تقليص الوجود العسكري الأميركي بسورية...استمرار النفوذ السياسي بحدٍ أدنى من القوات

19 ابريل 2025
قوات أميركية في الحسكة، 9 يناير 2025 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ديسمبر الماضي، أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجدل بتصريحاته حول عدم التدخل في سوريا، مما أدى إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي هناك، حيث أغلقت واشنطن ثلاث قواعد وخفضت عدد الجنود إلى حوالي 1400، مع توصيات بإبقاء 500 جندي لدعم قوات سوريا الديمقراطية في مكافحة الإرهاب.

- القوات الأميركية بدأت بإخلاء قواعد كونيكو والعمر في ريف دير الزور الشرقي، وتستمر في دعم قوات سوريا الديمقراطية وتشغيل معسكرات احتجاز لعناصر داعش، مع تقييم إمكانية إجراء تخفيضات إضافية بعد ستين يوماً.

- الوجود العسكري الأميركي في سوريا بدأ في 2015 لمحاربة داعش، وتمتلك الولايات المتحدة 17 قاعدة و15 نقطة عسكرية هناك، وتعمل على منع انبعاث داعش ودعم حلفائها المحليين، وسط محاولات إسرائيلية لعرقلة التوافق بين حكومة دمشق وقيادة "قسد".

بالتزامن مع انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي واقتراب الفصائل من دمشق، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لم يكن قد تولى منصبه رسمياً بعد، يُعلّق على التطوّرات عبر منشور على منصة تروث سوشال في 7 ديسمبر، قائلاً إنّ "سورية في حالة فوضى وهي ليست صديقتنا والمعركة ليست معركتنا فدعوها كما هي ولا تتدخّلوا"، وهو ما أثار يومها تكهنات عمّا إذا كان سيسحَبُ الجنودَ الأميركيين في سورية أو يقلّص الوجود العسكري الأميركي بسورية على غرار قراره في عام 2018. وفيما كانت المؤشّرات خلال الآونة الأخيرة تشير إلى أن الخطوة لن تتأخر، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أول من أمس الخميس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن واشنطن شرعت في سحب المئات من قواتها من شمال شرق سورية، وأغلق الجيش الأميركي ثلاث قواعد تشغيلية من أصل ثمانٍ، وهو ما يخفّض القوات في سورية إلى نحو 1400 جندي. ووفق المصدر، فقد أوصى قادة الجيش الأميركي، بإبقاء 500 جندي أميركي على الأقل في سورية ليبقى حجم هذا الانسحاب، غير واضح، وسط تساؤلات ما إذا كان سيكون كاملاً، أم هو مجرّد تقليص للقوات وإعادة ترتيب تموضعها على الأرض.

وفي السياق، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن القوات الأميركية تقوم بإخلاء قاعدتَي كونيكو والعمر، الواقعتَين في ريف دير الزور الشرقي. وحقل العمر يُعرف بكونه أكبر قاعدة عسكرية للقوات الأميركية في سورية، وهو أيضاً من أكبر حقول النفط في سورية سابقاً. ووفق المسؤولين الأميركيين، فإنه بعد ستين يوماً، سيُقيّم القادة إمكانية إجراء تخفيضات إضافية، مشيرين إلى أن القوات الأميركية ستواصل، رغم تقليص عددها، تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في "مكافحة الإرهاب وتشغيل عدد من معسكرات الاحتجاز لعناصر تنظيم داعش".

القوات الأميركية تقوم بإخلاء قاعدتَي كونيكو والعمر، الواقعتَين في ريف دير الزور الشرقي

