توسيع مهمة "الأطلسي" في العراق: أزمة جديدة في بغداد؟

توسيع مهمة "الأطلسي" في العراق: أزمة جديدة في بغداد؟

20 فبراير 2021
سيشمل التدريب المزيد من المؤسسات الأمنية العراقية (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

ينذر إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، مساء أول من أمس الخميس، توسيع مهمة الحلف في العراق إلى ثمانية أضعاف حجمها الحالي، بأزمةٍ جديدة في بغداد، طرفاها حكومة مصطفى الكاظمي والقوى المؤيدة لهذا الإعلان، من جهة، والقوى السياسية والجماعات المسّلحة المُصّنفة ضمن المعسكر الإيراني في البلاد، من جهة ثانية. وسارع الطرف الموالي لإيران إلى إشهار موقفه المعارض للخطوة، بعد ساعات من إعلانها.

وقال ستولتنبرغ، بعد اجتماع مع وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف، "قرّرنا اليوم توسيع مهمة الناتو التدريبية في العراق. ستزيد مهمتنا من 500 فرد إلى حوالي 4 آلاف فرد، وستشمل أنشطة التدريب الآن المزيد من المؤسسات الأمنية العراقية ومناطق خارج بغداد". ولفت الأمين العام لـ"الناتو"، إلى أن "وجودنا يعتمد على الظروف"، وأن "الزيادات في أعداد القوات ستكون تدريجية"، مؤكداً أن "التوسع جاء بناءً على طلب من الحكومة العراقية، وسيتم تنفيذه مع الاحترام الكامل لسيادة العراق وسلامة أراضيه".

قرّر "الناتو" توسيع مهمته التدريبية في العراق من 500 فرد إلى حوالي 4 آلاف

وعلى الرغم من أن دور حلف شمال الأطلسي في العراق ظلّ طوال السنوات التي أعقبت سيطرة تنظيم "داعش" على مدن شمال وغربي البلاد، في العام 2014، مقتصراً على التدريب والدعم اللوجستي للقوات العراقية وقوات البشمركة (الكردية) في إقليم كردستان، من دون أن يسبب أي حساسية للقوى الحليفة لإيران في العراق، إلا أن الإعلان الجديد ينطوي على توسيع مهمة الحلف في العراق لتشمل مناطق خارج العاصمة بغداد، في إشارة محتملة إلى مدن محافظتي الأنبار ونينوى الحدوديتين مع سورية، والتي تشهد اعتداءات إرهابية متكررة منذ فترة. وهذه المناطق تتمتع فيها المليشيات الموالية لإيران، بنفوذ كبير، وهو ما قد يمثل بداية لتعامل مختلف مع الوجود العسكري للحلف، وعلى نحو مشابه لما هو عليه الوجود الأميركي في العراق.

وتتواجد قوات حلف الأطلسي في العراق حالياً، بحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر عسكرية، في قاعدة فيكتوريا قرب مطار بغداد الدولي، وفي موقع صغير داخل المنطقة الخضراء (في بغداد)، إضافة إلى قاعدة حرير في أربيل. ورجّح مسؤول عسكري عراقي، تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، أن تكون توسعة المهام الجديدة للحلف خارج بغداد، إلى قاعدة "عين الأسد" وقاعدة "الحبانية" في محافظة الأنبار، غربي العراق، وفي قاعدة "القيارة" بمحافظة نينوى، شمالي البلاد. وأوضح المصدر أن مهام "الأطلسي" خلال الفترة الماضية، اقتصرت على تدريب ورفع قدرة القوات العراقية في مهام مختلفة، من بينها حرب الشوارع وتحرير الرهائن والقتال في المناطق الضيّقة، بالإضافة إلى رصد وتحليل المعلومات الاستخبارية، ومهارات قتالية مختلفة. واستبعد أن تكون التوسعة الجديدة لمهام الحلف في العراق، خارج هذا الإطار.
وأكد المسؤول العسكري أن "بغداد لا تتحمل أي نفقات أو أعباء مالية من برنامج حلف شمال الأطلسي العسكري، بل أن الحلف يعمل على تقديم المساعدة منذ سنوات، ودول فرنسا وهولندا وكندا والنرويج وألمانيا في مقدمة دول الحلف من حيث المساعدة للعراق، إذا ما تمّ استثناء الولايات المتحدة وبريطانيا، على اعتبار أن هذين البلدين يشكلان العمود الفقري للتحالف الدولي للحرب على الإرهاب منذ 2014".

