تفاهمات تمهّد لعودة أهالي بلدة صدام حسين إلى ديارهم قريباً

22 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 17:51 (توقيت القدس)
مقاتل من الحشد الشعبي أمام قبر صدام حسين في بلدة العوجة، 8 إبريل 2018 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توصلت الحكومة العراقية إلى تفاهمات مع فصائل مسلحة حليفة لإيران، مما سمح بعودة أهالي بلدة العوجة بعد 11 عاماً من النزوح، وتشمل الفصائل المسيطرة "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"بدر".
- تم تشكيل لجنة برئاسة الحشد الشعبي وبتعاون مع جهات رسمية لإعادة سكان العوجة، وتتضمن خطة العودة أربع مراحل تشمل عقد مؤتمر وعودة العوائل وتحديد الجهة الأمنية وإعادة الخدمات.
- رغم التفاهمات، يظل هناك شكوك بين الأهالي حول جدية القرار، حيث يسيطر "عصائب أهل الحق" على البلدة، مما يثير مخاوف من أن تكون القرارات دعاية انتخابية.

سمحت تفاهمات بين الحكومة العراقية، وفصائل مسلحة حليفة لإيران تنتشر في بلدة العوجة بمحافظة صلاح الدين شمالي البلاد، مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين بعودة عشرات الآلاف من أهالي البلدة قريباً إلى منازلهم بعد 11 عاماً على نزوحهم منها، وفرض مليشيات مسلحة سيطرتها عليها، عقب هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي استولى على مناطق واسعة في تلك الفترة من شمالي وغربي العراق.

وينتشر في البلدة خليط من المليشيات المسلحة، أبرزها "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"بدر"، وجميعها مصنفة ضمن خانة الجماعات المدعومة من طهران في العراق. وأظهرت وثيقة أمنية صادرة عن مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، القرار بتفاصيل موسعة، تقضي بعودة أهالي البلدة، وهم من عشيرة صدام حسين وأقربائه.

وبحسب الأمر، فإن لجنة برئاسة الحشد الشعبي ستتولى، بمشاركة تسع جهات رسمية، مهمة إعادة سكان العوجة إلى منازلهم. ومن بين الجهات التي ستشارك في المهمة: مستشارية الأمن القومي وجهاز المخابرات وقيادتا العمليات في الجيش وقوات الحشد الشعبي، إلى جانب مستشار خاص لرئيس الوزراء ووزارة الهجرة والمهجرين.

وبحسب مصادر مسؤولة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "اللجنة لديها البيانات الكاملة حول النازحين من البلدة، وأن أغلبيتهم تم تدقيقهم أمنياً، والتثبت من عدم تورطهم في أعمال قتل وعنف". وأضافت المصادر أن "اللجنة الحالية هي الأقوى من ناحية التمكين العسكري والأمني، في سبيل منع أي طرف أو جهة لا تقبل بفتح المدينة وعودة سكانها الأصليين، وقد جرى التنسيق مع أغلبية الأجهزة الأمنية والعسكرية بالتنسيق مع وزارة الهجرة والمهجرين، وتأتي الخطوة استكمالاً للمنهاج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني"، موضحة أن "طريقة عودة أهالي العوجة ستكون على 4 مراحل، الأولى تبدأ بعقد مؤتمر في تكريت لإعلان العودة، ثم المباشرة بعودة العوائل على دفعات، ثم تحديد الجهة الأمنية التي تسيطر على البلدة وأخيراً المباشرة بعودة الخدمات الأساسية".

وفي يونيو/ حزيران الماضي، ناشد أهالي بلدة العوجة، مسقط رأس الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ممثل الأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، بالتدخل لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ تهجيرهم القسري في عام 2014، إذ تسيطر على البلدة مليشيا مسلّحة وتمنع عودة أهلها إليها على غرار مدن أخرى مثل جرف الصخر والعويسات جنوب وغربي بغداد. ووجه رئيس قبيلة البو ناصر حسن ندا الحسين، في بيان له نداءً أكد فيه أن "سكان بلدة العوجة ممنوعون من العودة لمدينتهم، خلافاً لباقي مناطق تكريت وصلاح الدين".

وجاء في مناشدة الحسين أن "جميع المناشدات التي وُجهت إلى المسؤولين في الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية للبت في هذا الملف لم تلقَ أي استجابة، ما زاد من معاناة المهجّرين وعمّق معاناتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية"، لافتاً إلى أن "الآلاف من سكان العوجة، بينهم أكثر من 1300 عائلة، ما زالوا مشتّتين في مناطق النزوح، ويعانون من ظروف معيشية قاسية". وتابع أن "معظم العائلات المهجّرة من العوجة تعتمد على الزراعة في أراضٍ تقدَّر مساحتها بعشرة دونمات لكل عائلة، فضلاً عن أصحاب المحال التجارية الذين فقدوا مصدر رزقهم، فيما تتحمل العائلات تكاليف إيجار شهري يفوق المليون دينار، وسط غياب أي تعويض أو دعم حكومي". واختتم بمناشدة عاجلة إلى الأمم المتحدة، طالب فيها بـ"فتح هذا الملف الإنساني، وإنهاء حالة التهجير القسري، والعمل على إعادة الأهالي إلى مناطقهم، واسترداد حقوقهم القانونية والإنسانية المشروعة".

