استمع إلى الملخص
- تسعى الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الخاصة في المنطقة، مثل تقليص نفوذ الصين، مما يثير مخاوف من تعميق الأزمات الداخلية في باكستان بسبب التاريخ الطويل من التدخلات الأميركية.
- التقارب بين إسلام أباد وواشنطن يثير حساسية لدى الشعب الباكستاني، رغم أهمية الدعم الأميركي في مكافحة الإرهاب وتأثيره على صورة باكستان دولياً.
في أقل من شهرين، زار قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير العاصمة الأميركية واشنطن مرتين: الأولى في 18 يونيو/حزيران الماضي، والثانية في 8 أغسطس/آب الحالي، والتقى خلالهما القيادة السياسية والعسكرية الأميركية، وبحث ملفات وصفتها بيانات الجيش الباكستاني بالمهمة جداً للبلاد، مؤكدة أن تلك الزيارات أتت أكلها. ومما يعدّده الجيش كمكاسب من الزيارتين: إعلان الحكومة الأميركية "جيش تحرير بلوشستان" الانفصالي حركة إرهابية، فضلاً عن التوافق بين واشنطن وإسلام أباد على مكافحة الجماعات المسلحة التي تُربك أمن المنطقة، وتحديداً أمن باكستان، كحركة طالبان الباكستانية والأحزاب الانفصالية البلوشية، بالإضافة إلى ما تعتقده إسلام أباد أن واشنطن بدأت تؤيد موقفها مقابل نيودلهي.
أهداف أميركية
رغم ذلك، يشير مراقبون إلى أن الولايات المتحدة لديها في المقابل أهداف في باكستان، وربما خطة مستقبلية لاستخدام هذا البلد مرة أخرى، كما فعلت إبان غزو أفغانستان في عام 2001، حين لم تكن باكستان حليفة للولايات المتحدة فحسب، بل كانت منطلقاً للقضاء على قوة تنظيم القاعدة وطالبان الأفغانية حينها، وهو ما جعل العداء متعمقاً بين باكستان وأفغانستان، وأضحت الأولى تعاني من وجود الجماعات المسلحة مثل طالبان الباكستانية. ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تسعى لتقليص نفوذ الصين في المنطقة، وإعادة صياغة موقع باكستان بما يخدم مصالحها في ظلّ المستجدات الأخيرة، خصوصاً الصراع بين إيران وإسرائيل. يذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، استقبل قائد الجيش الباكستاني في الزيارة الأولى التي أجريت في يونيو الماضي، وعقد معه اجتماع عمل، ثم تناولا الطعام، وهي سابقة، إذ حصلت من دون وجود مسؤول سياسي باكستاني.
محمد امتياز خان: إعلان إسلام أباد عن التفاهمات يُعطي مبرراً للآلاف من طلّاب المدارس الدينية للانضمام إلى طالبان
وفي هذا السياق، يرى المحلّل الأمني الباكستاني شفاعت علي خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كل ما نواجهه اليوم من ويلات بعدما خسرنا ما يقرب من 80 ألف شخص في الحرب على الإرهاب، مثل وجود المسلحين، والقضاء على النظام القبلي الذي كان كفيلاً بحماية الحدود مع أفغانستان والمنطقة، والصراع بين القبائل والجيش، كل ذلك نتاج انضمام باكستان إلى الحرب على الإرهاب، تلبية لطلب الولايات المتحدة حينها، ولو بقيت باكستان بمنأى عن ذلك كما فعلت إيران، لكان الوضع مختلفاً تماماً".
ويضيف علي خان أن "تقارب إسلام أباد مع واشنطن تستفيد منه شريحة خاصة في باكستان، ونعلم أن بعض الأشخاص مكرّمون جداً في العاصمة الأميركية ولهم أراضٍ ومنازل وممتلكات هناك، فلا أحد من قادة الجيش السابقين يعيشون في باكستان، جلّهم في واشنطن أو دول أوروبية".
الجيش الباكستاني يفشل في حلّ المشاكل
ويؤكد المحلّل الأمني أن "هناك جهات في باكستان تخدم واشنطن من أجل البقاء في السلطة ودعم سياساتها الداخلية. فمثلاً، مع عودة ترامب إلى السلطة مجدداً، وهو معروف بعلاقاته القوية مع (رئيس الوزراء الباكستاني السابق المسجون حالياً) عمران خان، كانت هناك خشية لدى البعض في باكستان من أن تدعم الولايات المتحدة قضية خان وتطالب بالإفراج عنه، ولكن قيادة الجيش الباكستاني لجأت إلى واشنطن لوقف أي تدخّل بقضية عمران خان وحزبه (حركة الإنصاف)، وقد نجحت في ذلك. الآن ترامب معجب بقائد الجيش المشير عاصم منير. لكن هذه الأمور لها ثمن، وباكستان ستدفع ثمن ذلك عاجلاً أو آجلاً"، وفق اعتقاده.
