توافقات ليبية نحو تنفيذ مسارات الحل وسط ترحيب دولي

توافقات ليبية نحو تنفيذ مسارات الحل.. وسط ترحيب دولي بآلية اختيار السلطة الجديدة

20 يناير 2021
اتفاق ليبي على آلية محددة لاختيار السلطة السياسية (فرانس برس)
+ الخط -

تتقاطع مسارات الحل الليبية، أخيراً، للدفع سريعاً باتجاه التنفيذ، وسط ترحيب دولي واسع بنتائج توافق ملتقى الحوار السياسي على آلية محددة لاختيار السلطة السياسية الجديدة. 
وخلال الساعات الماضية أعلنت سفارات الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وكندا وبعثة الاتحاد الأوروبي، في بيانات منفصلة، ترحيبها بموافقة ملتقى الحوار السياسي على آلية اختيار السلطة التنفيذية الجديد لكونه الأرضية لتشكيل حكومة انتقالية موحدة تعمل على إعداد البلاد للانتخابات الوطنية المقرر عقدها نهاية العام الحالي. 
وبالتزامن، أعلنت اللجنة الدستورية، المؤلفة من ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بـ"الإجماع"، إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور. 

وأشار نصّ الاتفاق، المعلن، ليل أمس الثلاثاء، بعد انتهاء اجتماعها في مدينة الغردقة المصرية، إلى أن إجماع اللجنة جاء لـ"مواكبة التطورات الإيجابية التي تشهدها الساحة الليبية في الوقت الحالي، ولا سيما في المسارين العسكري والاقتصادي، وذلك من خلال الاتفاق على الاستحقاق الدستوري لإجراء الانتخابات في الموعد الذي تبناه ملتقى الحوار السياسي الليبي". 

استكمال الاتفاق في المغرب
توازياً مع ذلك، يحتضن المغرب جلسة ليبية جديدة تضم ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، الجمعة المقبلة، لـ"استكمال ما اتُّفِق عليه سابقاً مع مجلس النواب بشأن المناصب السيادية"، وفق بيان للمجلس الأعلى للدولة ليل أمس الثلاثاء. 
وأشار البيان إلى أن الجلسة الجديدة، في المغرب، تأتي "انطلاقاً من خريطة الطريق التي اتُّفِق عليها في الجولة الأولى من حوار تونس، التي أكدت اختصاص مجلسي لدولة والنواب بالمناصب السيادية". 
ولم يصدر عن الداخل الليبي أي مواقف بشأن ما توصلت إليه لجان الحوار الليبي، باستثناء موقفين متباينين، أولهما مرحب به من جانب المجلس الأعلى للدولة بموافقة ملتقى الحوار السياسي على آلية اختيار السلطة الجديدة، والثاني رافض من جانب قوى مسلحة بطرابلس تعمل تحت مسمى "قوة حماية طرابلس"، لـ"أي مخرجات للحوار" الذي وصفته بـ"المنقوص"، وطالبت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بالتدخل لوقف "انحراف" البعثة التي اتهمتها بعدة تجاوزات.
وظهر أمس الثلاثاء، أعلنت البعثة اتفاق أعضاء ملتقى الحوار السياسي على مقترح آلية اختيار السلطة الجديدة، بنسبة 73% خلال عملية تصويت أجرتها البعثة بدءاً من صباح الاثنين، وحتى صباح أمس الثلاثاء. 

