توسع قمع المواطنين العرب في إسرائيل

14 يناير 2025
تظاهرة لفلسطينيي الـ48 في حيفا، 15 نوفمبر 2024 (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، اتخذت الحكومة الإسرائيلية خطوات لتغيير التعامل مع الفلسطينيين في إسرائيل، مما أدى إلى قمع الحريات ومنع التعبير عن الرأي، وزيادة حدة السياسات رغم الهدوء النسبي في البلدات العربية.

- المحكمة العليا الإسرائيلية دعمت موقف الشرطة في منع تظاهرة في سخنين، مما يعكس دور المحاكم كأداة للضبط والقمع السياسي، وتقليص هامش العمل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل.

- في جامعة حيفا، واجهت الحركات الطلابية العربية محاولات منعها من المشاركة في انتخابات نقابة الطلاب، لكن "قائمة الكرمل" نجحت في تحقيق تمثيل، مما يعكس إصرار الطلاب العرب على مواجهة التمييز.

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبداية الحرب على غزة، بادرت الحكومة الإسرائيلية للعمل على تغيير قواعد التعامل وشروط العمل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، وذلك بواسطة طرح اقتراحات وتعديل قوانين وتبني سياسات تسهل الرقابة السياسية، وتزيد من التحريض على المواطنين الفلسطينيين، وتقمع الحريات وتمنع التعبير عن الرأي. الأدوات المستخدمة في التعامل مع الفلسطينيين توضح أن المؤسسة الإسرائيلية تتعامل مع المواطنين العرب في إسرائيل في أوقات الأزمات الأمنية الحادة على أنهم أعداء، أو على الأقل أعداء محتملون.

هذه السياسات ضد المواطنين العرب في إسرائيل لم تتغير بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة على غزة، والتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مع حزب الله، بل ازدادت حدة، بالرغم من الهدوء الذي ساد البلدات العربية داخل إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة ولغاية الآن.

المحكمة العليا تتبنى مواقف الشرطة

أعلنت لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل تنظيم تظاهرة ضد الحرب على غزة في مدينة سخنين في الجليل بتاريخ 10 يناير/كانون الثاني الحالي، وقدمت طلباً إلى الشرطة بذلك. إلا أن الشرطة رفضت منح الترخيص لتظاهرة المواطنين العرب في إسرائيل بحجج متنوعة، منها أن "دولة إسرائيل في حالة حرب"، وأن "الطريق المجاور لمدينة سخنين يُستخدم، من بين أمور أخرى، لمرور مركبات الجيش الإسرائيلي والطوارئ"، وأيضاً أن "الحديث يدور عن حدث يحتوي، بحسب المواد والمعلومات المتوفرة لدى الشرطة، على خطابات ذات طابع تحريضي تُضعف قوات الأمن التي تخاطر بحياتها في هذه الأيام، على حدود إسرائيل وخارجها من أجل أمن الدولة".

تبنت المحكمة العليا تبريرات الشرطة لمنع تظاهرة المواطنين العرب في إسرائيل في المسار المقترح

على أثر رفض الشرطة منح تصريح لتظاهرة المواطنين العرب في إسرائيل قدمت لجنة المتابعة، بواسطة مؤسسة عدالة-المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، التماساً إلى المحكمة العليا لإبطال قرار الشرطة. المحكمة العليا الإسرائيلية قبلت موقف الشرطة، وتبنت التبريرات المقدمة من قبلها لمنع تظاهرة المواطنين العرب في إسرائيل في المسار المقترح. كما وافق القضاة الذين نظروا في قضية تظاهرة المواطنين العرب في إسرائيل على إخراج الحاضرين من لجنة المتابعة ومركز عدالة من قاعة المحكمة، للنظر في معلومات سرية مزعومة عرضتها الشرطة لتبرير موقفها الرافض.

قبول المحكمة العليا موقف الشرطة الرافض منح ترخيص لتظاهرة المواطنين العرب في إسرائيل يوضح الدور الذي تقوم به المحاكم في إسرائيل، منها المحكمة العليا، لبوصفها جزءا من أدوات الضبط والقمع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل وتقييد حيز العمل السياسي، وحرية التعبير عن الرأي، خاصة العمل السياسي الجماعي للفلسطينيين في إسرائيل، بصيغة لجنة المتابعة العليا. في أعقاب القرار، أعلنت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية إلغاء تظاهرة المواطنين العرب في إسرائيل ودعت إلى تنظيم وقفات احتجاجية صغيرة عند المفترقات والطرق الرئيسية في جميع أنحاء البلاد، إلا أن هذا الأمر لم ينفذ أيضاً.