الوجود العسكري الأميركي بسورية

ودخلت القوات الأميركية إلى سورية في عام 2015 بموجب تفويضات استخدام القوة العسكرية لعامَي 2001 و2002، التي أُصدرت حينها لمحاربة تنظيم القاعدة في أفغانستان، وغزو العراق لإطاحةِ نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وقد رأى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أنه بإمكانه استخدام تلك التفويضات لمحاربة "داعش" أيضاً، مع توسّع نشاط التنظيم وسيطرته في العام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسورية، وتبنيه هجمات عسكرية في أوروبا عام 2015، إذ شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها آلاف الضربات الجوية على مواقع للتنظيم في سورية، ودعمت عمليات "قسد" ضده.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وفي عام 2018، قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى سحب القوات الأميركية من سورية، وقد أمر بالفعل بسحب الجزء الأكبر من الوجود العسكري الأميركي بسورية مبقياً على نحو 400 جندي فحسب، لكنْ بناءً على نصائح حلفاء في المنطقة، وقادة ميدانيين ووزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، زاد العدد لاحقاً، حتّى وصل في صيف عام 2024، وفق بيانات معهد بحوث الكونغرس، إلى نحو 900 جندي، بتمويل مقداره 156 مليون دولار، قبل أن يكشف البنتاغون عن أن الوجود العسكري الأميركي بسورية بلغ ألفَي جندي أميركي بالفعل نهاية العام الماضي، نتيجة التوترات التي سادت المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى في غزة. 

وتشير تقديرات متقاطعة، منها دراسة لمركز جسور، إلى أنّ الجيش الأميركي يمتلك 17 قاعدة، و15 نقطة عسكرية، تتمركز في الحسكة ودير الزور والرقة، وريف دمشق الشرقي.

وتسجل نقاط الوجود العسكري الأميركي بسورية تغييرات مستمرة، منها ما يكون على شكل نقاط مؤقتة وحواجز تفتيش، ومنها قواعد ونقاط ثابتة، تنتشر معظمها في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية، إذ تقع 17 منها في محافظة الحسكة، و9 في محافظة دير الزور، و3 في الرقة، بينما تضمّ محافظات حمص وحلب وريف دمشق واحدة لكل منها. ومن أبرز تلك القواعد، قاعدة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، وقاعدة تل أبيض على الحدود السورية مع تركيا، ورميلان شرق القامشلي، وتل بيدر شمال محافظة الحسكة، والشدادي قرب مدينة الشدادي، وعين عيسى شمال سورية.

وإضافة إلى الجنود الأميركيين، تنتشر في تلك القواعد (ضمن التحالف الدولي) قوات بريطانية وفرنسية، مع وجود تمثيل رمزي لبقية دول التحالف، بدليل أنّ الدنمارك أعلنت في 22 إبريل/ نيسان 2023، عن سحب قواتها من سورية، وهذه القواعد مجهّزة بكل الوسائط القتالية، بما فيها منظومات الحرب الإلكترونية.       

ولخّص معهد أبحاث الكونغرس أهداف الوجود العسكري الأميركي بسورية بأنه يتمثل في الحيلولة دون انبعاث "داعش" من جديد، والتعامل مع المخاطر الناتجة عن خلاياه المتبقية، ومكافحة تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به في سورية والعراق، إضافة إلى تدريب وتطوير خبرات حلفائها المحليين، أي "قسد" و"جيش سورية الحرة" (فصيل مدرب أميركياً) ودعمهم عسكرياً ومالياً، لمواجهة أي تهديد من "داعش" والمليشيات الإيرانية التي كانت تنشر في المنطقة. وفي الواقع، كان من المهام غير المعلنة لهذا الوجود العسكري الأميركي بسورية منع نظام الأسد وحلفائه من السيطرة على مناطق "قسد" التي تنتشر فيها معظم المواقع العسكرية لقوات التحالف والثروات النفطية السورية، وهو هدف ما زال قائماً مع الحكومة الجديدة في دمشق، بانتظار التوصل إلى اتفاقات نهائية بين هذه الحكومة وقيادة "قسد"، إذ تدعم واشنطن هذا التوجّه.

وقال الباحث السياسي محمد جزار، لـ"العربي الجديد"، إنّ نفوذ الولايات المتحدة في سورية، وعموم المنطقة والعالم، غير مرتبط بمسألة الوجود العسكري الأميركي بسورية أو غيرها، أو ببضع مئات من الجنود على الأرض، معتبراً أن واشنطن قادرة على التأثير في مجريات الأمور داخل سورية بالقدر نفسه، سواء كانت لها قوات على الأرض أم لا.

