توالي ردود الفعل في إيران على انتهاكات سجن "إيفين": الاعتذار لا يكفي

ردود الفعل تتواصل في إيران على انتهاكات سجن "إيفين": الاعتذار لا يكفي

25 اغسطس 2021
الكاميرات رصدت معاملة سيئة للسجناء (كافح كاظمي/ Getty)
+ الخط -

الانتهاكات الخطيرة التي سجّلتها كاميرات المراقبة في سجن "إيفين"، في العاصمة الإيرانية طهران، بحق بعض السجناء، والتي وجدت طريقها إلى الإعلام بعد اختراق هذه الكاميرات وتسريب محتوياتها إلى الخارج، لا تزال قضية الساعة في إيران، سواء على شبكات التواصل الاجتماعي، أو في الأوساط الإعلامية والرسمية.

وما يزيد التعليقات وردود الفعل هو استمرار مسلسل كشف المجموعة المخترقة عن المزيد من المقاطع المصورة والصور، بعد مرور ثلاثة أيام على نشر أولاها. بعضها مشاهد عادية عن مختلف أقسام سجن "إيفين" من الزنزانات والساحة والغرف وأماكن أخرى بالسجن، وأخرى مشاهد مؤلمة تكشف عن تعرض بعض السجناء للعنف والضرب، وسحل سجين على الأرض، ومحاولة سجين آخر الانتحار وإنقاذه، ووقوع حالة عراك بين سجينات ومحاولة إحداهن الانتحار في الحمام، فضلاً عن اشتباك بالأيدي بين أحد الحراس ورجل شرطة، بالإضافة إلى مشاهد أخرى، مثل غرفة كبيرة بإمكانات جيدة، قيل إنها تعود لحسين فريدون، شقيق الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، والذي يقضي فترة محكومية بسبب ملفات "فساد".  

وكانت وسائل إعلام إيرانية معارضة، وقناة "بي بي سي" البريطانية الناطقة باللغة الفارسية، قد بدأت، منذ الأحد الماضي، نشر مقاطع مصورة، قالت إنها تعود لكاميرات المراقبة في سجن "إيفين". ويُعرف السجن باحتجاز السجناء المعارضين والسياسيين، فضلاً عن سجناء ملفات الفساد المالي، وسجناء آخرين، مثل المحكوم عليهم بالإعدام لارتكاب القتل وتجار المخدرات.

وأشارت وسائل الإعلام ذاتها إلى أنّ مجموعة تُدعى "عدالة علي" (في إشارة إلى الإمام علي) حصلت على تلك الفيديوهات والصور بعد اختراقها كاميرات "إيفين"، وقامت بإرسالها إلى وسائل الإعلام.

وفي الجزء الأول من مقاطع الفيديو المسرّبة تظهر غرفة التحكم في كاميرات المراقبة بعد اختراق الكاميرات واحدة تلو أخرى، وسط حالة استغراب من العاملين فيها، وقيامهم بتصوير الشاشات لتوثيق ما كان يجري.

اعتذار 
على المستوى الرسمي، فتح رئيس مصلحة السجون الإيرانية، محمد مهدي حاج محمدي، في تغريدة عبر "تويتر"، باب التعليقات الرسمية بعد تأكيده صحة الاختراق والمشاهد التي خرجت من "إيفين"، ثم الإعلام الإيراني المحلي الذي التزم الصمت بعض الوقت بانتظار موقف السلطات.

ووصل الأمر بالتلفزيون الإيراني الرسمي إلى أن يعلّق على هذه المشاهد، فوصف مذيعه الشهير محمد دلاوري مشاهد ضرب بعض السجناء بأنها "مؤلمة"، قائلاً إنّ هذه المشاهد تظهر أنه "في ظل الزيارات التفقدية المفاجئة (للمسؤولين للسجون) تحدث مثل هذه الحوادث المؤلمة بسهولة في مراكز لا يصل إليها المواطنون".