تقليص هامش العمل السياسي يمتد للجامعات

في ذات الأسبوع، تم تسجيل محاولة أخرى لقمع العمل السياسي الخاص بالمواطنين العرب في إسرائيل، لكن هذه المرة عبر مؤسسة أكاديمية، وتمثل في محاولات منع حركات سياسية طلابية من المشاركة في انتخابات نقابة الطلاب العامة في جامعة حيفا. بتاريخ الثامن من يناير الحالي جرت انتخابات نقابة الطلاب العامة في جامعة حيفا، التي يدرس فيها قرابة ثمانية آلاف طالبة وطالب عربي يشكلون نحو 51% من مجمل الطلاب في الجامعة. وعادة لا تحظى هذه الانتخابات باهتمام كبير من الطلاب العرب والأحزاب السياسية العربية الممثلة بحركات طلابية في الجامعة، خاصة أن حركات طلابية يهودية يمينية تسيطر على نقابة الطلاب منذ سنوات. إلا أن هذه الانتخابات، وبسبب الحالة السياسية العامة، والتحريض الذي قامت به نقابة الطلاب العامة ضد الطلاب العرب منذ السابع من أكتوبر 2023، وقيامها بدور المخابرات والوشاية بالطلاب العرب بسبب تغريدات على منصات التواصل الاجتماعي، وتقديم عدد كبير من الطلاب إلى لجان طاعة في الجامعة، والتحريض ضد المحاضرين العرب في الجامعة، ولو كان عددهم قليلا للغاية، قررت الحركات الطلابية خوض انتخابات النقابة العامة في نوع من أنواع التحدي.

الأحزاب المسيطرة على النقابة حاولت منذ الإعلان عن موعد الانتخابات منع الحركات الطلابية العربية من الترشح للانتخابات. لم تنشر النقابة إعلانات كافية وواضحة عن موعد الانتخابات ومواعيد تقديم الترشيحات ونظم الانتخابات، وعملت على إعاقة تقديم ترشيحات كتلتي التجمّع الطلابي والجبهة الطلابية، ليحول ذلك فعلاً دون استقبال وقبول مرشحي الكتلتين، وإغلاق باب الترشيح ومنع القوائم العربية من تقديم طلبات الترشح. بعد هذا التصرف التعسفي توجهت الكتل الطلابية العربية إلى المحكمة التي قررت إعادة فتح باب الترشيح وسمحت للقوائم العربية تقديم طلبات الترشح.

في هذه الأجواء العنصرية والحاجة إلى تحدي خطوات نقابة الطلاب العامة، ولتغيير وضع الطلاب العرب في جامعة حيفا، وكسر حالة الخوف والملاحقة، قررت كتلتا التجمع والجبهة خوض الانتخابات بقائمة مشتركة باسم "قائمة الكرمل"، الأمر الذي خلق حراكاً سياسياً عربياً جدياً في الجامعة، ورفع سقف التوقعات واحتمال تحقيق إنجاز انتخابي وسياسي، يكسر هيمنة أحزاب اليمين على نقابة الطلاب في جامعة حيفا، ويرفض سياسات الإخراس. وفعلاً كان هناك ارتفاع في مشاركة الطلاب العرب في انتخابات نقابة الطلاب العامة. هذه الأجواء أزعجت إدارة نقابة الطلاب الحالية، التي لم تكتف بمحاولات منع الترشح والمشاركة في الانتخابات، بل إنها منعت فرز الأصوات ليلة الانتخابات (الأربعاء الماضي)، وأجلت عملية الفرز بقرار تعسفي لغاية الأحد الماضي، بحجة وجود شبهات لعمليات تزوير في الانتخابات. ومن أصل 40 مقعداً حصدت "قائمة الكرمل" أربعة مقاعد في انتخابات نقابة الطلاب في الجامعة، فيما حصلت قائمة "نكمل الطريق"، التي تترأس النقابة منذ نحو 10 سنوات، على 35 مقعداً، وقائمة "لجنة الطلاب" على عضو واحد. واستنكرت "قائمة الكرمل"، في بيان أمس الاثنين، "الالتفاف على إرادة الطلاب في انتخابات نقابة الطلاب في جامعة حيفا"، مشيرة إلى "وجود مؤشرات واضحة ومكشوفة لا لبس فيها تشير إلى تزوير النتائج ومحاولة تحييد أصوات الطلاب العرب، وكل معارض لإدارة النقابة". من الواضح أن إدارة نقابة الطلاب لا تريد وجود تمثيل جدي وعضوي ووطني للطلاب العرب في النقابة، لتستمر في سياسات التمييز والعنصرية والإقصاء وملاحقة الطلاب العرب، والسيطرة على موارد مالية ومعنوية وسياسية كبيرة، تحرم الطلاب العرب منها.

