عاد مسار التوافقات الليبي للبروز مجدداً، بعد أن تلقّى مختلف المتصارعين رسائل من عواصم ذات ثقل دولي، تطالب بضرورة إجراء الانتخابات الوطنية بشقّيها الرئاسي والتشريعي في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل. ورشحت لسطح المشهد تصريحات مسؤولين من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن قرب بدء مشاورات مباشرة بينهما، للتوافق على القواعد القانونية والدستورية للانتخابات. أما رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، فلم يواجه أي تصريحات وانتقادات من جانب النواب الذين سحبوا ثقتهم منه، بشأن استقباله لقائد قوات "أفريكوم" الأميركية ستيفن تاونسند، بشكل رسمي أول من أمس الثلاثاء، على الرغم من أن رئاسة مجلس النواب شرحت أن قرار سحب الثقة يعني وقف تعامل الدبيبة مع الخارج، واقتصار نشاطه على تصريف الأعمال داخلياً.
ويبدو أن الأزمات في طريقها للحلحلة، وأن قطار الوفاق سينطلق قريباً بشأن الانتخابات لإجرائها في موعدها، وسط أصوات جديدة بدأت تتحدث عن أن المشكلة بين المختلفين على صعيد ملف الانتخابات لم تكن قانونية بل سياسية، وحالما يضمن الطرف الدولي مصالح المختلفين، سيتفقون سريعاً على القواعد الانتخابية؛ قانونية كانت أم دستورية. إذ لا تفسير لأسباب الأزمة الدستورية الحاصلة في البلاد، بل يبدو أن هناك توظيفا وتوجيها لها باتجاه نتائج يسعى لها من يرغب في إدخال البلاد في موجة عنف جديدة، خصوصاً أن ليبيا تقف فعلياً على عتبات مرحلة جديدة من التأزيم.
وبشكل أوضح يمكن التساؤل: كيف يمكن لقادة المجلسين؛ النواب والأعلى للدولة، صياغة قوانين انتخابية لا تضمن لهم البقاء والاستمرار في المشهد؟ ربما كانت مصالحهم متضاربة، أو بمعنى آخر ربما كانوا مختلفين حول تقاسم المصالح، لكن الجامع بينهما، والحكومة معهما أيضاً، الرغبة في عدم مغادرة المشهد. وأول المؤشرات التي تثبت هذا الرأي، اختفاء التعليقات حول قانون انتخاب رئيس الدولة الذي أصدره مجلس النواب أخيراً مفصّلاً على مقاس رئيس المجلس عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، ليسمح لهما بالترشح وضمان الفوز ربما، بانتظار ما سيضاف من بنود وفقرات جديدة بمقاسات متعددة، تسمح لقادة الأطراف الأخرى بالانخراط في الانتخابات وضمان فوزها.
كل هذا يعني أن الأطراف المختلفة، بعد أن كانت في حالة صراع مسلّح، ستمر من خلال الانتخابات إلى المرحلة السياسية الجديدة وستتولى دفة قيادة البلاد. فالنتيجة معروفة مسبقاً. لكن ما لا يمكن التكهن به، هو مدى بقاء التحالفات الحالية على متانتها وقوتها، كالحلف المؤقت القائم بين عقيلة صالح وخليفة حفتر، فكرسي رئيس الدولة لن يجلس عليه إلا أحدهما، كما أنهما لن يقبلا بأن يشغل هذا الكرسي غيرهما، خصوصا إذا ما كان الشخص من خصومهم الحاليين.
صحيح أن المجتمع الدولي تمكّن من تغيير المزاج العام في البلاد، فأصبح التنافس على أشده على الانتخابات، إلى حد تطويع نصوص القوانين الانتخابية كل لصالحه، واختفت لغة السلاح والتهديد بالتصعيد العسكري، لكن النار لا تزال هادئة تحت الرماد، وبهبّة ريح واحدة يمكن أن تشتعل مجدداً، فالقوات الأجنبية لم تغادر البلاد، والسلاح لا يزال قريباً من نقاط التماس. والسؤال بالتحديد، بعيداً عن ضجة التوافقات الحالية حول قوانين الانتخابيات، هو: ما الضامن بالقبول بنتائج الانتخابات؟