تمديد عمر لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري... وانتقادات لعملها

12 ابريل 2025
في جبلة بعد أحداث الساحل، 12 مارس 2025 (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تم تمديد عمل لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري لمدة ثلاثة أشهر إضافية بناءً على طلب أعضائها، بسبب عدم كفاية المدة الأصلية لإتمام التحقيقات بشكل كامل، وسط انتقادات لعدم كفاية الوقت والخبرات.

- تعرضت اللجنة لانتقادات بسبب عدم تجانس أعضائها وافتقارهم للخبرات، وعقدها مؤتمراً صحافياً مخالفاً للقانون الجنائي، وعدم تواصلها مع المنظمات الحقوقية، مما أثار تساؤلات حول شفافيتها وفعاليتها.

- أكد حقوقيون وصحافيون على ضرورة العدالة الانتقالية لمحاكمة المجرمين وكشف الحقائق، مشددين على أهمية محاسبة المجرمين وإنصاف الضحايا لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

بعد مرور شهر على بدء عمل لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري أعمالها، قرر الرئيس السوري أحمد الشرع تمديد عمرها مدة ثلاثة أشهر غير قابلة للتمديد، بناء على طلب أعضائها، بالنظر لعدم كفاية مدة شهر لإنجاز المهمة الموكلة لها، في ظل الحاجة لتحقيق متكامل، غير أن انتقادات توجّه لطريقة عمل اللجنة، والظروف التي تتحرك فيها. وقالت الرئاسة السورية في بيان أمس الأول الخميس، إن الشرع اجتمع مع اللجنة للاطلاع على نتائج عملها، لكن أعضاء اللجنة طلبوا تمديد المهلة الممنوحة لهم. وكان الشرع قد شكّل اللجنة المكونة من سبعة أعضاء، في 9 مارس/آذار الماضي للتحقيق في الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع أحداث الساحل السوري ابتداء من السادس من مارس الماضي والتحقيق في الانتهاكات التي تعرّض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها، إضافة إلى التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش. وكان من المفترض أن ترفع اللجنة تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها 30 يوماً.

مهلة غير كافية للجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري

وتضم لجنة التحقيق خمسة قضاة ومحاميا إضافة إلى ضابط في الأمن الجنائي. وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع المتحدث باسم اللجنة المحامي ياسر الفرحان، لكن الأخير اعتذر عن الرد بسبب الوقت. لكن الفرحان قال في تصريح لتلفزيون سوريا إن المدة الزمنية التي مُنحت للجنة لم تكن كافية لإتمام أعمالها بشكل كامل. وأضاف أن "الوقت المحدد لم يساعد اللجنة في إتمام أعمالها كاملة". وأوضح أن اللجنة رصدت حتى الآن "41 موقعاً تشكل 41 قضية"، مشيراً إلى أن "بناء الأدلة في هذه القضايا يحتاج إلى مزيد من الوقت". وكشف الفرحان أن اللجنة استجوبت عدداً من الموقوفين المشتبه بتورطهم في أحداث الساحل السوري الأخيرة، من دون أن يذكر تفاصيل إضافية حول عددهم.

وأكدت لجنة التحقيق في مؤتمر صحافي سابق، أنها دخلت كل المناطق التي شهدت أحداثاً واستمعت إلى شهادات جهات أمنية وعسكرية ومدنية، كما أنها اجتمعت مع اللجنة الدولية للتحقيق التابعة للأمم المتحدة بدمشق. وفي السادس من مارس الماضي، شنّت مجموعات متفرقة من أنصار وفلول نظام بشار الأسد هجمات ضد القوى الأمنية ووحدات الجيش السوري في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وتبع ذلك حملة عسكرية واسعة من جانب قوات الحكومة، والفصائل العسكرية الموالية لها، تخللها ارتكاب جرائم طائفية ضد المدنيين خلال أحداث الساحل السوري.

وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في آخر تقاريرها أن 1562 شخصاً، بينهم 102 طفل و99 سيدة، قتلوا في عمليات عنف طاولت مختلف المناطق، مع تركيز كبير على الساحل السوري. وأشار التقرير إلى أن 889 من الضحايا قُتلوا على يد "القوى المسلحة المشاركة في العمليات العسكرية بالساحل"، بينما سقط 445 ضحية برصاص جماعات موالية للنظام السابق، مشيراً إلى أن هناك صعوبة في التمييز بين المدنيين وفلول نظام الأسد الذين نزع سلاحهم، لأن الفلول كانوا يرتدون ملابس مدنية.

وفي تعليقه على قرار تمديد عمل اللجنة، قال مدير الشبكة فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد"، إن مهلة شهر غير كافية لإجراء تحقيق متكامل، لافتاً إلى أن وضع مهلة شهر تم بناء على اعتقاد خاطئ بأن أعداد الضحايا كانت محدودة، سواء ممن قتلوا على يد فلول النظام أو الفصائل المحسوبة على الحكومة. وأضاف عبد الغني: "في آخر تقاريرنا في الشبكة السورية لحقوق الانسان، وصل عدد الضحايا في أحداث الساحل السوري تحديداً إلى نحو 1400 قضوا في عشرات القرى والمدن والمناطق، وبالتالي تحتاج اللجنة إلى وقت أطول"، لافتاً إلى أن اللجنة تفتقد بعض الخبرات الضرورية للتحقيق، وهو ما يعوق عملها، ويطيل الوقت المطلوب لإنجازه.

