توصيات البرلمان الأوروبي الخاصة بتونس تدق ناقوس الخطر: سعيد استبدادي

توصيات البرلمان الأوروبي الخاصة بتونس تدق ناقوس الخطر: سعيد استبدادي

16 مارس 2023
البرلمان الأوروبي قلق من "الانجراف الاستبدادي" لسعيد (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

حذّر سياسيون وقضاة تونسيون، يوم الخميس، من التداعيات الخطيرة بعد تصويت البرلمان الأوروبي على مجموعة من القرارات والملاحظات حول وضعية الحريات في تونس.

ويرى هؤلاء أن عزلة تونس ستتعمّق، وأن الشعب التونسي سيدفع كلفة تدهور الحقوق والحريات، كما أن تعليق برامج الدعم لوزارتَي العدل والداخلية ستكون تبعاته وخيمة.

وتأتي هذه التوصيات بعد عقد البرلمان الأوروبي جلسة عامة في مقره بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، داعياً اليوم الخميس، السلطات التونسية، إلى الإفراج عن جميع المعتقلين في إطار الحملة التي استهدفت المعارضة، واحترام حرية التعبير، والإفراج الفوري عن مدير إذاعة موزاييك نور الدين بوطار، وجميع المعتقلين تعسفياً، بمن فيهم الصحافيون والقضاة والمحامون والنشطاء السياسيون والنقابيون، واحترام حرية التعبير وتكوين الجمعيات وحقوق العمال، بما يتماشى مع الدستور التونسي والمعاهدات الدولية.

وعبّر البرلمان عن قلقه العميق إزاء "الانجراف الاستبدادي" للرئيس التونسي قيس سعيد واستغلاله للوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي لعكس مسار التحول الديمقراطي، داعياً إلى إنهاء الحملة المستمرة على المجتمع المدني.

وطالب بحثّ السلطات على إعادة القضاة المفصولين بشكل تعسفي إلى وظائفهم على الفور، وإلغاء جميع الإجراءات التي تقوض استقلال القضاء، وإنهاء استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين كما يأسف لرفض السلطات الامتثال لأمر المحكمة الإدارية بإعادة 49 قاضياً.

وحث الممثل السامي للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء للتنديد علناً بالتدهور الحاد في حالة حقوق الإنسان، مؤكداً على ضرورة تعليق برامج دعم الاتحاد الأوروبي المحددة لوزارتي العدل والداخلية كما دعا وفد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى مراقبة وحضور المحاكمات السياسية والسعي إلى حوار منتظم مع المجتمع المدني.

ولفت الى أهمية الحوار الوطني الشامل بمجتمع مدني حر وقوي بما في ذلك الرباعي الحائز على جائزة نوبل، ولا سيما الاتحاد العام التونسي للشغل، مديناً خطاب سعيد "العنصري" ضد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى والاعتداءات التي تلت ذلك.
 
كما دعا السلطات إلى الامتثال للقوانين الدولية والوطنية، ولا سيما القانون 50-2018 ضد التمييز العنصري.

وتكمن حساسية قرارات وملاحظات البرلمان الأوروبي أنها حازت على موافقة 496 نائباً بينما صوت 28 بـ"لا"، فيما امتنع 13 عن التصويت.

تداعيات وخيمة

وعن هذه القرارات، قال النائب السابق عن حزب التيار الديمقراطي بدائرة إيطاليا، مجدي الكرباعي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "تابع قرارات البرلمان الأوروبي الذي وضح موقفه من سياسة قيس سعيد"، معتبراً أن "فرضية تعليق الإعانات من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتونس وتحديداً تلك المخصصة لوزارتي الداخلية والعدل ستكون لها تداعيات وخيمة".

وأوضح الكرباعي أنه "من المفروض أن تكون هذه المساعدات لدعم الانتقال الديمقراطي وتدعيم الأمن الجمهوري في تونس ولبناء قضاء عادل وليس لدعم الاستبداد أو أن يصبح جهاز الأمن أداة للقبض على المعارضين والنشطاء والمحامين".

