استمع إلى الملخص
- لا تزال هناك خلافات حول بندين رئيسيين في الاتفاقية، وهما الامتناع عن تقديم مطالبات دولية وعدم نشر ممثلي دول أخرى على الحدود، مع تشكيك وسائل الإعلام الروسية في ضمان الاتفاقية لمصالح أرمينيا.
- تقدم كبير في تطبيع العلاقات منذ لقاء براغ 2022، مع إحراز تقدم في تسوية الخلافات الحدودية وفتح ممرات النقل، مما يعزز فرص إبرام اتفاقية سلام شاملة.
مع الإعلان منتصف مارس/ آذار الحالي عن التفاهم على آخر بنود اتفاقية السّلام المرتقبة بين يريفان وباكو، تمضي أرمينيا وأذربيجان بخطى متتالية نحو التوقيع على الاتفاقية التاريخية التي ستفتح أمام البلدين آفاقاً رحبة للدفع بالعلاقات، وسط تساؤلات حول ما إذا كان توقيعها سكون نهايةً لعقود من النزاع في جنوب القوقاز على أنقاض الاتحاد السوفييتي السابق وقبله الإمبراطورية الروسية. مع ذلك، ثمة عقبات قد تعرقل إبرام اتفاقية سلام بين أرمينيا وأذربيجان، بما فيها تعارضها مع الدستور الأرميني الذي يتضمن إشارة إلى قرار "استعادة الوحدة بين جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية وناغورنو كاراباخ"، رغم اعتراف يريفان بأن هذا الإقليم المتنازع عليه أصبح جزءاً من أذربيجان بعد إحكام باكو السيطرة عليه عقب عملية عسكرية خاطفة في سبتمبر/ أيلول 2023، ولعل هذا ما دفع برئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، إلى الإعلان يوم الجمعة الماضي، عزم أرمينيا إجراء استفتاء على دستور جديد في عام 2027.
وكان باشينيان كشف عبر حسابه على منصة تليغرام، الأربعاء الماضي، أن مشروع اتفاق السّلام بين أرمينيا وأذربيجان بات جاهزاً، مؤكداً على استعداده للتوقيع عليه. جاء ذلك بعد أقل من أسبوع على تأكيد وزارة الخارجية الأرمينية الاتفاق على مشروع اتفاقية "إقامة السلام والعلاقات الدولية بين جمهورية أرمينيا والجمهورية الأذربيجانية" واستكمال المفاوضات بشأنها، وكان وزير الخارجية الأرميني، آرارات ميرزويان، قد أعلن، نهاية العام الماضي، أن أرمينيا وأذربيجان حققتا تقدماً في مسألة التوقيع على اتفاقية سلام.
خلاف على بندين
تردد حينها أنه اتُّفِق على 15 من أصل 17 مادة من الديباجة ومشروع الاتفاقية، فقد قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، خلال مقابلة مع الإذاعة والتلفزيون الحكوميَين الروسيَين، نهاية العام الماضي، إنه جرى التوصل إلى اتفاق بشأن 15 مادة من أصل 17 في مسودة نص اتفاق السّلام، مبيناً أنه لم يجرِ التوصل إلى اتفاق بشأن مادتين بعد، هما "امتناع الأطراف عن تقديم مطالبات دولية ضدّ بعضهم البعض" والآخر هو "عدم نشر ممثلي دول أخرى على الحدود".
ورغم عدم الإفصاح عن المعلومات الكاملة حول فحوى الاتفاقية، إلا أنّ باشينيان زعم أنها "لا تحتوي على أسرار"، متهرباً في الوقت نفسه من الإجابة عن الأسئلة المباشرة حول نشر نص مشروع الاتفاقية، وقال في تصريحات صحافية في وقت سابق من الشهر الحالي: "استُكملت المفاوضات بشأن نص اتفاقية إقامة السّلام والعلاقات الدولية بين جمهورية أرمينيا والجمهورية الأذربيجانية، وأعتبر ذلك حدثاً هاماً"، وأضاف أنه "في ما يتعلق بنشر النص، فيجب بصراحة الاطلاع على الممارسات"، وأوضح أن "هذا النص لا يحتوي على أي أسرار عن المجتمع، وجرى تداول كل المواد منفصلة بصورة أو بأخرى. صحيح أن المجتمع لم يطالع النص، لكنه لا يمكن القول إنه غير مطّلع عليه"، وأقر باشينيان بأن أحد البنود يتعلق بمنع نشر قوات تابعة لدول ثالثة على كامل امتداد الحدود الأرمينية الأذربيجانية، وآخر بالسحب المتبادل للقضايا المرفوعة أمام المحاكم الدولية.