فضل عبد الغني: اللجنة تفتقد بعض الخبرات الضرورية للتحقيق، وهو ما يعوق عملها، ويطيل الوقت المطلوب لإنجازه

وقال عبد الغني إن اللجنة نفسها "غير متجانسة، ولم يسبق لأعضائها العمل معا، وليس لديهم خبرات في التحقيق، مما يعقّد عملها، ويجعلها بحاجة لمزيد من الوقت، وأرى بالتالي أن التمديد منطقي". وأشار إلى مزيد من التحفظات على عمل اللجنة مثل أنها عقدت مؤتمراً صحافياً وتحدثت عن تفاصيل عملها، و"هذا مهم، ولكن في القانون الجنائي لا يجوز الكشف عن عمليات التحقيق" لأن ذلك قد يؤدي إلى ترهيب الشهود من جانب المتورطين في ارتكاب الانتهاكات.

وأوضح عبد الغني أن لجان التحقيق تقدّم "موجزاً عاماً ولا تقدّم تفاصيل"، مشيراً إلى صدور عدة أنشطة ليست من اختصاصها، مثل ردها على بيان منظمة العفو الدولية الذي تحدثت فيه عن الانتهاكات في الساحل. كما لفت إلى أن اللجنة لم تتواصل مع المنظمات الحقوقية السورية، "أو على الأقل مع منظمتنا، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، رغم أننا كنا من المبادرين إلى إصدار تقارير مفصلة حول ما جرى في الساحل". وأضاف أنه من المفترض بلجان التحقيق أن تمتنع عن التصريحات الإعلامية حتى تنتهي من عملها، ثم تعلن النتائج عبر بيان صحافي موحد، بدون الدخول في تعليقات حول تقارير منظمات أخرى، مثل منظمة العفو الدولية.

انتقادات لأسلوب عمل اللجنة

من جهته، أيّد الحقوقي والصحافي السوري عبد الكريم الثلجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الحاجة إلى تمديد عمل اللجنة لأن فترة شهر قصيرة ولا تكفي للإحاطة الكاملة بما حدث، بالنظر إلى حجم العمل المطلوب، والحاجة لتحري الأدلة والاستماع إلى أكبر عدد ممكن من الشهود. وأوضح الثلجي أن اللجنة أجرت حتى الآن 9 زيارات لمواقع الأحداث، ودوّنت 95 إفادة، بما فيها المقاطع المصورة، وهذا الأمر سيجعل عملها مهنياً أكثر. لكن الثلجي انتقد أسلوب عمل اللجنة، وقال: "كنا نتوقع أن تستعين اللجنة بلجان فرعية أو جهات حقوقية لمساعدتها في عملها، لكن هذا لم يحصل حتى الآن". ولفت إلى أن تأخر تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية "تسبّب في الفوضى وقيام المجرمين بالتحرك لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية، كما حصل على الحدود السورية اللبنانية من ناحية تحرك تجار المخدرات المحسوبين على حزب الله، وتحركات الفلول في منطقة الساحل وما نجم عنها من أحداث دموية انعكست سلباً على كل الأراضي السورية".

عبد الكريم الثلجي: تأخر تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تسبّب في الفوضى وقيام المجرمين بالتحرك لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية

وشدد الثلجي على أن عملية العدالة الانتقالية تبدأ بتشكيل محاكم وطنية، أو مختلطة بين وطنية ودولية، بغية "محاسبة المجرمين، وقبل ذلك كشف الحقائق من خلال التعاون مع الجهات الحقوقية والصحافية الاستقصائية، بغية إنصاف الضحايا وتعويضهم مادياً ومعنوياً، وهو ما يعزز السلم الأهلي والمصالحة الاجتماعية". وأكد أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام أو استقرار "بدون محاسبة المجرمين أمام القضاء العادل، وإنصاف الضحايا، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011". وقال: "مكافحة الإفلات من العقاب حاجة ملحّة لجبر الضحايا وإنصافهم، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. السلام يبنى على العدالة، ولا سلام بدون عدالة".

أما الصحافي والكاتب عمار ديوب، فقد أيّد بدوره الحاجة لتمديد فترة عمل اللجنة، لكنه حذر من تمييع القضية بسبب "عدم وجود جهات رقابية على عمل اللجنة، وعدم مشاركة لجان محلية من الساحل من المختصين في عمل اللجنة". ولفت ديوب في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "الفصائل المتورطة بعمليات القتل، لا تزال موجودة في الساحل، وهذا ما يدفع للتشكيك بعمل اللجنة"، مطالباً بإبعاد كل تلك الفصائل عن الساحل، و"محاسبة كل من ظهر في فيديوهات يعترف بالقتل، أو يقوم بالتحريض أو الاعتداء اللفظي على فئة من السكان".