خطوة المذيع أو التلفزيون الإيراني لم تكن الأولى من نوعها فحسب، بل "الاعتذار" الذي قدمه رئيس مصلحة السجون الإيرانية، أيضاً كان غير مسبوق، إذ إنّ سلطة السجون كانت تتعامل سابقاً مع أقوال السجناء، خاصة المعتقلين الأمنيين والسياسيين، وتقارير مؤسسات حقوقية حول وقوع انتهاكات بحقهم، إما بنفيها أو إطلاق وعود بالنظر فيها.

إلى جانب تقديمه الاعتذار، أكد حاج محمدي أنه يتحمل المسؤولية، متعهداً بـ"بذل الجهود لمنع تكرار هذه الحوادث المريرة ومعاقبة العناصر المخطئين".

تعليقات متباينة 
لقيت تصريحات حاج محمدي استحساناً وترحيباً من قبل بعض النشطاء، ورفضاً من قبل آخرين. فرحّب الكاتب الإيراني البارز أحمد زيد آبادي (سجن لسنوات بعد احتجاجات "الحركة الخضراء" على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009) بهذه التصريحات، داعياً النشطاء الإيرانيين إلى عدم التعامل مع هذه التصريحات "عدائياً"، واغتنامها كفرصة لإصلاح الوضع.

وقال زيد آبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "التعامل بعناد" مع هذه المواقف، "يسد أيّ طريق للإصلاح والتغيير، ويدفع الطرف الآخر إلى اتخاذ مواقف انتقامية، والإصرار على السلوك الخاطئ".

وعزا الكاتب الإيراني ممارسة بعض السجانين هذه التصرفات إلى "غياب التدريب والتعليم اللازم للسجانين ومعاملتهم السجین غالباً وفق ميولهم من دون امتلاك خبرة حقوقية"، منتقداً طريقة تعامل المحققين مع المتهمين، واصفاً إياها بـ"المهينة والعنفية"، وقال "ما لم يتم حل هذه المشكلة جذرياً فلا أمل من تنفيذ العدالة".

في المقابل، رفض نشطاء خطوة مدير السجون "الاعتذارية"، مع وصفها بأنها "رمزية"، لكن هؤلاء الرافضين اشتركوا مع بعض المرحبين بها في المطالبة بعزل المدير، مؤكدين أنّ الاعتذار "وحده لا يكفي".

وكتب الحقوقي والمحامي الإيراني، نعمت أحمدي، اليوم الأربعاء، في صحيفة "ستاره صبح" أنّ "الاعتذار غير كافٍ، ويجب على المسؤولين المعنيين الاستقالة حتى اكتمال التحقيقات".

كما نقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن الحقوقي عباس تدين، قوله إنّ "المجتمع لم يعد يقبل الاعتذار الرمزي"، مطالباً بمحاكمة المتورطين في هذه التصرفات.

ودعت وكالة "تسنيم" الإيرانية المحسوبة على التيار المحافظ، إلى إقالة رئيس مصلحة السجون وإجراء "إصلاحات جادة لمنع تكرار هذه الحالات".

في غضون ذلك، تعاملت وسائل الإعلام المحافظة في البلاد أيضاً بإعلان رفضها وانتقادها تلك التصرفات التي مورست في سجن "إيفين"، مع دعواتها إلى محاكمة المتورطين فيها. لكنها في الوقت نفسه، اختلفت في تعليقاتها مع الإعلام الإصلاحي في الحديث عن وجود "سيناريو ومؤامرة خارجية" ضد الجمهورية الإسلامية من وراء هذه التسريبات.

وفي السياق، أكد رئيس تحرير صحيفة "جوان" الإيرانية المقربة من "الحرس الثوري"، عبدالله غنجي، أنّ "بعض مشاهد سجن إيفين غير قابلة للدفاع عنها وغير قابلة للصفح عنها أيضاً".