ويشير علي خان إلى أن "باكستان، خصوصاً الدولة العميقة فيها والجيش، فشلا في حلّ المشاكل مع حركتي طالبان، الأفغانية والباكستانية، وسياساتهما أدّت إلى صراع مع طالبان الأفغانية، والآن بدل أن تتبنى إسلام أباد سياسة خارجية مستقلة في ضوء مصالح البلاد، وليس مصالح مجموعة واحدة، لجأت إلى واشنطن لتؤيد موقفها حيال طالبان الباكستانية والأحزاب الانفصالية البلوشية، وكذلك ضد الهند". وتساءل: "إلى متى ستستعين دولة نووية بأميركا أو أي دولة أخرى؟"، معتبراً أن "تدخل الجيش في السياسة، أتى بنتائج عكسية على مرّ التاريخ وأخشى أن ندفع المزيد في المستقبل، وبشكل أسوأ". ويقول خان إن "باكستان مشكلتها على الدوام السياسة الخارجية، وتدور حيثما دارت أميركا، فلا استقلال لنا في السياسة الخارجية، ولذلك فإن البلاد رغم موقعها الجغرافي ومكانتها وقوتها، لا تواجه كل هذه الأزمات، وليس لها دور في ما يجري في المنطقة إلا وفق ما تريده الولايات المتحدة".
ونجم عن زيارتي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير، لواشنطن، العديد من التطورات التي وصفتها إسلام أباد بالإنجازات المهمة، منها إدراج واشنطن في 14 أغسطس الحالي "جيش تحرير بلوشستان" وجناح الانتحاريين التابع له المسمى بـ"مجيد بريكيد" على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. هذا الأمر اعتبره الجيش الباكستاني والحكومة إنجازاً كبيراً وثمرة زيارتي قائد الجيش وسعيه لتحسين العلاقات مع واشنطن. أيضاً وُقِّع في واشنطن تفاهم العمل المشترك بين البلدين ضد جماعات مسلحة تربك أمن باكستان، منها "جيش تحرير بلوشستان" وحركة طالبان الباكستانية، وتنظيم داعش – فرع خراسان. وجاء هذا التوافق نتيجة مفاوضات أمنية بين الطرفين في إسلام أباد يومي 13 و14 أغسطس.
طاهر خان: الدول الأخرى تنظر إلى باكستان من خلال النظرة الأميركية
وفيما اعتبرت المؤسسة العسكرية والحكومة التطورات الأخيرة نقطة فارقة وتحولاً كبيراً في سبيل القضاء على قوة تلك الجماعات، غير أن بعض المراقبين يرون أن هذا التوافق سيعمّق الأزمة، وأن ضرره أكبر من نفعه. وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الباكستاني محمد امتياز خان، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك من يرى أن تعاون واشنطن مع إسلام أباد لإنهاء قوة تلك الجماعات، سيكون فعلاً بداية نهاية قوة تلك الجماعات، لكن هؤلاء لا يعرفون التاريخ، فواشنطن وكل حلفائها بما فيها باكستان لم يستطيعوا إنهاء قوة طالبان الأفغانية في حرب دامت عقدين من الزمن، فكيف يمكن أن تتغير المعادلة الآن، بعدما غادرت الولايات المتحدة أفغانستان واعترفت بهزيمتها؟".
ويعتبر محمد امتياز خان أن "إعلان إسلام أباد هذه التفاهمات يُعطي مبرراً للآلاف من طلّاب المدارس الدينية للانضمام إلى طالبان الباكستانية، لأنهم الآن لا يحاربون فقط الجيش الباكستاني، بل أيضاً الداعم الأميركي. كذلك أبناء القبائل الذين لم ينضموا إلى طالبان الباكستانية سينضمون إليها ما دام هناك وجود أميركي، في حين أن واشنطن لا يمكنها أن تلعب أي دور على الأرض، بل ربما فقط تقديم بعض التعاون المالي واللوجستي، وبهذا فإن إسلام أباد أعطت لهذه الحرب صبغة جديدة بإدخال أميركا إليها".
في المقابل، يقول المحلل السياسي الباكستاني أرشد خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن رؤية الولايات المتحدة حيال باكستان لم تكن قبل الحرب الأخيرة بين إسلام أباد والهند (مايو/أيار الماضي) كما صارت بعدها. وبرأيه، فإن النظرة الأميركية حيال باكستان تغيرت عموماً، وحيال الجيش خصوصاً، وذلك لأن قائد الجيش الباكستاني أدار تلك الحرب بحنكة، بالتالي دعاه ترامب إلى واشنطن، واستقبله شخصياً واجتمع معه، ثم جاءت الزيارة الثانية، وما نجم عنها من تطورات أمنية، وكل تلك الإنجازات نتجت من مساعي قائد الجيش، فواشنطن أدركت قوة الجيش الباكستاني وفطنة قائده في إدارة الأمور، ومن هناك جاءت هذه التطورات كبيرة ومهمة والإنجازات ذات تأثير على أرض الواقع"، وفق اعتقاده.
كذلك يعتبر الإعلامي والمحلل السياسي طاهر خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التطورات الأمنية الأخيرة الناجمة عن زيارتي قائد الجيش إلى واشنطن مهمة، وذلك لأن الدعم الأميركي ضد الإرهاب يلعب دوراً محورياً، كذلك الدول الأخرى تنظر إلى باكستان من خلال النظرة الأميركية، فإذا كانت علاقات إسلام أباد جيدة مع واشنطن، فإن دول المنطقة أيضاً ستكون لها النظرة ذاتها. ولكنه يحذر من أن هناك تأثيرات سلبية لهذا التقارب، خصوصاً أن هناك حساسية كبيرة بين أبناء الشعب الباكستاني تجاه الولايات المتحدة، كذلك إن الاعتقاد السائد في إسلام أباد هو أن واشنطن تستخدمها عندما تحتاج إليها، وبمجرد أن تحصل الولايات المتحدة على مصالحها ترمي باكستان حيث تشاء، لذا فإن الباكستانيين ينظرون إلى هذه العلاقة بنظرة الشك والريبة، وفق اعتباره.