يذكر أن صحيفة واشنطن بوست، نقلت أول من أمس الخميس، عن مسؤول أميركي أن مسؤولاً في إدارة ترامب (وصفته بأنه متوسّط الرتبة)، سلّم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في بروكسل، بمنتصف شهر مارس/آذار الماضي، قائمة بثماني خطوات لـ"بناء الثقة" من أجل أن تبادر الولايات المتحدة لرفع عقوبات جزئيّ عن سورية، وذكرت الصحيفة أنها اطلعت على القائمة التي تتضمن "السماح للجيش الأميركي بالقيام بعمليات لمكافحة الإرهاب على الأرض السورية ضدّ أي طرف أو شخص تراه واشنطن خَطِراً على الأمن القومي" الأميركي، كما تتضمّن اللائحة "أنْ تصدر الحكومة السورية إعلاناً رسمياً يحظر كل المليشيات الفلسطينية وأنشطتها السياسية على الأرض السورية، وترحيل أعضاء من هذه المجموعات لتهدئة المخاوف الإسرائيلية"، وتريد الولايات المتحدة أيضاً إعلاناً سورياً رسمياً بدعم عمليات التحالف الدولي ضدّ "داعش" في سورية.

محمد جزار:  ما يشجع على اتخاذ قرار الانسحاب، سواء أكان كلياً أم جزئياً، هو التقدم الذي تحقّق على صعيد التوافق بين حكومة دمشق وقيادة "قسد"

نفوذ من دون قوات

وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، في عهد جو بايدن، باربرا ليف، قد زارت سورية على رأس وفد أميركي دبلوماسي بعد سقوط الأسد، وذلك في 20 ديسمبر الماضي، والتقى الوفد الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، إذ كانت "تحرير الشام" بقيادته سيطرت على دمشق في 8 ديسمبر الماضي، وكان ذلك أول اتصال رسمي بين واشنطن وقادة "تحرير الشام". وكانت تقارير غربية أيضاً سُرّبت الشهر الماضي أن لقاءً بين الحكومة السورية ومسؤولين أميركيين عقد في 18 مارس، على هامش مؤتمر بروكسل للمانحين، عندما سلّمت ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام، الشيباني، قائمةً بشروط أميركية، ومن بينها التزام دمشق بإبعاد المقاتلين الأجانب عن المناصب الحكومية العليا.

وأوضح جزار أنّه حتى على الصعيد العسكري، فإن التدخلات الأميركية على الأرض تجري غالباً بسلاح الطيران، وليس عبر الجنود على الأرض الذين لم يخوضوا تقريباً أي معركة ضدّ أي طرف، وكان القصف الجوي هو العنصر الفاعل في التدخلات الأميركية في سورية، وعموم المنطقة، لافتاً إلى أن لدى الولايات المتحدة العديد من القواعد الجوية في المنطقة، بما فيها في الدولتَين المجاورتَين، العراق وتركيا، فضلاً عن وجود قوات أميركية في إسرائيل، وتحالفها الراسخ مع دولة الاحتلال، وهي عملياً لا تحتاج إلى وجود قوات على الأرض.

ورأى الباحث السياسي أن ما يشجع على اتخاذ قرار تقليص الوجود العسكري الأميركي بسورية أو الانسحاب من هذا البلد، هو التقدم الذي تحقّق على صعيد التوافق بين حكومة دمشق وقيادة "قسد"، بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة، ما يعني، وفق اعتباره، أنه يجري تدريجياً تبديد مخاوف "قسد" من الانسحاب الأميركي، لأن هذه التوافقات، تشارك فيها بطريقة أو أخرى، تركيا أيضاً. 

ولفت جزار، إلى أنّ الطرف الوحيد الذي يحاول عرقلة هذا التوجّه هو إسرائيل "لأسباب لا تتعلق بمصالح أي طرف داخلي في سورية، بل تخصُّ المخططات الإسرائيلية الشريرة تجاه سورية"، وأوضح أنّ إسرائيل تنظر إلى الوجود العسكري الأميركي في سورية بوصفه قوّة ردع تمنع حكومة دمشق من استكمال بسط سيطرتها على الأراضي السورية، خصوصاً في شرق البلاد، حيث الثروات النفطية والغازية، الأمر الذي من شأنه إبقاء البلاد في حالة تقسيم واحتراب داخلي، فضلاً عن حرمان حكومة دمشق من الموارد النفطية والمالية، أي إبقاء تلك الحكومة ضعيفة وبلا موارد، وأشار إلى أنه في هذه الجزئية، لا يوجد توافق بين الرؤيتَين الأميركية والإسرائيلية، إذ تريد واشنطن، بتشجيع من حلفائها الآخرين، مثل تركيا والسعودية وقطر، أن يحظى هذا البلد ببعض الاستقرار، خشية أن تساعد الفوضى وتدهور الأوضاع على عودة إيران وحزب الله إلى سورية، وتعود الأمور إلى سيرتها الأولى.

