توسع العمليات التركية في العراق: لا مناطق آمنة لـ"العمال الكردستاني"

توسع نطاق العمليات التركية في العراق: لا مناطق آمنة لـ"العمال الكردستاني"

20 يونيو 2022
لم تعد تركيا تلتزم بمسافات محددة في عمليتها (Getty)
+ الخط -

يُمثل مقتل القيادي البارز ونائب رئيس "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، فرهاد شبلي، المعروف بـ"فرهاد ديرك"، إلى جانب عدد من مساعديه، في غارة نفذتها طائرة مسيّرة في بلدة كلار العراقية أقصى شمال شرقي العراق، جنوبي محافظة السليمانية، يوم الجمعة الماضي، بمثابة توسعة تركية جديدة وغير مسبوقة لنطاق المواجهة العسكرية ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني والفصائل المسلحة المرتبطة به داخل الأراضي العراقية.

في المقابل، يؤكد مسؤولون عراقيون في بغداد، وجود مساعٍ لنشر قوات إضافية من وحدات الجيش لتضييق فرص عبور المسلحين الأكراد من الحسكة السورية إلى سنجار العراقية عبر مثلث "فيشخابور" الحدودي، الذي يُعتبر الممر الرئيسي لتنقل مسلحي "العمال الكردستاني" بين البلدين.

تركيا توسع نطاق عملياتها في العراق

وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق، يوم الجمعة الماضي، مقتل أربعة أشخاص كانوا في سيارة جيب، وإصابة سيدة سورية بجروح، نتيجة قصف نفذته طائرة تركية مسيّرة في بلدة كلار، جنوبي السليمانية.

وجاء ذلك قبل أن تعترف "الإدارة الذاتية" شرقي سورية، بمقتل فرهاد شبلي، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ"الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية"، بغارة تركية نفذتها طائرة مسيّرة. وطالبت "الإدارة الذاتية" الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بما وصفته بـ"تحمّل المسؤولية وتوضيح موقفها"، من عملية استهداف القيادي فيها.

ترفض بغداد تحمل أمن "المتسللين" بشكل غير شرعي إلى أراضيها

وعن ذلك، قال مسؤول رفيع في وزارة الداخلية العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "شبلي دخل بصورة غير شرعية إلى العراق عبر التسلل، ولا تتحمّل بغداد المسؤولية عن دخول المتسللين". وأضاف أن "موقف العراق رافض لعمليات القصف التركي ويسعى إلى إجراء المزيد من المفاوضات مع أنقرة حيال ذلك، لكن بغداد لا تتحمل أمن المتسللين بشكل غير شرعي إلى أراضيها مهما كانت صفتهم".

وكشف المسؤول في وزارة الداخلية العراقية عن توجه لقيادة العمليات العراقية المشتركة، لنشر وحدات جديدة بين ناحية سنوني وفيشخابور على الحدود مع سورية، لتضييق مسارات التهريب والتسلل، سواء للأشخاص أو الممنوعات أو الأسلحة التي يتورط فيها مسلحون أكراد سوريون في العادة.

من جهته، أشار مصدر أمني في أربيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى "وجوب سؤال الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية عن كيفية دخول شبلي والآخرين، وما إذا قرر احتضان قيادات من خارج الإقليم ما سيتسبب في أزمات مع تركيا مرة أخرى".

وتأتي الغارة التركية بعد سلسلة غارات نفذتها طائرات مسيّرة استهدفت قيادات بارزة عدة في "العمال الكردستاني" في مناطق سنجار ومخمور والزاب القريبة من الحدود التركية.

وتنفذ القوات التركية منذ 18 إبريل/ نيسان الماضي عملية عسكرية بمشاركة سلاح الجو ووحدات برية خاصة، في قرى ومناطق عراقية حدودية ضمن إقليم كردستان، تستهدف مواقع ومخابئ لمسلحي "الكردستاني". وأطلقت تركيا على عمليتها اسم عملية "قفل المخلب"، وهي العملية الثالثة من نوعها في غضون نحو عام واحد.

وتمكن أهمية العملية التركية في بلدة كلار أقصى شمال شرقي العراق، في كونها أبعد نقطة يصل إليها الطيران التركي منذ بدء المواجهات الفعلية بين الطرفين على الأراضي العراقية.

وتبعد مدينة كلار عن الحدود التركية مسافة 275 كيلومتراً، وتقع أقصى شمال شرقي العراق على مقربة 35 كيلومتراً من الحدود الإيرانية شمال ديالى وجنوبي السليمانية. هذا الأمر يعني رسائل تركية جديدة بشأن إسقاط نظرية الملاذات الآمنة التي يسعى مسلحو "الكردستاني" للاستفادة منها داخل العراق، كما أنها تؤشر على انكشاف مواقع الحزب في بلدات مثل سوران وسيدكان والزاب وقنديل وسنجار ومخمور أمام الجيش التركي.