وأضاف غنجي، في تغريدة عبر "تويتر"، أنه "ربما يكون هناك سيناريو مخطط له، تزامناً مع محاكمة حميد نوري في أوروبا. ربما نشرت هذه الصور والمقاطع المصورة بشكل محسوب".

وتحاكم محكمة في السويد، نوري، بعد توجيه النيابة اتهامات له بالمشاركة في إعدامات للمعارضين السجناء عام 1988، معظمهم كانوا من منظمة "مجاهدي خلق". وبحسب تقارير إعلامية، كان نوري آنذلك مساعدا للنائب العام بسجن "غوهر دشت" التابع لمدينة كرج القريبة من العاصمة طهران. واعتقلته السلطات السويدية عام 2019 في مطار استوكهولم.

من جهته، قال الصحافي الإيراني الإصلاحي عباس عبدي، في تغريدة، إنّ "معاقبة الأشخاص لن يحل المشكلة"، مضيفاً أنّ "الحل الوحيد هو تمكين المحامي من زيارة السجين بحرية، وإمكانية مشاهدة محتويات الكاميرات تحت أي ظرف".

كما تساءل محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، عن سبب وقوع هذه الحوادث في السجن، داعياً السلطة القضائية إلى الرد على هذا السؤال، وخاطبها بالقول: "بشكل محتم تسعون إلى معرفة من سرّب هذه المقاطع المصورة إلى خارج السجن. جيد، ابحثوا عنه، وأخبروا الشعب بالنتيجة، لكن الأهم أن تعلنوا عن سبب وقوع هذه الحوادث".

إلى جانب هذه الردود، سلّط نشطاء ووسائل إعلام الضوء على البعد الأمني للقضية أيضاً، وسط تساؤلات حول طريقة اختراق كاميرات السجن، أو الجهة التي تقف وراءها، أو عما إذا كانت الجهة التي تقف وراء ذلك قد حصلت على الأرشيف الكامل للكاميرات خلال هذه السنوات، وسط حالة انتظار وترقّب لنشر المزيد من محتوياتها، في ظل تهديدات مجموعة "عدالة علي" غير المعروفة بالكشف عن المزيد منها لاحقاً.

وفي السياق، وصفت صحيفة "همدلي" الإصلاحية، عملية اختراق كاميرات المراقبة في سجن "إيفين" بـ"مشكلة أمنية كبيرة"، مشيرة إلى أنّ ذلك سيؤدي إلى التعرف على قوات الأمن ورجال السجن من خلال نشر صورهم. ثم تساءلت عما إذا كانت عملية الاختراق جاءت امتداداً لهجمات سابقة تعرضت لها منشآت نووية وعسكرية.

ردود رسمية جديدة 
وسط هذه التعليقات من النشطاء والإعلاميين والنخب السياسية، بدأت تخرج المزيد من ردود الفعل داخل أركان الحكم في إيران، ليصدر رئيس السلطة القضائية، غلامحسين محسني إيجئي، أوامر للمدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، بإجراء تحقيقات "شاملة عاجلة وسريعة"، حول المقاطع والصور المنتشرة في وسائل الإعلام بشأن سجن "إيفين"، و"سلوك السجانين مع السجناء أو سلوك السجناء مع بعضهم البعض".

كما عرّج رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، على الملف، اليوم الأربعاء، في تصريحات في جلسة البرلمان، مكلفاً لجنة برلمانية بمتابعة ذلك بالتنسيق مع النيابة العامة.

وأكد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، إبراهيم رضائي، أنّ "الأشرطة والصور التي تنشرها وسائل الإعلام الأجنبية هذه الأيام عن داخل سجن إيفين تدعو للأسف، سواء لجهة الظلم الذي مورس بحق بعض السجناء أو لجهة تحوّل الموضوع إلى ذريعة لمهاجمة الجهاز القضائي والعاملين الشرفاء فيه"، حسب قوله.