وعلمت "العربي الجديد" أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تقدّم لحلف شمال الأطلسي بطلب دعم عسكري أكبر، من دون الرجوع إلى قادة الكتل الرئيسية في البرلمان، والتي يعارض أغلبها الوجود الغربي عموماً في العراق تحت أي عنوان. وأبلغ وزير عراقي في حكومة الكاظمي، طلب عدم ذكر اسمه، "العربي الجديد"، عبر الهاتف، أن "دعم الحلف لن يكون ذا طابع قتالي على الإطلاق، بل على نطاق التدريب وإخضاع قوات الجيش العراقي لدورات وورش تطوير خاصة، تكون على شكل مراحل قد تمتد لأكثر من ثلاث سنوات". ولفت المصدر إلى أن رئيس الوزراء العراقي لا يحتاج إلى موافقة البرلمان فيما يتعلق بمثل هذه الإجراءات، وطلبه لا يحمل أي مخالفة دستورية، كون قوات "الأطلسي" موجودة أساساً في البلاد منذ سنوات عديدة، وتعمل بالبرامج ذاتها التي ستعمل فيها مستقبلاً، لكن على نحو أوسع. ورجّح الوزير أن يكون تركز قوات الحلف في قواعد تواجد الجيش الأميركي في الفترة الراهنة، وليس في قواعد جديدة.

غير أن النائب العراقي عن تحالف "سائرون"، الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر، رياض المسعودي، اعتبر أن "زيادة عدد قوات حلف الأطلسي من 500 إلى 4 آلاف عنصر، وتوسيع مهماته في العراق، وبطلب من الحكومة العراقية كما يدعون، يمثل المرحلة الثالثة من المشروع الأميركي في السيطرة على القرار والثروات العراقية، وإعادة إنتاج التحالف الدولي بثوب جديد"، متوجهاً إلى هذه القوات بالقول إن "العراق ليس بحاجتكم".

تقدم الكاظمي للحلف بطلب دعم عسكري أكبر، دون الرجوع إلى قادة الكتل الرئيسية

بدوره، اعتبر النائب عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي" في البرلمان، محمد البلداوي، أن إعلان الحلف "يعارض قرار البرلمان العراقي مطلع العام الماضي بإخراج جميع أشكال القوات الأجنبية من العراق"، مستغرباً أن "يصدر مثل هذا الإعلان، ونحن (أي التحالف) لا نزال نحتاج لخروج رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لتوضيح موقفه، فهل هو فعلاً طلب دعم الحلف أم لا؟". وقال البلداوي في حديث لـ"العربي الجديد": "لسنا بحاجة إلى أحد، ولدينا القوة والعدد الكافي، ولا نريد غير إيقاف دعم القوى المناهضة للعملية السياسية في العراق من قبل بعض الجهات والدول، وقد تكون هناك حاجة للتسليح والتدريب". لكنه أكد أنهم بانتظار توضيح حكومة الكاظمي، قبل الحديث بشكل صريح عن موقف كتلته".

وأمس الجمعة، حذّر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان مهدي تقي، مما وصفه "تفاقم التوتر في العراق نتيجة الإعلان عن زيادة قوات الأطلسي". وقال تقي في تصريح لموقع إخباري محلي، إن العراق "لا يحتاج لوجود قوات أجنبية على أراضيه، لأنه يملك قوات أمنية من الجيش والحشد الشعبي قادرة على ضبط الأمن وردع الإرهاب"، معتبراً أن زيادة "الأطلسي" لقواته في العراق "ستؤدي إلى المزيد من التشنج والتوتر، لأنه في الأساس لدينا قرار برلماني واضح وصريح بخروج كلّ القوات الأجنبية من البلاد، وليس استقبال قوات جديدة".

