استمع إلى الملخص
- توغلت نحو 80 عربة عسكرية إسرائيلية في المنطقة، حيث استقرت بعض القوات في مواقع محددة قبل الانسحاب، مع التركيز على تدمير ثكنات مهجورة وسرقة آليات ثقيلة.
- تأتي التحركات الإسرائيلية وسط مخاوف من تحول جنوب سوريا إلى جبهة جديدة، بينما تحاول دمشق تجنب مواجهة مفتوحة، مع تظاهرات ليلية تنديداً بالعدوان الإسرائيلي.
شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي، في وقت متأخر من ليل الثلاثاء - الأربعاء، غارات جوية ونفذ توغلات برية في محافظة القنيطرة وعلى الحدود الإدارية بينها وبين ريف درعا الغربي الجنوبي، في جنوب سورية. وقال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في تصريحات للإعلام الإسرائيلي، إنّ "سلاح الجو يهاجم بقوة ضمن سياسة جديدة تمنع تحوّل الجنوب السوري إلى نسخة من جنوب لبنان"، محذراً من أنّ أي محاولة من الجيش السوري أو"التنظيمات الإرهابية" للتمركز في "المنطقة الآمنة" سيواجه بردّ عسكري.
وقال مصدر خاص لـ"العربي الجديد"، إنّ نحو 80 عربة عسكرية إسرائيلية توغّلت، ليل الثلاثاء - الأربعاء، في المناطق المذكورة، وانقسمت إلى مجموعتين: 40 عربة توجهت إلى عين الزبدة وغدير البستان، وانسحبت بعد ساعتين تاركةً سيارتين وحوالي 20 عنصراً إسرائيلياً قرب غدير البستان، بينما توغلت العربات المتبقية شرقاً باتجاه بلدة عين ذكر، وتمركز عدد من قواتها قرب مفرق البكار وسرية علوش، فيما استقرت قوات قوامها ثلاث دبابات وخمس سيارت وأكثر من 50 عنصراً مصحوبة بدبابات وطائرات مسيّرة غربي قرية تسيل في ثكنة عسكرية، ثم جرى الانسحاب بعد إتمام المهمة. المصدر أكد أنه لا صحة لأي خبر تم تداوله حول التوغل الإسرائيلي داخل بلدة تسيل. وبحسب قراءته للسياق، أوضح المصدر أنّ الأمر الذي تسعى إليه إسرائيل هو فقط إنهاء الوجود المسلح في جنوب سورية.
ومن جهته، نفى الناشط محمد الحفري، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود توغل إسرائيلي موسع، مؤكداً أنّ القوات الإسرائيلية دمرت ثكنات مهجورة في ريف القنيطرة وسرقت آليات ثقيلة قبل انسحابها. وأكد كلام المصدر الخاص بأنّ الهدف الإسرائيلي هو "إنهاء الوجود المسلح في الجنوب"، مشيراً إلى أن التوغلات اقتصرت على محيط المنطقة العازلة.
بدوره، وصف علي حمود، وهو عسكري سوري منشق عن النظام السابق، في حديث لـ"العربي الجديد"، الهجمات بأنها "استفزازية" ولن تؤدي لاحتلال عسكري لوجستي مباشر، وفق ما يرى. وكان عمر الحريري، وهو أحد الناشطين الإعلاميين، قد أكد، في تدوينات له على حسابه في منصة إكس، كلام الناشطين آنفي الذكر، من خلال نشر مقاطع فيديو على حسابه تؤكد عدم توغل القوات الإسرائيلية داخل القرى كما روجت بعض الصفحات الإعلامية، محذراً من مغبة اتباع الأخبار التي وصفها بـ"المضللة".
ويأتي التصعيد الإسرائيلي في ظل مخاوف من تحوُّل جنوب سورية إلى جبهة مماثلة لجنوب لبنان، حيث يرى محللون أنّ إسرائيل تسعى لتدمير البنية التحتية العسكرية المتبقية في المنطقة، بينما تحاول دمشق تفادي مواجهة مفتوحة تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية والأمنية الهشة.
وفي هذا السياق، خرجت تظاهرات ليلية في مدينة دمشق عقب الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب السوري، حيث صرخ العشرات من الشبان منددين بالعدوان، وجابت التظاهرات المزة وصولاً إلى ساحة الأمويين، وسط العاصمة.
#متداول | تظاهرات في #دمشق و #حمص تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على جنوب #سورية. pic.twitter.com/ZCpvFeFpVa
— العربي الجديد (@alaraby_ar) February 26, 2025
ورغم الهدوء النسبي الذي أعقب الانسحاب الإسرائيلي، تبقى التوغلات الأخيرة مؤشراً إلى سياسة التصعيد التي تنتهجها إسرائيل في الجنوب السوري، وسط تحذيرات من أن استمرارها قد يدفع الأطراف السورية إلى تبني تكتيكات غير تقليدية لردع العدوان.