كذلك تُطرح تساؤلات عن كيفية وصول قيادات "العمال الكردستاني" إلى مناطق يفترض أن بلوغها يحتاج اجتياز قوات الجيش والشرطة العراقية في حال كان مسار تسللهم نينوى ـ كركوك ـ ديالى، أو وحدات البشمركة والأسايش، في كحال كان مسار تسللهم دهوك - أربيل - السليمانية.

اختراق تركي لملاذات قيادات "الكردستاني"

واعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي أن العملية التركية الأخيرة تُسقط نظرية الأماكن الآمنة لمسلحي "العمال الكردستاني"، إذ باتت جميع مواقعهم تحت مرأى القصف التركي.

بلدة كلار هي أبعد نقطة يصل إليها الطيران التركي منذ بدء المواجهات

ورأى النعيمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مواقع حزب العمال الكردستاني في البلدات الحدودية العراقية باتت مكشوفة بالنسبة لقيادات الحزب والعناصر المرتبطة بهم، مضيفاً أن توجههم إلى مناطق بعيدة جداً عن الحدود التركية يؤشر على سعيهم لتأمين أوضاعهم، لكن في الوقت ذاته فإنه يكشف عن اختراق المخابرات التركية الجماعة بشكل غير مسبوق أيضاً. ورجح أن "تكون العملية التركية في بلدة كلار بداية تساقط قيادات وعناصر حزب العمال المتورطين في هجمات داخل تركيا ومطلوبين للقضاء التركي".

من جهته، قال القيادي والنائب في البرلمان عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل، لـ"العربي الجديد"، إن "عناصر وقادة من حزب العمال، منهم متورطون بأعمال إرهابية وإجرامية بحق أهالي سنجار وبقية المناطق في إقليم كردستان، وقيادات من تشكيلات مسلحة تتخادم مع العمال الكردستاني، يتسللون إلى العراق عبر منافذ تسيطر عليها فصائل مسلحة متفرقة توالي إيران، وممرات غير رسمية مع الأراضي السورية". ورأى أن "العملية الأخيرة للأتراك في بلدة كلار، وعلى الرغم من أننا نرفضها، إلا أنها تؤكد استمرار تسلل قياديين في حركات سياسية ومسلحة غير عراقية أصلاً إلى داخل العراق".

أما السياسي الكردي لطيف الشيخ، فقال إن "التعاون والدعم الذي تحظى به التشكيلات المسلحة لحزب العمال وحلفائه من الفصائل المسلحة المدعومة بالمال والسند السياسي، هي التي تدفع إلى اختراق حدود العراق من سورية ومناطق أخرى، من بعض قادة حزب العمال وقسد وربما مجموعات أخرى، ومنه يدخلون بواسطة سيارات مضللة تعود إلى فصائل مسلحة".

واعتبر الشيخ، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأتراك توسعوا في عملياتهم إلى مناطق باتت قريبة من المدن العراقية تحت علم حكومة بغداد، ما يعني أن تركيا لم تعد تلتزم بمسافات محددة، بل إنها تراقب كل الأراضي العراقية، وقد تكون كل الأراضي عرضة للاستهداف إذا ما تواجد فيها العمال".

في المقابل، قال مسؤول لجنة العلاقات في "العمال الكردستاني" داخل العراق، كاوه شيخ موس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "العمليات العسكرية التركية تمثل تحدياً كبيراً"، معتبراً أن "زيارة مسؤولين من الإدارة الذاتية أو غيرهم، إلى مدن عراقية، لا يعني أن هناك تنسيقاً أو عملاً مشتركاً مع جهة داخل العراق، وبحسب المعلومات المتوفرة لغاية الآن، فإن فرهاد شبلي، كان في رحلة علاجية، وتجوّل في السليمانية والمناطق المحيطة بها". وتساءل شيخ موس: "هل من المعقول أن يتم قتل أي مريض جاء إلى العراق من الخارج؟".

أما المستشار السابق في رئاسة حكومة إقليم كردستان العراق، كفاح محمود، فلفت إلى أن "توسيع العمليات التركية هو رد فعل على توسيع حزب العمال لعملياته ومناطق وجوده، إلا أن هناك فرقاً واضحاً بالإمكانات".

وأوضح محمود أن "العمليات الأخيرة للأتراك تدل على أنهم يستخدمون أدوات غير تقليدية، لا سيما في متابعتهم للمدن الآمنة"، لافتاً إلى أن الجيش التركي "استهدف أخيراً مقراً للعمال في قلب منطقة سكنية داخل مدينة سنجار، بدقة عالية وواضحة وهو دليل على امتلاكه مجسات كثيرة".

واعتبر محمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "حزب العمال الذي يدعي أنه يقف ضد الحكومة التركية، هو في الواقع يعبث بأمن مدن عدة من بينها سنجار وقنديل إضافة إلى السليمانية، وهناك 800 قرية هجرها سكانها، بسبب العمليات العسكرية من جهة، ووجود المظاهر المسلحة سواء للعمال أو للأتراك فيها من جهة أخرى".