وأكد أن "المسألة أصبحت محرجة للاتحاد الأوروبي ومقلقة للعديد من الدول لأن حينها سيصبح الاتحاد الاوروبي وكأنه يساعد في صنع دكتاتورية جديدة ولهذا كانت القرارات والملاحظات بالإجماع".

وأضاف الكرباعي أن "من عارض فقط هم من اليمين المتطرف المعادي للقيم الإنسانية، وهؤلاء يجدون في قيس سعيد تجسيداً لتلك الأفكار، حتى لو كانت من الخارج".

وعبر عن أسفه "من أن تُصنّف تونس كبلد استبداديّ معادٍ للحريات مثل إيران وكمبوديا"، مؤكداً أن "تونس كانت أول بلد عربي يبني ديمقراطيته الوليدة رغم هناتها وعثراتها إلا أنها كانت تبني لتونس الجديدة".

وأشار إلى أن "هذه التوصيات ستطرح مشكلة حتى لبعض بلدان الاتحاد الأوروبي كإيطاليا، فعند محاولة تقديم مساعدات لوزارة الداخلية التونسية ستكون إيطاليا في حرج كبير وستجد معارضة داخلية".

واستدرك قائلاً إن "سعيد لا يفهم للأسف طبيعة هذه القرارات وتأثيراتها وسيكون خطابه من قبيل أنها تدخل أجنبي وهذا مقلق وسيزيد من عزلة تونس".

تونس نحو الإفلاس

بدوره، قال النائب السابق عن حركة النهضة في العالم العربي وبقية الدول، ماهر مذيوب في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة قوية جداً وجاءت من الشريك الأول لتونس الذي تربطها به علاقات هامة ".

ولفت إلى أن "البرلمان الأوروبي يضم نحو 27 دولة، وبالتالي ناقوس الخطر دق خاصة أن الحكومة الأميركية بدورها قررت التخفيض من المساعدات إلى تونس ضمن موازنة 2024".

ونوه أن "وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أعلنوا عن تناول الملف التونسي يوم 20 مارس/آذار والتاريخ رمزي تزامناً مع ذكرى الاستقلال في تونس". 

وأوضح مذيوب أن "هذه التوصيات ستكون لها تأثيرات كبيرة مع البنوك العالمية وحتى على قرار صندوق النقد الدولي، الذي قد لا يسند لتونس القرض المطلوب، ما سيؤثر ذلك على الاقتصاد بشكل كبير ويقود البلاد نحو الإفلاس". 

وتابع أن "سعيد للأسف لا يزن كلامه خاصة في العلاقة بالتصنيفات الدولية وبالمهاجرين"، مشيراً إلى أن "رئيسة الحكومة نجلاء بودن كانت قد بذلت جهوداً شخصية كبيرة مع صندوق النقد الدولي وحاولت بناء علاقات في الخليج ولكن كل ذلك قد يفشل بسبب قيس سعيد حيث أن كل تصريح منه وموقف محسوب".

وأضاف "هذا القرار موجع لأن وضع تونس سيكون صعباً"، معتبراً أن "سعيد كان يتهم المعارضة بالتآمر ولكن لا أحد منهم قادراً على التأثير في 496 نائبا أوروبيا لاتخاذ هذا الموقف".

وتساءل في السياق "هل سيحل سعيد البرلمان الأوروبي كما فعل في تونس؟، طبعاً لا يمكنه، ولكن للأسف هذا دليل على فشل الدبلوماسية التونسية وفشل رئيس الجمهورية".