من جهته، بدا تحالف "القوى العراقية" في البرلمان مرحّباً بالخطوة، إذ اعتبر النائب رعد الدهلكي أن إعلان "الناتو" زيادة قواته "دليل على أن العراق بات يوجه رسائل عدم اطمئنان للعالم بشأن عدم تقدمه في الملف الأمني". ورأى الدهلكي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لو كان هناك استقرار أمني وسيطرة للدولة ومؤسساتها، فبالتأكيد لا نحتاج لدعم الحلف، لكن في ظلّ التصعيد الحالي والسلاح المنفلت اليوم، فنحن مع أي عمل أو جهد لتقوية الحكومة واستتباب الأمن في العراق".

ورأى عضو الحزب الشيوعي العراقي علي السعدي، أن "موقف الكتل الحليفة لإيران من توسيع حلف الأطلسي لدوره في العراق، سيتحدد من خلال طهران، وقد يكون الإيرانيون حريصين اليوم على عدم استعداء أو الدخول في تشنج سياسي مع دول أوروبية في الحلف موجودة في العراق، لاعتبارات تتعلق بالمفاوضات النووية". ورجّح السعدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكون خطوة زيادة مهام الأطلسي ضمن ما وصفه بـ"تكتيك للإدارة الأميركية الجديدة في التعامل مع الملف العراقي المعقد".

ينطوي الإعلان على توسيع مهمة الحلف لتشمل الأنبار ونينوى

وتعليقاً على إعلان "الناتو"، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، مجاهد الطائي، أن "الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن، تظهر على أنها لا تريد التورط في الملف العراقي بمفردها، وتريد إعطاء طابع دولي لدورها مع شركائها في حلف شمال الأطلسي ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، لتتجاوز ضغوط حلفاء طهران وسلوكياتهم العدائية التي تتحجج بها كقوات احتلال". وأضاف الطائي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الكتل الحليفة لإيران ومليشياتها تريد وجوداً دولياً دبلوماسياً دولياً وغربياً واسعاً لإعطاء دعم وشرعية للنظام السياسي الحالي في البلاد، لكن الدعم العسكري والأمني الذي يهدف إلى تعزيز الدولة والقانون والقوات العراقية تحديداً، ومنحها قوة واستقلالية أكبر، هي ما يعارضونه". ورأى الخبير السياسي أن "القوى السنّية والكردية سترحب بأي دعم دولي، لأن محافظاتها هي ساحة الصراع لهذه المليشيات، وكذلك لتنظيم داعش، خصوصاً بعد توسيع ساحة الصراع لتشمل إقليم كردستان في تطور خطير قد لا تسمح القوى الإقليمية والدولية باستمراره"، في إشارة إلى الهجوم الصاروخي الذي استهدف قاعدة أميركية في مطار أربيل الدولي، في 15 فبراير/شباط الحالي.

وأشار الطائي، إلى أن "دخول حلف شمال الأطلسي بشكل أقوى في العراق، قد لا يفسّر فقط من زاوية مشاركة دولية أكبر في العراق لمواجهة إيران، بقدر ما يعني أنه تراجع أميركي وتغيير في الأداء". وأوضح ذلك بأنه "بدلاً من أن تكون المواجهة أميركية - إيرانية منفردة، ستكون هناك قيادة أميركية وحضور أكبر في العراق من خلال الحلفاء، وسيتحمل الجميع التبعات التي لن تكون تصعيدية في النهاية، بقدر ما هي محاولة تقوية الدولة العراقية أمام قوى اللادولة التي تمثلها المليشيات المسلحة التابعة لإيران". ولا يستبعد الخبير السياسي أن يكون أحد أهداف الحلف "تأسيس فرقة أو وحدة عسكرية مهنية، بعيدة عن تأثير المليشيات والأحزاب في العراق، لدعم الدولة العراقية وتعزيز مكانتها في ظلّ تنامي هيمنة المليشيات".