استمع إلى الملخص
- شكلت الحكومة السودانية لجنة للتحقيق في الحادث، بينما دعت حكومة جنوب السودان إلى تحقيق شامل وأكدت على أهمية التهدئة وضبط النفس.
- أشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إلى تزايد خطورة الوضع في السودان، مع وجود أدلة على جرائم حرب ومقتل 13 شخصًا في هجمات إثنية.
بعد استعادة الجيش السوداني مدينة مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وسط السودان، من قبضة قوات الدعم السريع في 11 يناير/ كانون الثاني الحالي، أقدمت عناصر من مجموعات شبه عسكرية تقاتل إلى جانب الجيش على قتل مواطنين من دولة جنوب السودان في المنطقة بتهمة التعاون مع "الدعم السريع"، وتم بث مقاطع فيديو تظهر إطلاق النار وذبح عدد منهم، الأمر الذي أثار موجة من الغضب في جنوب السودان استدعت على أثرها وزارة الخارجية السفير السوداني عصام محمد حسن وعبّرت عن احتجاجها الشديد على ما حدث مطالبةً بالتحقيق.
ونتيجة لذلك، شهدت مدينة جوبا، عاصمة جنوب السودان، يوم أمس الخميس، تظاهرات احتجاجية سرعان ما تحولت إلى اعتداءات وعمليات نهب للمتاجر التي يملكها سودانيون مقيمون في المدينة، فيما انتشرت الشرطة وأطلقت الرصاص في الهواء لتفريق المحتجين الغاضبين حتى منتصف الليل. كما تعرض الدبلوماسي في سفارة السودان بجوبا يحيى محمد عثمان لهجوم وشتائم في أحد الفنادق في المدينة.
واستدعت وزارة الخارجية بجنوب السودان، أول من أمس، السفير السوداني عصام محمد حسن، وعبرت عن قلقها العميق بشأن مقتل عدد من مواطنيها في ود مدني، ودعت للتحقيق في ذلك.
وقال وكيل وزارة الخارجية جون صامويل، في تصريحات للصحافيين، إن الحكومة أبلغت السلطات في الخرطوم رسميا بموقفها مطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة. وأضاف: "لقد طلبنا الحصول على إذن لتقديم الخدمات القنصلية حتى نتمكن من زيارة المتضررين وجمع الحقائق، وتحديد ما حدث بالضبط. هذا سيمكننا من إبلاغ العائلات هنا وضمان تحقيق العدالة لمواطنينا".
من جانبه، أكد السفير السوداني تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث، وأكد أن السودان يرفض مثل هذه الجرائم ويظل ملتزما باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وكان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قد أصدر، الأربعاء الماضي، قراراً بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي وقعت في ولاية الجزيرة، وكلفها بجمع الأدلة والتحقيق والحصول على الشهادات والأقوال واستدعاء الأشخاص المعنيين والشهود.
وحمّل عدد من الكتّاب والمثقفين الجنوبيين في منشورات على موقع فيسبوك، الجيش السوداني مسؤولية سلامة مواطني جنوب السودان على الأراضي السودانية وأرواح من قتلوا منهم على يد كتائب تابعة للجيش، وطالبوا بتحقيق دولي في الحادث، وحثوا مواطنيهم على التهدئة وإطفاء نار الفتنة وعدم الانجرار وراء دعوات العنف والكراهية وأخذ الحق باليد.
واندلعت مشادات على وسائل التواصل الاجتماعي بين مواطنين من البلدين وسط محاولات تهدئة من قبل صحافيين ومثقفين، إذ اتهم بعض السودانيين مواطنين من جنوب السودان بالقتال إلى جانب "الدعم السريع"، بينما أكد المتداخلون من الجنوب أن من تعرضوا للقتل في الجزيرة لم يكونوا مقاتلين، وأن من يحملون السلاح قلة يمثلون أنفسهم فقط وموجودون مع طرفي الحرب.
ونتيجة لحالة الاحتقان، أصدرت السكرتيرة الصحافية لرئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ليلي أدهيو بيانا، أمس الخميس، أدان عمليات القتل الأخيرة للمدنيين من جنوب السودان على يد القوات المسلحة السودانية وحلفائها. وفي البيان الذي صدر نيابة عن الرئيس، أكدت أدهيو لمواطنيها أن الحكومة تتخذ إجراءات سريعة وحاسمة لمعالجة المأساة، ودعتهم إلى الهدوء والامتناع عن الانتقام من التجار واللاجئين السودانيين المقيمين في البلاد.
وقالت: "إن هؤلاء الأفراد يبحثون عن الأمان، ومن واجبنا أن نقدم الحماية والدعم لمن هم بحاجة"، وحثت المواطنين على الثقة في الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الحكومة لحل المسألة سلميا، وأكدت أهمية الوحدة وضبط النفس والتعاطف خلال هذه الأوقات العصيبة، وأضافت أن الإجراءات الانتقامية قد تؤدي إلى تصعيد التوترات.
ونشرت وسائل إعلام في جنوب السودان ما قالت إنه قائمة أولية تضم 29 شخصا من القتلى الجنوب سودانيين الذين سقطوا في ولاية الجزيرة. وقال المواطن السوداني في جوبا نور الدائم صلاح، لـ"العربي الجديد"، إن السودانين في أمان لكن الأجواء متوترة رغم انتشار الشرطة وسيطرتها على المتظاهرين أمس، مشيرا إلى أن الشرطة أكدت التزامها بحمايتهم، مشددًا على تعرض بعض السودانيين للضرب إضافة إلى تحطيم متاجرهم من شباب غاضبين.
وقال المتحدث باسم الشرطة بجنوب السودان، العقيد جون خسارة، في بيان، مساء أمس الخميس، إنهم يتعاملون مع الوضع في جوبا بمسؤولية، ولا خوف على أوضاع السودانيين المقيمين فيها، مضيفا أن انتشارهم الحالي لتأمين كافة الأسواق والمحلات التجارية من المتفلتين.
من جهته، قال الأمين العام للجالية السودانية في جوبا حسام الدين حسام في بيان، اليوم الجمعة، إنهم يرفضون ويدينون ما حدث لرعايا جنوب السودان في مدني، مطالباً بالتحقيق، ونفى ما راج عن مقتل مئات السودانيين في جوبا، معلنا وجود حالتي وفاة وإصابات قليلة ومتوسطة بين أفراد الجالية ويتلقون العلاج في المستشفى العسكري. وشدد حسام على أن العلاقات بين البلدين لن تهدمها الممارسات الفردية في مدني وجوبا، وذكر أنهم على تواصل مع السلطات ويشيدون بدورها المسؤول في حماية السودانيين.
في غضون ذلك، قال مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، الجمعة، إن الحرب في السودان تزداد خطورة على المدنيين بعد مقتل أكثر من عشرة أشخاص في هجمات في ولاية الجزيرة في وسط السودان. وكتب تورك على موقع "اكس" أن الحرب "تأخذ منعطفا أكثر خطورة على المدنيين"، مشيرا إلى "أدلّة على جرائم حرب وفظائع أخرى". وقالت جماعات لحقوق الإنسان، الاثنين، إن 13 شخصا على الأقل، بينهم طفلان، قتلوا في هجمات لها طابع إثني استهدفت أقليات في الولاية الزراعية.