الاتحاد الأوروبي مؤيد للمعارضة

ويرى رئيس جمعية القضاة الشبان، مراد المسعودي، أن" موقف برلمان الاتحاد الأوروبي هو في الحقيقة كشف لسياسة قيس سعيد على المستوى الدولي حيث كان يحاول دائماً أن يخفي هذا الوضع ويبين أن الوضع جيد وأن كل ما يشاع هو من قبيل المؤامرة وتدبير الخونة.

وذكر أنهم "كقضاة كانوا دائماً يطالبون بعدم المس من القضاء لأن حل المجلس الأعلى للقضاء الذي كان يضمن استقلالية السلطة القضائية ويمنع السلطة التنفيذية من التدخل فيها هو تمهيد للسيطرة على بقية الهيئات والمنظمات والأحزاب والإعلام، وتصفية الخصوم، وهو ما يحدث الآن فعلاً". 

وتابع المسعودي أن "سعيد كان يدعي دائماً أنه يسعى إلى إصلاح القضاء وتطهيره من الفساد في حين أنه قام بإعفاء القضاة الذين تمسكوا باستقلالية السلطة القضائية، ورفضوا تدخله ووزيرة العدل، ليلى جفال، في قراراتهم، وقد سعى لاحقاً إلى تكريس القضاء الوظيفة في الدستور الذي أعده بنفسه، ليحوّل القضاء إلى مجرد وسيلة يستعملها لتصفية خصومه السياسيين وتحويل معركته معهم من معركة سياسية دستورية إلى معركة قانونية وبملفات مفبركة وفارغة".

ولاحظ أن "موقف برلمان الاتحاد الأوروبي هو موقف خارجي صادر عن شركاء تونس الداعمين لها، وقد كان مؤيداً لموقف المعارضة ولا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه نظراً لتبعاته الاقتصادية الخطيرة في ظل ما تعيشه تونس من أزمة اقتصادية ومالية حادة".

وبين المتحدث أن "القضاة كانوا على حق في كل تحركاتهم السابقة رغم تخاذل العديد عن نصرة قضيتهم العادلة، وانكشف سعيد وظهرت حقيقة كونه يدير نظاماً يقمع الحريات ويؤسس لدكتاتورية وليس لدولة تعبر عن إرادة الشعب".

وأضاف أن "هذه الإرادة الشعبية هي بالنسبة له مجرد وسيلة فقط لتكريس مشروعه الفردي الاستبدادي وهو مشروع سياسي، ولم يحتكم إليها في أي عمل قام به سواء في الاستشارة الإلكترونية أو الاستفتاء أو حتى الانتخابات التشريعية". 

وأفاد المتحدث بأن "هذا الموقف الأوروبي لا يعد الأول على المستوى الدولي فقد سبقته عدة مواقف وتصريحات وبيانات مثل بيان الاتحاد العالمي للقضاة، ومنظمة هيومن رايتس ووتش ممن أصدروا بيانات حول القضاة المعفيين واعتبروا أن سعيد لا يحترم القضاء ولا أحكامه وبالتالي فهو لا يحترم دولة القانون والمؤسسات التي يدعي أنه يسعى إلى تكريسها".

وبين أن "سعيد سيرفض هذا الموقف وسيتحدث مجدداً إلى مناصريه عن السيادة الوطنية متجاهلاً التطورات على المستوى العالمي وتغير مفهوم السيادة الوطنية وكوننا في عالم مفتوح وليس في فضاء مغلق وأن هناك ترابطاً بين اقتصاديات كافة الدول وحتى منظوماتها القانونية والقيمية، ومن ينعزل مآله الانهيار"، مؤكداً أن "الاتحاد الأوروبي يمول وزارتي العدل والداخلية وأن تعليق الإعانات ستكون له تبعات خطيرة".

في المقابل، أكد النائب بالبرلمان الجديد هشام حسني، أنه "لابد على رئيس مجلس نواب الشعب، إبراهيم بودربالة، عقد جلسة استثنائية، مبيناً في تدوينة له أنه لابد من التداول في تدخل البرلمان الأوروبي في الشأن الداخلي التونسي.