهة الخلاص"، لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك الاجتماعي من انتفاضة العاطلين عن العمل وحركات ليلية منددة بالغلاء، وأخرى مطالبة بالتنمية، وغضب أهالي جرجيس بحثاً عن أولادهم المفقودين (إثر غرق مركب هجرة غير نظامية كان يقل 18 من شباب المدينة، لا يزال 9 منهم في عداد المفقودين)، يترجم على أنه استفاقة حقيقية للتونسيين". واعتبر أنه "بعد أوهام الانقلاب وكذبه، بان زيفه". ولفت إلى أن الحراك الاجتماعي كان قد خف خلال العام الأول من الانقلاب، ولكن بعدما تبين للناس أنه مجرد بيع أوهام، عاد المحتجون إلى المربع الأول.

وأشار إلى أنه منذ 25 يوليو/تموز 2021، فإن من برز في الشارع هو الحراك السياسي الديمقراطي المطالب بالعودة إلى قيم الجمهورية والمؤسسات.

وبرأيه، فإن "أهم استفاقة كانت من قبل العاطلين عن العمل". ولفت إلى أن الحراك الاجتماعي هو من الثورة نفسها، إذ إن المعطلين عن العمل كانوا دائماً الأكثر حضوراً في الاحتجاج، لأن ما ثاروا في سبيله ما زال لم يتحقق بعد.

يذكر أن احتجاجات عدة كانت خرجت في عدد من المحافظات التونسية خلال الأشهر الماضية، قادها عشرات العاطلين عن العمل من المشمولين بقانون تشغيل صادر منذ سنة، رفضاً لاستبداله بقانون الشركات الأهلية. وتخلى سعيّد عن القانون 38 الذي ينص على تشغيل 10 آلاف عاطل عن العمل في القطاع الحكومي، واستبدله بمبادرة تتعلق بتشغيلهم في إطار "الشركات الأهلية" التي ستُنفّذ في إطار الصلح الجزائي مع رجال الأعمال.

شيماء عيسى: غضب الشارع وتحركه نتيجة حتمية للعبث بمصالح التونسيين

وأشار بوعزيزي، أمس، إلى أن "حملة الشهادات الجامعية أصبح لديهم وعي سياسي، أما أصحاب الحراك المتضررون من الغلاء، فما زالوا يكتوون بنار الوضع ويئنون، إلا أنهم لم يعبروا بعد عن أنفسهم جيّداً".

وبرأيه، فإن ما حصل من غضب في جرجيس، جنوبي تونس، له خصوصية، لأن الدولة تعاملت مع الأهالي وأبنائهم الغرقى بتجاهل تام، مؤكداً أنه حراك لم يكن للمطالبة بالتشغيل ولا للديمقراطية، بل كان نضالاً مطلبياً محدداً وحول مسألة محلية محدودة، ولكنه لم يستطع أن يتحول إلى شأن وطني. وأضاف: "حتى الشعارات كانت مطلبية وليست احتجاجية ضد نظام".

من جهتها، أكدت عضو "جبهة الخلاص الوطني"، شيماء عيسى، أن" غضب الشارع وتحركه نتيجة حتمية للعبث بمصالح التونسيين، والدولة"، مضيفة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "عندما تقود البلاد زمرة من المنقلبين من دون أدنى كفاءة ومن دون حلول لأي مسألة، فطبيعي أن يتحرك الشارع". وأشارت إلى أنه "بعد سنتين، لم يقدم سعيّد أي حل، بل استفحلت جلّ الأوضاع وكنا أقرب للحلول في ظل نظام ديمقراطي، ولكن الآن لم تعد هناك أي حلول".

وأضافت أن" الغضب شامل، لأن عطالة الدولة تعني عطالة الجميع من دون استثناء"، مبينة أن "هذا يخيف التونسيين على سيرورة حياتهم العادية وعلى مستقبل الأجيال المقبلة". وأضافت أنه "بالعودة إلى التاريخ الحديث، هناك بلدان انهارت في يوم، فما بالنا لو حصل تراكم للأزمات واستهزاء بها، فالرئيس يعتبر ما يحصل تآمراً ويتحدث عن متآمرين".

وبينت أن "الانقلاب سبب الغضب وسبب الحراك الاجتماعي والسياسي، في ظل غلاء للأسعار وفقدان مواد أساسية، ولم يعطل منظومة الإنتاج سوى قيس سعيّد نفسه، فالبلاد تغلي وهناك حركية ضد الانقلاب وهناك وعي بأنه يعطل الوضع". وأفادت بأن "جل هذا الحراك يؤكد أنها مسارات مقاومة، ولكنها لم تلتق بعد، ولكن سيأتي يوم وتتحد ضد المنقلب".

وعن استرجاع الديمقراطية، قالت: "لا تعتبر جبهة الخلاص الوحيدة المعنية، بل هي عنصر من عناصر المقاومة، والمطلوب توحيد الجهود.

 

المساهمون