كواليس طرابلس
ودون شك، إن موقف القوى المسلحة بطرابلس على صلة بالصراع الذي يدور في كواليس العاصمة منذ مدة، بين أبرز أقطابها، الذين شكلوا خريطة جديدة للصراع بعيداً عن صراع الميدان العسكري، ببناء تحالفات في الخفاء تستبق خريطة سياسية جديدة يعمل المجتمع الدولي على رسمها للمشهد الليبي الجديد وفق مصالحه، بحسب قراءة مروة الفاخري، الباحثة الليبية في الشأن السياسي. 
وفيما ينتظر أن يعلن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، حكومة وحدة وطنية جديدة، توافق على تعيين مراكزها مع معسكر شرقيّ البلاد، عبر اتصالات غير مباشرة، وفق معلومات أدلت بها مصادر حكومية من طرابلس لـ"العربي الجديد"، تعتقد الفاخري، أن خيارات السراج بدت متدنية، مشيرة إلى أن اتصالاته غير المعلنة باللواء المتقاعد خليفة حفتر وبناء تحالفات مع مجاميع طرابلس المسلحة، وآخرها إعلانه إنشاء "جهاز دعم الاستقرار" بصلاحيات واسعة وبرئاسة عدد من أمراء المجموعات المسلحة في طرابلس، تشير إلى خطوات متخبطة لا تناسق فيها لفرض نفسه وحلفائه كأمر واقع. 
وتضيف الفاخري، لـ"العربي الجديد"، أن الآلية التي حددها ملتقى الحوار السياسي لا تستوعب مشروع السراج الذي يستند إلى حلفه مع المسلحين، حفتر في الشرق ومجاميع طرابلس المسلحة. 
وتقضي الآلية التي حددها ملتقى الحوار السياسي باختيار كل مجمع انتخابي من كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة مرشحه للمجلس الرئاسي بـ"توافق لا تقل نسبته عن 70 في المائة"، بحسب بيان سابق للبعثة الأممية، وإذا تعذّر التوافق داخل الأقاليم تتحول صلاحية الاختيار والترشيح إلى قاعدة ملتقى الحوار السياسي وفق آلية القوائم التي تحتاج لعدد من تزكيات أعضاء الملتقى قبل التصويت عليها. 

يحاول وزير الداخلية فتحي باشاغا إطلاق "غرفة أمنية مشتركة" حشد لإنشائها دعم إقليمي وتجمع القوى المسلحة المنظمة في مشروع أمني واسع بعيداً عن المؤسسة العسكرية المختلف حولها

وتبدو نسبة 70% أكثر ملاءمة لشخصيات أخرى تحركت باتجاه بناء قاعدة شعبية من خلال إطلاق مشاريع تلامس أزمة المواطن، من بينها نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق الذي يستند مشروعه إلى مقاربة اقتصادية وفق اتفاق نفطي مع حفتر أعلنه منتصف سبتمبر/أيلول الماضي وعاد تدفق النفط مجدداً بناءً عليه. 
وفي الجانب الآخر يسير وزير الداخلية فتحي باشاغا في الاتجاه الأمني، ويحاول إطلاق "غرفة أمنية مشتركة" حشد لإنشائها دعم إقليمي وتجمع القوى المسلحة المنظمة في مشروع أمني واسع بعيداً عن المؤسسة العسكرية المختلف حولها. 
وتشير الفاخري إلى أن الشخصيتين تنحدران من مصراتة التي قد تشكل لهما ثقلاً في أي انتخابات وفق مبدأ الأقاليم بسبب ثقلها العسكري والسياسي القوي، وتنازعها في المقابل مدن أخرى مثل الزاوية، غرب طرابلس، التي ينحدر منها وزير الدفاع صلاح النمروش، والزنتان، لأقصى غرب البلاد، التي ينحدر منها آمر المنطقة العسكرية الغربية، اللواء أسامة الجويلي. 

