توالي زيارات عسكريين أميركيين وروس... الجزائر تبحث عن توازنات

23 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 23:15 (توقيت القدس)
قائد الجيش الجزائري يلتقي رئيس مصلحة التعاون العسكري الروسي، 23 سبتمبر 2025 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى الجزائر إلى تحقيق توازن في تعاونها العسكري مع روسيا والولايات المتحدة، بهدف تنويع شراكاتها الدفاعية وتجنب الضغوط الخارجية، مع الالتزام بمبادئ السياسة الخارجية الجزائرية.

- تعتبر الجزائر من أكبر مستوردي الأسلحة الروسية وتسعى لتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة من خلال مذكرة تفاهم مع "أفريكوم"، مما يعكس رغبتها في تعميق الشراكة الأمنية.

- تعزز زيارات المسؤولين العسكريين الروس والأميركيين استقلالية الموقف الجزائري، حيث تسعى الجزائر إلى تنويع شراكاتها العسكرية في ظل التحولات الإقليمية الكبرى.

بعد أقل من أسبوع على استقبال الجزائر وفداً عسكرياً أميركياً، استقبلت قيادة الجيش الجزائري، الثلاثاء، وفداً عسكرياً روسياً يمثل المصلحة الروسية للتعاون العسكري والتقني، ما يؤشر إلى رغبة الجزائر في الحفاظ على نقطة توازن في تعاونها العسكري مع كل من موسكو وواشنطن، وتنويع شراكاتها في المجال الدفاعي، تجنباً لأي ضغوط على حساب مصالحها.

وأكد رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، خلال لقائه رئيس المصلحة الروسية للتعاون العسكري والتقني دميتري شوغاييف الذي يزور الجزائر، أن بلاده تسعى لتطوير شبكات من العلاقات وبناء شراكات متعددة ومتنوعة في المجال العسكري والدفاعي مع دول صديقة. وقال إن "الجزائر تسعى في هذا السياق الجيوسياسي العالمي المعقد والإقليمي المضطرب إلى بناء شراكات متعددة ومتنوعة مع دول صديقة، وتعمل على تطوير شبكات من العلاقات تجمع بين البحث عن الحلول القائمة على الحوار، وترقية موجبات التنمية المستدامة، في سبيل بناء مصير جماعي مشترك، قائم على التضامن واحترام سيادة الدول"، وأشار إلى تمسك الجزائر بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على "احترام تام للقانون الدولي، والسعي الحثيث لحل النزاعات بالطرق السلمية".

وجرى خلال اللقاء استعراض حالة التعاون العسكري بين البلدين، إذ تعد الجزائر أول زبون أفريقي وخامس زبون عالمي للأسلحة الروسية. ولفت شنقريحة، بحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، إلى أن الزيارات المتبادلة الأخيرة بين المسؤولين العسكريين من البلدين "سمحت بتفعيل ديناميكية متجددة في مجال التعاون العسكري بين مؤسستينا العسكريتين بصفة خاصة وتوسيع آفاق الشراكة البينية"، في إشارة إلى تجاوز مرحلة من الفتور في علاقات التعاون السياسي والعسكري بين الجانبين، نتجت عن انحياز موسكو لمصالحها الخاصة في الأزمة المالية ودفعها بقوات "فاغنر" لدعم هجوم الجيش المالي على قوات الأزواد في شمال مالي قرب الحدود الجزائرية، وهو ما كان قد أثار استياءً جزائرياً.

وقبل أقل من أسبوعين، في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، كان قد وصل إلى الجزائر وفد عسكري أميركي بقيادة قائد العمليات الخاصة للولايات المتحدة الأميركية في أفريقيا اللواء كلود تيودر، الذي التقى قائد القوات البرية في الجيش اللواء مصطفى إسماعيلي، لمناقشة قضايا التعاون بين الطرفين. وقالت السفارة الأميركية إن اللواء تيودر زار الجزائر "لعقد اجتماعات ثنائية، يمثل استمرار التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والجزائر ركيزة أساسية لتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي"، كما كان القائد العسكري الجزائري قد حضر الشهر الماضي في شتوتغارت الألمانية مراسم تغيير القيادة في قيادة "أفريكوم"، وهي القيادة الأميركية التي كانت وقعت معها الجزائر في يناير/ كانون الثاني الماضي مذكرة التفاهم الأولى للتعاون العسكري، بهدف تعميق الشراكة الأمنية بين البلدين.

وينظر خبراء ومراقبون إلى توالي زيارات المسؤولين العسكريين الروس والأميركيين واللقاءات مع قيادات الجيش الجزائري على نحو إيجابي، إذ تضع الجزائر في مستوى ثقة لدى الطرفين، وتعزز استقلالية موقفها تجاه المشكلات الإقليمية والدولية، وتتجنب الانحياز إلى مواقف لا تتماشى مع مصالحها. وقال الباحث في الشؤون الأمنية عمار سيغة لـ"العربي الجديد" إن "القيادة السياسية والعسكرية في الجزائر، (الرئيس عبد المجيد تبون وقائد الجيش شنقريحة)، عبرت عن موقف واضح يخص حيادية الموقف الجزائري وتعاونها مع كل الأطراف دون انحياز أو ضغوط في المسائل المرتبطة بالأمن والدفاع. ومنذ بدء الجيش تجديد ترسانته العسكرية عام 2005، بدأ نهجاً واضحاً في بناء شراكات عسكرية مختلفة، وكان على الأطراف الفاعلة كواشنطن وموسكو أن تستوعبا المقاربة الجزائرية، على الرغم من أن واشنطن ما زالت حذرة نسبياً من الشراكات الجزائرية مع روسيا، وشهدنا قبل عامين محاولات قادها وزير الخارجية الأميركي الحالي ماركو روبيو لإدراج عقوبات ضد الجزائر بسبب صفقات الأسلحة الروسية".

لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن هناك واقعاً عسكرياً لا يمكن تجاهله في العلاقات الجزائرية، إذ إن المستوى العسكري في كل من موسكو وواشنطن يتضمن جانباً تسليحياً وآخر استراتيجياً وسياسياً. ويؤكد الكاتب المتخصص في قضايا الجيوبوليتيك سيف الدين قداش، لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر مستورد عسكري معتبر من روسيا، وترسانتها الحربية تعتمد على نوعية وتسهيلات روسية من ناحية الأجيال الأخيرة، وبالتالي فإن التعاون العسكري الجزائري الروسي هو في إطار استراتيجي لتموين الجيش الجزائري بأسلحة نوعية وحيوية، خاصة مع التحولات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، في مقابل صعوبات الحصول على الأسلحة الأميركية. لكن ذلك لم يمنع الجزائر من عقد اتفاق دفاعي مع واشنطن يندرج ضمن استراتيجيتها في تنويع الشركاء العسكريين والموازنة الاستراتيجية، خاصة في ضوء الانحسار الفرنسي في منطقة الساحل، الذي تركز عليه الولايات المتحدة كثيراً، في وقت تعتبر الجزائر دولة قوية عسكرياً في أفريقيا وتتطلع إلى امتلاك المبادرة في ما يخصّ أمنها القومي".

المساهمون