استمع إلى الملخص
- التفاهمات الإقليمية: يشمل التقارب المصري التركي ملفات إقليمية مثل شرق المتوسط والغاز. استقرار ليبيا يخدم المصالح الاقتصادية لمصر وتركيا، حيث إن غياب النزاع مهم لاستقرار حدود مصر الغربية.
- التحديات الروسية: الوجود الروسي في شرق ليبيا يعزز التقارب المصري التركي، حيث قد يجد حفتر في روسيا حليفاً بديلاً، مما يعقد الملف الليبي ويعيد سيناريو المواجهة بين قوى متكافئة.
حضر ملف ليبيا في لقاء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة يوم الثلاثاء الماضي، وهو الذي يُعَدّ واحداً من أهم الملفات ذات الاهتمام المشترك بين القاهرة وأنقرة. وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماع المغلق بين عبد العاطي وفيدان، شهد مطلباً من أنقرة للقاهرة، بممارسة الضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتسيير قوافل المنازل الجاهزة "الكرفانات" والخيام المجهزة نحو غزة عبر المعابر، وتحريك الشاحنات المحملة بها ووضع الجانب الإسرائيلي أمام الأمر الواقع.
وعلمت "العربي الجديد" أن تركيا كانت قد نقلت الآلاف من المنازل الجاهزة عبر عدة سفن إلى ميناء العريش، وجرى تخزينها طوال فترة توقف العمل بمعبر رفح في مايو/أيار الماضي بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي رفح الفلسطينية براً. وتنص المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ضمن البروتوكول الإنساني، على إدخال 200 ألف خيمة مجهزة للقطاع، وكذلك 60 ألف منزل جاهز، وهو ما لم ينفّذ.
مصادر: مخاوف مصرية من احتمال تعرض حفتر لهجوم في شرق ليبيا
واعتبر الوزير التركي، خلال اجتماعه مع نظيره المصري، أن أفضل رد على المحاولات الإسرائيلية للتملص من الاتفاق، وكذلك الترويج لخطط تهجير سكان غزة، هو تعزيز عمليات إعادة الإعمار والإغاثة، مؤكدا أن أهم بنود الإغاثة حالياً هو السكن وإدخال المنازل الجاهزة لدعم صمود سكان القطاع، خاصة في الشمال الذي تضرر بنسب أكبر.
مشاورات مصرية تركية بشأن ليبيا
وأكدت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن المشاورات المصرية التركية حول الملف الليبي تأتي في سياق مخاوف مصرية متزايدة من احتمالية تعرض اللواء المتقاعد خليفة حفتر لهجوم في شرق ليبيا بسبب سياساته الداخلية التي وصفتها المصادر بـ"الفاشلة". وتشير المعلومات إلى أن زيارة حفتر الأخيرة إلى القاهرة ولقاءه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم تكن تعبيراً عن دعم مطلق له، وإنما جاءت في إطار توجيه رسائل واضحة بشأن ضرورة تصحيح مساره السياسي والعسكري. كلام مشابه أوصله وزير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، إلى حفتر حين زاره في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وطالبه بضرورة الحد من تجاوزات أبنائه والتخفيف من الضغوط التي يمارسونها على القبائل، إضافة إلى حل الخلافات الداخلية في الجيش الليبي.
وتسعى كل من مصر وتركيا إلى رفع مستوى التعاون بينهما في 2025، وهو العام الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ومن المقرر أن يتم عقد اجتماع لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين في العام 2026، ما يعكس رغبة متبادلة في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما.
ويبدو أن هناك توافقاً مصرياً تركياً حول ضرورة تحقيق الاستقرار في ليبيا، مع اختلاف نسبي في وجهات النظر حول آليات التعامل مع الأطراف الداخلية هناك. ورغم التحالف التقليدي بين القاهرة وحفتر، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى برود نسبي في هذا الدعم، خصوصاً في ظل الضغوط الدولية والإقليمية على حفتر لإعادة هيكلة نفوذه العسكري والسياسي. ويُعتقد أن مصر تحاول تجنب التورط في صراعات داخلية قد تؤثر على استقرار حدودها الغربية، خاصة في ظل التقارير التي تتحدث عن توترات داخلية في معسكر حفتر، نتيجة الخلافات بين القيادات العسكرية وأبناء حفتر الذين يسيطرون على قراراته.
تفاهمات حول ملفات إقليمية مهمة
شريف عبد الله: التقارب يأتي ضمن تفاهمات أوسع تشمل ملفات إقليمية مهمة
ويبدو أن التفاهمات المصرية التركية حول ليبيا تسير في اتجاه إيجابي، مع رغبة مشتركة في تحقيق استقرار يضمن مصالح الطرفين. وعن هذا الموضوع، أكد مدير المركز الليبي للدراسات السياسية شريف عبد الله، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن هذا التقارب يأتي ضمن تفاهمات أوسع تشمل ملفات إقليمية مهمة، مثل شرق المتوسط والغاز وتعيين الحدود البحرية، والتبادل التجاري بين البلدين. وأضاف أن الملف الليبي يشكل جزءا من هذه المصالح المشتركة، حيث تنظر تركيا إلى شرق ليبيا بما هي منطقة ذات بعد استراتيجي، بخلاف مصالحها الخدمية والمصلحية في الغرب، خاصة أن تعيين الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا يتركز في منطقة درنة ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى. وأوضح أن استقرار ليبيا يخدم المصالح الاقتصادية لمصر وتركيا، حيث إن هناك تبادلاً تجارياً كبيراً بين البلدين وليبيا، كما أن غياب النزاع بين الشرق والغرب مهم جداً لمصر، لأنه يضمن استقرار عمقها الاستراتيجي داخل ليبيا ويحمي حدودها الغربية.
وحول موقف القاهرة من خليفة حفتر، أكد عبد الله أنه لا يزال ثابتاً رغم الخلافات الأخيرة التي لا تؤثر على طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين مصر وحفتر، حيث إن القاهرة ترى فيه عنصراً أساسياً في تأمين مصالحها في ليبيا. وتناول عبد الله ملف الوجود الروسي في المنطقة الشرقية في ليبيا، مشيراً إلى أن هذا العامل قد يكون دافعاً إضافياً للتقارب المصري التركي، خاصة مع توسع النفوذ الروسي في ليبيا وسيطرته على مواقع عسكرية تمتد من البحر المتوسط إلى الحدود الجنوبية مع تشاد والسودان والنيجر، وصولاً إلى قاعدة السارة الليبية القريبة من الحدود السودانية التشادية. وأوضح أن هذا الوجود الروسي، والدعم المقدم لحفتر، قد يغيران موازين العلاقة بين حفتر ومصر، حيث قد يجد حفتر في روسيا حليفاً قوياً بديلاً عن مصر. واعتبر أن هذا الوضع يزيد من تعقيد الملف الليبي، حيث قد يؤدي إلى إعادة سيناريو المواجهة بين قوى متكافئة، كما حدث في سورية.