توتر بين القاهرة وواشنطن يهدد زيارة السيسي بالإلغاء

12 فبراير 2025
السيسي وترامب في البيت الأبيض، 9 إبريل 2019 (مانديل أنغان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد العلاقات المصرية الأميركية توتراً بسبب رفض مصر لخطة ترامب لتهجير سكان غزة، مما أدى إلى دراسة تأجيل زيارة السيسي للولايات المتحدة واستياء مصري من وصف ترامب للسيسي بـ"الجنرال".
- تلقى نتنياهو دعماً من ترامب في تصريحاته ضد مصر والسعودية، مما دفع القاهرة لإعادة النظر في قمة مشتركة، وحذر وزير الخارجية المصري من تداعيات الخطة ورفض المؤسسة العسكرية لها.
- تهديدات ترامب بوقف المساعدات قد تؤثر على معاهدة السلام، لكن بعض المحللين يرون أن التوتر عابر والدبلوماسية المصرية قادرة على إدارة الأزمة.

تشهد العلاقات المصرية الأميركية واحدة من أشد فتراتها توتراً خلال العقود الثلاثة الماضية، وذلك على خلفية الموقف المصري الرافض لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن. ووفقاً لمصادر دبلوماسية مصرية، فإن التوتر بين القاهرة وواشنطن دفع مصر إلى دراسة إرجاء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة، المقررة في 18 فبراير/شباط الحالي، إلى أجل غير مسمى، بسبب ردود فعل أميركية "شديدة السلبية" تجاه التحفظات المصرية على هذه الخطة. وتفيد مصادر مصرية تحدثت لـ"العربي الجديد" بأن تقديراً رسمياً للوضع رفع إلى القيادة السياسية المصرية، خلص إلى أن العلاقات المصرية الأميركية تمر بمرحلة توتر غير مسبوقة منذ ثلاثين عاماً. وبحسب المصادر، فإن دوائر القرار في القاهرة استقبلت ردوداً أميركية "فاترة ومستهجنة" بعد إبلاغ واشنطن بالمخاوف الأمنية والسياسية من تنفيذ خطة ترامب، التي تتضمن إعادة توطين سكان قطاع غزة في كل من مصر والأردن. وتضيف المصادر أن أحد الأسباب التي فاقمت التوتر بين القاهرة وواشنطن، استخدام ترامب المتكرر لوصف السيسي بـ"الجنرال"، وهو توصيف يعُدّ في القاهرة على أنه يحمل طابعاً استخفافياً بمكانة الرئيس المصري. وبحسب المصادر، فإن رد مسؤولي إدارة ترامب على الاستياء المصري من هذا الوصف كان "بارداً وغير مبالٍ".


دبلوماسي مصري: إذا أوقف ترامب المساعدات تُصبح معاهدة السلام بلا معنى

نتنياهو والحصول على دعم ترامب

وترى مصادر مصرية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تلقى دعماً ضمنياً من ترامب في تصريحاته الأخيرة، التي تضمنت هجوماً لاذعاً على كل من مصر والسعودية. فقد اتهم نتنياهو مصر بتحويل غزة إلى "سجن مفتوح"، ودعا السعودية إلى تخصيص أراضٍ لإقامة دولة فلسطينية. وأثارت هذه التصريحات استياءً واسعاً في القاهرة، مع تعالي الدعوات إلى تأمين تنسيق مصري سعودي على أعلى مستوى لمواجهة التداعيات السياسية لهذه التصريحات. وتشير المصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن التطورات الأخيرة دفعت مصر إلى إعادة النظر في انعقاد قمة مشتركة، كان من المزمع عقدها بين ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والعاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وفي سياق متصل، يكشف مصدر دبلوماسي مصري في واشنطن أن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ناقش خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة التداعيات المحتملة لخطة ترامب، محذراً من أنها قد تؤدي إلى إحياء نشاط الجماعات المتشددة التي لطالما استغلت القضية الفلسطينية أداةً للتجنيد والتأثير. ويشير المصدر لـ"العربي الجديد" إلى أن عبد العاطي نقل إلى المسؤولين الأميركيين والنواب المؤثرين في الكونغرس رفض المؤسسة العسكرية المصرية القاطع لأي محاولات لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، محذراً من تداعيات أمنية خطيرة قد تنجم عن هذه الخطوة. لكن على الرغم من التحذيرات المصرية، واصل ترامب ضغوطه، مع تهديده بقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يقبلا باستقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزة. وخلال تصريحات أدلى بها في البيت الأبيض، حذر الرئيس الأميركي من أن وقف إطلاق النار في غزة قد يُلغى إذا لم تُفرج حركة حماس عن جميع الرهائن الإسرائيليين بحلول السبت المقبل، مهدداً بفتح "أبواب الجحيم" على القطاع إذا لم تُنفَّذ مطالبه.