كاتس: لن نسمح أن يتحول جنوب سورية إلى جنوب لبنان
ولم تمضِ ساعات على استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي مساء أمس، عدداً من المواقع في سورية، حتّى سارع وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى التأكيد أنّ سلاح الجو قصف بقوّة جنوب سورية، على أنه جزء مما أسماها "السياسة الجديدة المحددة لنزع سلاح جنوب سورية". وفي استفزازٍ واضح للشعب السوري الذي خرج في عدد من المدن الجنوبيّة بتظاهرات ضد الاحتلال وتصريحات رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، ووباعتبارها جزءاً من تحدي الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، وإدارته المنهمكة في صوغ مستقبل البلاد، اعتبر كاتس أن القصف "رسالة واضحة مفادها بأنه لن نسمح لجنوب سورية بأن تتحول إلى جنوب لبنان"، مختصراً العدوان الذي أسفر عن استشهاد أربعة سوريين بأنه "عدم مخاطرة بأمن مواطنينا".
كاتس شدد في البيان الذي أصدره على أن "كل محاولة لقوات النظام الجديد في سورية، والمنظمات الإرهابية في البلاد للتمركز في المنطقة العازلة جنوبي سورية ستُقابل بالنار"، على حدِّ تهديده. ويأتي العدوان الأخير بعد يومين من تصريحات أدلى بها نتنياهو الذي أعلن صراحة "مطالب" إسرائيلية جديدة تتعلق بجنوب سورية؛ إذ قال في ختام دورة للضباط أوّل أمس الاثنين "نطالب بنزع كامل للسلاح والقوات العسكرية للنظام الجديد من جنوب سورية"، مستغلّاً عنوان طائفة الموحدين الدروز الذين يمتدون في المنطقة الجنوبية، لدق الأسافين بين الشعب الواحد بسياسة فرّق تسد، مصوّراً نفسه "مخلصاً" لهم؛ حيث ادعى أنه لن نسمح بـ"تهديد الدروز في جنوب سورية".
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة معاريف، عن اللواء في الاحتياط، جاك نِريا، الذي شغل في السابق منصب المستشار السياسي لرئيس الحكومة الراحل إسحق رابين، تحذيراته حيال السياسة الإسرائيلية الجديدة المتبعة في سورية، معتبراً أن تدخلاً كهذا "خطير". وقال نِريا الذي يرأس اليوم مجلس إدارة أكاديمية رمات غان، ويُعد باحثاً كبيراً في المركز الأورشليمي لشؤون الخارجية والأمن، إنه "آمل ألا ندخل في مغامرة جديدة على غرار مغامرتنا في لبنان مع المسيحيين، والآن مع الدروز السوريين، فمن قاد الثورة ضد الانتداب الفرنسي كان الدروز أنفسهم".
أمّا في ما يتعلق بمطالبة إسرائيل بنزع السلاح من جنوب سورية فعدها "مُبالغة" من شأنها أن "تجرّنا إلى نتائج غير متوقعة". وأوضح أنه "أتابع بالفعل كل أنواع القصص في وسائل الإعلام حول تحالف درزي كردي من شأنه أن يخلق هلالاً يحيط بقلب سورية، وتقسيم الأخيرة كما كان خلال الانتداب الفرنسي". ورأى أن "هذا لن يحدث"، معزياً السبب إلى أن أطرافاً كثيرة لن توافق على ذلك، في مقدمتها تركيا.
إلى ذلك، شكك نِريا في قدرة إسرائيل على التأثير في المنطقة: "فبالنسبة للعرب، تحالف درزي كردي هو تحالف غير قابل للتطبيق. ولا أعرف إلى أي مدى تستطيع إسرائيل التأثير على ما يحدث على بعد خمسين كيلومتراً". وما تقدّم، يرسم مشهداً معقداً للواقع الناشئ في جنوب سورية، ويدخل في إطار محاولات إسرائيل الحثيثة استغلال التطورات التي تتفاعل منذ إسقاط نظام بشار الأسد وفراره، في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ولا تتوقف المحاولات على ترسيخ احتلال إسرائيل للأراضي الجديدة في هضبة الجولان، ومخططها للبقاء الطويل هناك، بل تمتد لتطاول مُركبات المجتمع السوري في الجنوب خصوصاً الدروز، الذين تناولت تقارير، بينها عبرية، في اليومين الماضيين، ما مفاده بأن إسرائيل تخطط لاستغلال وضعهم الاقتصادي-الاجتماعي لكي تُشغّلهم في مهن البناء والزراعة في مستوطناتها، وفي المقابل تدفع إسرائيل باتجاه منحهم حكماً ذاتياً من شأنه أن يشكل "حاجزاً" بين سورية الكبرى وإسرائيل.