المؤسسات الإسرائيلية تسعى لوضع يكون فيه أي عمل سياسي خالياً من التمثيل العربي

تصرف إدارة نقابة الطلاب يوضح أن الأجواء العدائية للمجتمع العربي في إسرائيل، لا تقتصر على الأحزاب السياسية الممثلة في الكنيست والحكومة، ولا على مؤسسات الحكم والإعلام فقط، بل باتت تترجم بخطوات عملية على أرض الواقع، وفي مستويات عدة. المؤسسات الإسرائيلية تسعى لوضع يكون فيه أي عمل سياسي وأي مؤسسات سياسية خالية من التمثيل العربي، بواسطة قوانين وسياسات، وإذا لم ينجح ذلك تستعمل قرارات وخطوات بيروقراطية وإدارية، أو بالمراوغة والتحايل والتزييف.

توسع قمع المواطنين العرب في إسرائيل

بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة في غزة، وأمام مشاهد الإبادة والقتل والدمار في غزة ولبنان، وسياسات الإخراس والملاحقة، يجد المجتمع العربي نفسه أمام ترجمة واضحة لسياسات تضييق هامش العمل السياسي، الضيق أصلاً، منها منع التظاهر أو منع المشاركة في انتخابات نقابات طلابية. لا تكتفي إسرائيل، منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، بشن حرب إبادة على غزة، وإعادة الاحتلال إلى الضفة الغربية وإلغاء نتائج اتفاقيات أوسلو، بل هناك أيضاً محاولات تغيير وتقييد حدود العمل والتصرف السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، ومحاولات لقمع الانتماء والوعي الوطني، وإغلاق ملف المطالب الجماعية للفلسطينيين في إسرائيل. في ظل كل هذه التحديات العميقة والخطيرة، والتي تُعد الأقسى والأصعب منذ 1948، تزداد أهمية العمل والموقف الجماعي وتنظيم المجتمع الفلسطيني ومأسسته وتطوير مركز سياسي، لمواجهة التحديات وعدم الاستكانة لسياسات الإخراس والترهيب. هنا تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الأحزاب والنخب والقوى السياسية الفاعلة في الداخل، لمواجهة التغيرات السياسية الحاصلة وكسر حالة الترهيب، ومحاولة تقويض المنجزات والحقوق السياسية التي انتزعت عبر نضال سياسي طويل وتضحيات كبيرة.

ما حاولت أن تعبر عنه "قائمة الكرمل" في انتخابات نقابة طلاب جامعة حيفا، هو تثبيت ضرورة عدم التراجع أمام موجة اليمين الفاشي، والإصرار على التمسك بالهوية الفلسطينية والانتماء الوطني، وعلى نيل الحقوق المدنية والمساواة الكاملة بعزيمة أشد من السابق، وعدم التخلي عن المواقف المبدئية العادلة، والتمسك بالحقوق الفردية والجماعية التي لا يمكن أن تتأتى دون نضال سياسي يتحدى جوهر النظام الصهيوني. والأهم أن التجربة الطلابية قررت عدم الخضوع لسياسة الترويع والتخويف والإخراس، وإعادة التأكيد على رفض المقايضة بين القضايا القومية الوطنية والمدنية المطلبية.

وهذا ما يحاول فعله الكثير من أبناء البلدات العربية عبر تحدي قرارات منع التظاهر، والاستمرار في التعبير عن موقف رافض للحرب ومُطالب بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وتحقيق السلام العادل، والحصول على الحقوق الطبيعية والمساواة الجوهرية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، رغم القمع والاضطهاد والملاحقة وسياسات الإخراس.

المساهمون