وتواصل "العربي الجديد" مع عدد من أهالي بلدة العوجة النازحين في إقليم كردستان العراق، وأكدوا أنهم لا يثقون بالأوامر والقرارات الخاصة بفتح بلدتهم المبعدين عنها قسراً بعد تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، لأن السنوات الماضية شهدت عدة أوامر مماثلة بفتحها ولم يجر أي تقدم بهذا الخصوص، معربين عن تخوفهم من أن القرار الأخير يأتي في إطار الدعاية الانتخابية.

وأضاف بعضهم أن "فصيل عصائب أهل الحق هو المسيطر على البلدة، ولا يقبل بأن تفتح البلدة ويعود سكانها إليها، ونسمع أن هذا الفصيل يستثمر في المنطقة بتربية الجاموس وحواضن الأسماك، كون البلدة تقع على نهر دجلة"، مؤكدين أن "قرارات وأوامر فتح المدينة عادة ما تسبق كل انتخابات وسرعان ما تنتهي القرارات بالفشل لغياب الإرادة الحكومية من جهة، وتمسك القوى المسلحة فيها من جهة ثانية".

لكن الناشط السياسي من محافظة صلاح الدين، كتاب الميزان، أشار إلى أن "الأمر الديواني الأخير يبدو مختلفاً وإيجابياً"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أنه "لأول مرة منذ سنوات وعبر حكومات متعاقبة يتم اتخاذ خطوة بهذه الجرأة وتشكيل اللجان من الوزارات والأجهزة الأمنية، بضمنهم رئيس هيئة الحشد الشعبي، لأن اللجنة على مستوى عالٍ". ولفت إلى أن "جهود مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، كانت واضحة في اللجنة، وكان له الدور الأكبر والأبرز في تصفير هذا الملف، ومن المفترض أن تتم عودة جزء من النازحين قبل الانتخابات، والجزء الآخر بعد انتهاء الانتخابات المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل".

وتقع العوجة على مسافة 13 كيلومتراً جنوب مدينة تكريت، واشتهرت قبل عام 2003 بكونها مسقط رأس صدام حسين الذي دفن فيها بعد إعدامه عام 2006، ومقر إقامة عشرات القادة والمحافظين في حقبة النظام العراقي السابق، وهي مفرغة من سكانها منذ نحو 11 عاماً، إذ لا تسمح فصائل مسلحة بعودة أهلها إليها، بذرائع يجرى ربطها بالوضع الأمني والعشائري. ومنذ احتلال تنظيم "داعش" لها عام 2014، اضطر أهالي المدينة للنزوح باتجاه محافظات إقليم كردستان، ومناطق عراقية أخرى. ووفقاً لزعماء قبليين وسكان نازحين من القرية فإن جهات سياسية وأحزاباً وفصائل وجماعات مسلحة تمنعهم من دخول البلدة، ويعتقدون أن ذلك يعود إلى كون العوجة هي مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين.

وفي العراق، بلدات ومدن عدّة لم يرجع أهلها إليها بعد انتهاء معارك القضاء على تنظيم "داعش" (2014 - 2017)، من ضمنها العوجة في صلاح الدين، وجرف الصخر في محافظة بابل، وكذلك العويسات الواقعة جنوب شرقي الأنبار، وبلدات ذراع دجلة والثرثار في صلاح الدين، ويثرب وسلمان بيك، وقرى آمرلي وطوزخورماتو، ومناطق الوقف والحوض والسعدية ومناطق قرى المقدادية مثل نهر الإمام والخيلانية.

وجميع هذه المناطق لم تشهد عودة الحياة إليها مجدداً، ويتوزع أهلها الذين يقدر عددهم بين 400 ألف إلى 500 ألف مواطن على مخيّمات ومعسكرات، وآخرين يقيمون في مدن مجاورة أو داخل إقليم كردستان العراق، واستطاع الكثير منهم التكيّف مع الوضع الجديد وإيجاد عمل له. ولا تُقدّم الحكومات العراقية المتعاقبة أي ردود مُقنعة بشأن عملية تهجير مدن عراقية وما إذا كانت ستستمر خارجة عن سيطرة الدولة، غير أنها لا تتجاوب مع وسائل الإعلام في الرد على الأسئلة المقدمة لها حولها.

المساهمون