وفي السياق، كان موقع "واينت" الإسرائيلي، قد ذكر يوم الأربعاء الماضي، أن الولايات المتحدة أبلغت دولة الاحتلال الإسرائيلي، بأنها ستبدأ قريباً بسحب قواتها من سورية، في وقت كانت فيه إسرائيل تحاول منع هذه الخطوة، لكنّها تلقت أخيراً تأكيداً بفشل جهودها. ومع ذلك، لا تزال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تسعى للضغط على واشنطن لمنع تنفيذ القرار.

من جهته، رأى عضو المجلس العام في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، عبد الوهاب خليل، أن الخطوة الأميركية تنسجم مع تعهدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص قوات بلاده في المنطقة والعالم، وإيقاف الحروب. واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تقليص القوات الأميركية ناتج عن تقدّم اتفاقية وقف إطلاق النار بين تركيا و"قسد" من جانب، ونتيجة التقدم في التفاهمات بين إيران والولايات المتحدة من جانب آخر، وفق رأيه.

واعتبر خليل أنه "ستكون لهذا الاتفاق عواقب سلبية في حال لم تتقدم المفاوضات بين تركيا و"قسد"، ما قد يهدّد المنطقة بحروب جديدة، إضافة إلى انتعاش "داعش" من جديد في المنطقة"، وفق تعبيره. ورأى خليل أن هذه الخطوة تحمل رسالة لحكومة دمشق بأن الولايات المتحدة تتعامل معها بحسب ما تقوم به على أرض الواقع، إضافة إلى كونها رسالة طمأنة لتركيا من الولايات المتحدة، كما أنه "يمكن وصفها بورقة ضغط أيضاً على "قسد" للسير في الاتفاقيات".

إلى ذلك، اعتبر الباحث في مركز "جسور للدراسات" رشيد حوراني، لـ"العربي الجديد"، أن الانسحاب الأميركي من سورية يأتي استكمالاً لعملية استقرار سورية التي بدأ التوافق الدولي عليها منذ نجاح عملية "ردع العدوان" (التي شنّتها هيئة تحرير الشام وفصائل من إدلب أواخر العام الماضي) وإسقاطها نظامَ الأسد.

وأضاف حوراني أن وجود القوات الأميركية الذي بدأ في عهد أوباما، بقيادة مهندس هذا الوجود بريت ماكغورك (المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي في الحرب على داعش)، كان هدفه في البداية مناكفة تركيا والضغط عليها، ومع وصول إدارة ترامب التي تُعلي من شأن المصالح في سياساتها، تبدّدت هذه المناكفة، وحلّت مكانها لغة المصالح المتبادلة. ورأى حوراني أنّ الانسحاب الأميركي "رسالة لكل الأطراف المتدخلة على الساحة السورية لوقف استخدام هذه الساحة للمناكفات في ما بينها، وضرورة العمل على استقرارها وتهدئتها لأنها أثّرت كثيراً على الأمن الدولي".

وحول الإبقاء على جزء من القوات الأميركية في سورية، قال حوراني إنّ ما سيبقى من قوات أميركية هدفه على الأغلب "مراقبة وتقييم حسن سير الاتفاق بين دمشق وقسد"، مدللاً على ذلك، بأنّ وفداً من التحالف الدولي زار سدّ تشرين (في ريف مدينة منبج بمحافظة حلب شمال سورية) يوم التوصل إلى اتفاق بشأنه وسيطرة قوات دمشق عليه خلال الشهر الحالي، ولحل مسألة من يتولى السيطرة على السجون التي يُحتجز فيها موقوفو "داعش" لدى "قسد".

المساهمون