في المقابل، يعتبر دبلوماسي مصري أن تهديدات ترامب بوقف المساعدات لمصر والأردن قد تؤدي إلى انهيار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، مشيراً إلى أن هذه المساعدات تُقدَّم في إطار رسمي بناءً على مذكرة تفاهم بين القاهرة وواشنطن من أجل التزام معاهدة السلام. ويضيف في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنه "في حال إقدام ترامب على هذه الخطوة، فإن المعاهدة ستصبح بلا معنى، وسيتعين على مصر إعادة تقييم موقفها من استمرار تنفيذها". وحول التوتر بين القاهرة وواشنطن، يرى المحلل محمد عصمت سيف الدولة، أن ما يُطلق عليه مساعدات أو معونات أميركية لمصر، ليس في حقيقته سوى "فاتورة رخيصة" تدفعها الولايات المتحدة مقابل حزمة من الخدمات التي تقدمها إليها الدولة المصرية. ويشير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن من بين هذه الخدمات، التسهيلات اللوجستية التي تحصل عليها البوارج الأميركية في قناة السويس، وامتيازات الطائرات الأميركية في المجال الجوي المصري، إضافة إلى احتكار واشنطن لأغلب التسليح المصري.

ويرى سيف الدولة أن تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمصر تتيح "فرصة تاريخية للتحرر"، خصوصاً في ظل استحالة قبول أي سلطة مصرية بإملاءات مثل إخلاء غزة من سكانها وترحيلهم إلى الأراضي المصرية، معتبراً أن الإقدام على مثل هذه الخطوة سيكون بمثابة "نهاية لأي سلطة تجرؤ على تنفيذها". ويشدّد سيف الدولة على ضرورة استعادة الدولة المصرية لاستقلالها وإرادتها، عبر التحرر من القيود المفروضة على قواتها بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، وقطع التبعية للولايات المتحدة، بما في ذلك المساعدات الأميركية التي يصفها بـ"الهيمنة المذلة".

أيمن سلامة: لم يرد في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أي إشارة لأي مساعدات

 

التوتر بين القاهرة وواشنطن

من جهته، يعتبر أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة، في تعليقه على التوتر بين القاهرة وواشنطن أن "مذكرة التفاهم المصرية الأميركية التي وقعها الرئيسان محمد أنور السادات وجيمي كارتر في عام 1980، هي الأساس القانوني للمساعدات الأميركية لمصر، التي أصبحت في ما بعد (منحة)"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لم يرد في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أي إشارة، لا ضمنية ولا صريحة لأي مساعدات"، ومشدداً على أن "مذكرة التفاهم المصرية الأميركية تعتبر معاهدة دولية".

من جانبه، يوضح المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن تهديد ترامب بوقف المعونات لمصر يظل مجرد احتمال حتى الآن، لكنه يثير تساؤلات عن طبيعة هذه المساعدات وارتباطها بمعاهدة السلام مع إسرائيل. ويؤكد حسن أن هذه المساعدات جاءت نتيجة تفاهمات ترتبط بعملية السلام، إذ تحصل القاهرة وواشنطن على معونات عسكرية متساوية تقريباً، وإن كانت المساعدات المقدمة إلى إسرائيل قد زادت إلى 3.1 مليارات دولار، فيما ظلت المساعدات المصرية عند 1.3 مليار دولار، مع خفض الدعم الاقتصادي لمصر.

أما المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، حسين هريدي، فيعتقد أن التوتر بين القاهرة واشنطن عابر، لأن العلاقات المصرية الأميركية مرت بتحديات عديدة من قبل، ولكن دوماً كان هناك إدراك لأهمية الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين. ويرى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الدبلوماسية المصرية قادرة على إدارة هذه الأزمة بحكمة، وهناك أدوات متعددة يمكن استخدامها لتجاوز هذه المرحلة من دون خسائر كبيرة على المستوى الاستراتيجي والسياسي... يمكن أن نتجاوز هذه المحنة الدبلوماسية مع ترامب".

المساهمون