توترات المنطقة تطغى على الحوار الاستراتيجي الأميركي ـ المصري

توترات المنطقة تطغى على الحوار الاستراتيجي الأميركي ـ المصري

09 نوفمبر 2021
واشنطن تسلط الضوء على الوضع الحقوقي بمصر (تويتر)
+ الخط -

بدا من تصريحات وتلميحات مسؤولين أميركيين أن جلسات اليوم الأول للحوار الاستراتيجي الأميركي المصري التي انعقدت في وزارة الخارجية أمس الإثنين، شملت في الشق الأكبر منها الأوضاع المتفجرة في المنطقة بالآونة الأخيرة، من انقلاب السودان إلى سورية وليبيا إلى حرب إثيوبيا، إضافة إلى ملفات أخرى قفزت إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، وبالذات الحدث العراقي.
الخارجية الأميركية سلطت الضوء على موضوع حقوق الإنسان في مصر، بعدما أكدت أنه كان أحد بنود جلسة بعد الظهر. وقد "رحبت ببعض الخطوات التي اتخذتها مصر في هذا المجال"، على أن تواصل متابعة هذا الموضوع مع المسؤولين المصريين، كما قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس.
وكان من الملاحظ أن الخارجية تجاهلت تحديد موقف من موضوع المساعدة التي كانت مخصصة لمصر بقيمة 130 مليون دولار، والتي جرى تعليقها كردّ على ما قيل عن انتهاكات القاهرة لحقوق الإنسان. كما أنها لم تفصح عما إذا كانت تنوي الاستمرار في وقف هذه المساعدة أم الإفراج عنها. وبذلك، بدت وكأنها باتت مرتبطة بالدور المطلوب أميركيا أن تلعبه مصر في موضوع انقلاب السودان، الذي طغى على مداولات اليوم بين الجانبين الأميركي والمصري.
وجدّدت الخارجية تأكيدها على ضرورة "عودة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية" إلى السلطة، من دون ذكر أسماء المطلوبة عودتهم، ربما لترك خط الرجعة مفتوحا أمام احتمال تردد في واشنطن مفاده أن تكون العودة من خلال حكومة "يستبعد منها" رئيس الوزراء السوداني المعزول عبد الله حمدوك وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي يقف وراء الانقلاب على حدّ سواء، كتسوية تحفظ ماء الوجه.

متظاهرون ضد الانقلاب في السودان
يذكر أن الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن لم تتمسك علنا على الأقل، بحمدوك ولو أنها طالبت منذ البداية بإخلاء سبيله وإنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه. واقتصر إصرارها على "وجوب الانقلاب على الانقلاب".
وأشارت الخارجية ولو بصورة مبطنة إلى أنها على عدم توافق مع مصر حول الموضوع. "اسألوا مصر عن موقفها" السوداني، تقول الخارجية. وهذا إقرار غير مباشر باختلاف الموقفين.
وأضافت أن الإدارة سوف تتحدث "مع شركائنا المصريين حول الحاجة إلى رد الأمور إلى وضعها السابق.. ونحن نعمل في هذا الاتجاه"، وكأنها مطمئنة لتعويلها على دور مصري إلى جانب أدوار الحلفاء والشركاء الآخرين، لتغيير المشهد السوداني الراهن.
ودخل الحدث العراقي على الخط ليستأثر بالاهتمام في واشنطن أكثر من الموضوع السوداني. فمحاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أثارت خشية الإدارة من احتمال انفجار الوضع واستهداف القوات الأميركية هناك.
وهذا أكثر ما يقلق إدارة انسحبت من أفغانستان هروبا من زيادة التورط العسكري. بالإضافة إلى ذلك، جاء توقيت العملية عشية العودة المرتقبة إلى مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني. ويفرض ذلك على إدارة بايدن الحذر المحرج في ردها على المحاولة واجتناب الإشارة إلى أي جهة مشتبه بها، ولو أن الخارجية تقول إن هذا النمط من العمليات له سوابق كان "فيها ما يربطها بالجماعات التي تدعمها إيران".
لكن الوزارة لم تذهب إلى أبعد من ذلك "بانتظار التحقيق الذي لا بدّ من تركه ليأخذ مجراه بحيث لا يجوز استباقه". كما حرصت على عرض المساعدة والدعم بلغة ضبابية تتراوح بين "التنسيق مع الشريك العراقي للرد على الاعتداء"، وبين "تلبية حاجته للمساندة ولرسم الخطوات اللاحقة معاً".
اشتعال كل هذه الملفات بالتزامن لا بدّ وأنه جاء كتذكير لإدارة بايدن بما قاله مرة رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس: "إذا أرادت واشنطن الابتعاد عن الشرق الأوسط فإن هذا الأخير سيجري وراءها ليُرجعها إليه". وكان آنذاك يعلّق على ما تردد عن رغبة أميركية في ترك المنطقة ومتاعبها والتحول نحو الشرق الأقصى باعتباره صار نقطة الثقل الأكثر أهمية في العالم. الرئيس بايدن ينتمي إلى هذه المدرسة، لكن لا يبدو أن المنطقة ستسمح له بالمغادرة.

المساهمون