صراع خفي شرقاً
وفي المقابل، برزت أسماء عدة في معسكر شرق ليبيا. فبالإضافة إلى رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، إذ طفا على السطح اسم الشريف الوافي عضو المؤتمر الوطني العام السابق، محمد لملوم وزير العدل بحكومة الوفاق الحالي كمرشح عن حفتر لتولي رئاسة الحكومة. لكن عقيلة الأطرش، الناشط السياسي من بنغازي، يعتقد أن المشهد في شرق البلاد لا يزال ضبابياً بدرجة كبيرة، خصوصاً مع استمرار الصراع الخفي بين عقيلة صالح وحفتر الذي أفشل منذ أيام انقلاباً عسكرياً يبدو أن قوى قبلية دعمته. 
ويبدو أن حفتر يفقد كل يوم المزيد من حلفائه، وفق رؤية الأطرش. فمحاولة الانقلاب حلت كلياً حلفه مع أنصار النظام السابق، ما يزيد الأوضاع تعقيداً أمام إمكانية الوصول إلى توافق على شخصية في شرق البلاد بنسبة 70%، وفق الآلية التي اتفق عليها ملتقى الحوار السياسي. 
وبينما تتفق آراء الفاخري والأطرش في أن الطريق للوصول إلى التوافق على شخصيات محددة لشغل مناصب السلطة الجديدة لا يزال طويلاً، بسبب معطيات الواقع، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات الليبية، يوسف المزيني، في مقابل ذلك، أن البعثة الأممية لا تزال تمتلك القدرة على تجاوز تعقيدات المشهد الحالي. 
ويشير المزيني، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن إعلان جلسة جديدة لممثلي مجلس النواب والأعلى للدولة في المغرب في هذا التوقيت جاءت للدفع بعجلة الحل بشكل سريع نحو التنفيذ، لافتاً إلى أنها تستهدف فك الاشتباك واجتثاث جذور الخلافات من القاعدة. 

سبق أن توافق ممثلي المجلسين، خلال جلسات ماضية في أبوزنيقة المغربية، على توزيعة جغرافية للمناصب السيادية الثمانية

وسبق أن توافق ممثلو المجلسين، خلال جلسات ماضية في أبوزنيقة المغربية، على توزيعة جغرافية للمناصب السيادية الثمانية، موزعة وفق مبدأ الأقاليم الذي تتبناه آلية اختيار السلطة الجديدة. ويلفت المزيني إلى أن توزيع المناصب وتسمية شاغليها سيحلحلان أكثر من نصف الخلافات الحالية ويضمنان جهات ومناطق حصصها في المشهد المقبل. 
ولا يتوقف الدفع بعجلة الإسراع بالحل عند حد توزيع المناصب السيادية، بحسب المزيني، بل أيضاً في المسار الدستوري، متسائلاً: "ما الذي دعا المختلفين على مسودة الدستور منذ 2017 إلى التوافق عليها اليوم وفي هذا التوقيت؟". 
وليس عزو اللجنة الدستورية لتوافقها على الاستفتاء على الدستور إلى أنه جاء لمواكبة التطورات في المسارات العسكرية والاقتصادية فقط، بل إلى إشارة اتفاقها على قانون الاستفتاء الصادر عن مجلس النواب عام 2018. 
ويشير المزيني إلى أن قانون الاستفتاء يستند إلى المحاصصة الإقليمية ويشترط حصول مسودة الدستور على نسبة لا تقل عن النصف داخل كل إقليم لمروره، وهي آلية تتوافق كثيراً مع آلية اختيار السلطة التنفيذية الجديدة. 
ويرى المزيني أن خيارات الأطراف الداخلية بدت قليلة، وأن البعثة الأممية، التي تقف وراءها عواصم كبيرة، باتت تمتلك الحل، مشيراً إلى أن الأطراف الخارجية المتصلة بالملف الليبي أدركت ذلك وسارعت إلى تقريب وجهات النظر بينها وإحداث مقاربات لمصالحها في الملف الليبي، رغم شدة الخلافات والتصعيد فيما بينها خلال الفترات الماضية. 
وعلى الرغم من كل ذلك، يعود المزيني ليقول إن "جميع السيناريوهات متوقعة. فقد تعودنا الجديد والمفاجئ والطارئ في مسار الأزمة الليبية، فيمكن أن تكون كل هذه الخطوات تدفع بسرعة الحل، ومن الممكن أيضاً الرجوع إلى مربع الخلافات مجدداً، وخصوصاً أن السلاح لا تزال له كلمته".