وسائل إعلام روسية تشكك بأن تضمن اتفاقية السلام المنشودة مصالح أرمينيا
من جانب آخر، شككت صحيفة فزغلياد الإلكترونية الروسية الموالية للكرملين، في أن تضمن اتفاقية السلام المنشودة مصالح أرمينيا، مشيرة في مقال بعنوان "أذربيجان تروّج لرؤيتها لاتفاقية سلام مع أرمينيا" يوم 17 مارس الحالي، إلى أن باكو انتهجت على نحوٍ متتالٍ الخطَّ نحو استبعاد أي دولة ثالثة من العملية التفاوضية. يهدم ذلك، وفق الصحيفة، قاعدة السياسة الخارجية الأرمينية القائمة على الاعتماد على راعٍ خارجي يضمن أمن أرمينيا ومصالحها الوطنية التي لا تستطيع هي ضمانها بنفسها، كونها بلداً صغيراً في وضع صعب.
ولفت المقال إلى أن السياسة الخارجية الأرمينية تحوّلت إلى بحث دائم حول العالم عن "مظلة" تحلّ محلّ العلاقات المهدومة مع روسيا، جازمة بأنه بتخليها عن نشر قوات تابعة لدول ثالثة على امتداد الحدود، تحرم أرمينيا نفسها من آخر فرصة للغطاء العسكري، وذكّرت "فزغلياد" بأن باكو تمكنت، في العام الماضي، من حل مجموعة مينسك للتسوية في كاراباخ، التي استمر عملها منذ منتصف التسعينيات (التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، تحت الرئاسة المشتركة لروسيا وفرنسا والولايات المتحدة، والمعنية بتسوية النزاع في الإقليم)، ورغم أن المجموعة لم يعد لها أي تأثير، إلا أنها ظلت منصة للعملية التفاوضية بمشاركة دول ثالثة، بما فيها روسيا والولايات المتحدة.
يبدو الوضع مماثلاً في مسألة التخلي عن المحاكم والدعاوى الدولية، إذ لا يؤثر ذلك على أذربيجان، لكن مثل هذه التحركات الدولية كانت تساعد يريفان في لفت الأنظار إليها وحتى إضفاء بُعد مؤسساتي دولي على مواقفها في القضايا مثل الأسرى والممتلكات المفقودة والآثار الثقافية. وبذلك تنتقل محاكمة سكان ناغورنو كاراباخ، ووزير الدولة في الإقليم روبين فاردانيان (الذي اعتُقل ومسؤولين آخرين في كاراباخ في سبتمبر 2023 بعد ضم الإقليم)، إلى اختصاص القانون الجنائي الأذربيجاني حصراً، ولن يعود بمقدور أرمينيا الدفاع عنهم على مستوى الدولة.
تطبيع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان
في هذا الصدد يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، والأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، كامران غسانوف، أن أرمينيا وأذربيجان أحرزتا في السنوات الأخيرة تقدماً كبيراً على مسار تطبيع العلاقات، مشيداً في حديث لـ"العربي الجديد"، بقدراتهما على إجراء مفاوضات ناجحة من دون وسطاء خارجيين.
كامران غسانوف: نشهد تقدماً كبيراً لإبرام اتفاقية سلام منذ لقاء براغ في عام 2022
ولا يشاطر غسانوف رأي "الكثير من الخبراء الذين يعتبرون أنه لن تُبرَم اتفاقية سلام نظراً لموقف باكو المتشدد"، إذ يوضح "أننا نشهد تقدماً كبيراً منذ لقاء براغ في عام 2022 (اتفقت أرمينيا وأذربيجان حينها على نشر مهمة مدنية تابعة للاتحاد الأوروبي على حدودهما المشتركة بعد حرب بدأت في 2020) وحتى إحراز أرمينيا وأذربيجان اختراقاً كبيراً في قضية تطبيع العلاقات بحلول اليوم، بما في ذلك عبر تسوية الخلافات الحدودية"، ويشير إلى أن "أرمينيا ردت قرى لأذربيجان في الصيف الماضي (أعادت أرمينيا إلى أذربيجان أربع بلدات حدودية سيطرت عليها في تسعينيات القرن الماضي)، كما اتفق الطرفان على فتح ممرات النقل بعد إتمام الاتفاق"، كذلك "قدمت يريفان تنازلات في مسائل مثل التخلي عن المطالب الحدودية والقبول بانسحاب قوات حفظ السلام الأوروبية".
وبرأي غسانوف فإن أرمينيا وأذربيجان تمضيان بخطى متتالية نحو إبرام اتفاقية سلام، وقد تتمّ هذا العام، موضحاً أن الجانبين أعلنا "التوصل إلى اتفاق بشأن نص اتفاقية السلام رغم أنهما عجزا عن الاتفاق بشأن عدد من البنود قبل أشهر عدة فحسب"، ويشير إلى أنه "قبل عامين لم يكن إقليم ناغورنو كاراباخ تحت سيطرة باكو كلياً، لكن جرت تسوية هذه المسائل كافة بطرائق سلمية تارة وعسكرية تارة أخرى، وكل ذلك في إطار ثنائي من دون اللجوء إلى لاعبين خارجيين ينحازون إلى طرفٍ على حساب آخر".