استمع إلى الملخص
- يرى نبيل حجي أن التعيينات المتكررة تعكس محاولة الرئيس التنصل من المسؤولية، بينما يعتبر وسام الصغير أن هذه الإقالات تسقط حجة سعيّد بأن عدم الاستقرار كان سبباً لحل مجلس النواب.
- يوضح قاسم الغربي أن سياسة سعيّد تعتمد على التجربة والخطأ، مما يعكس غياب مشروع سياسي متكامل، ويشير ماجد البرهومي إلى تأثير التعيينات السريعة سلباً على الأداء الحكومي.
شهدت فترة الرئيس التونسي قيس سعيّد، منذ 2019، تعيين ستة رؤساء حكومات في ظرف خمس سنوات، وسط تعيينات وإقالات في منصب رئاسة الحكومة التونسية لم تشهدها البلاد في أي ولاية رئاسية سابقة، إذ لم تمض على بعض التعيينات سنة واحدة حتى. فقد عينت حكومة إلياس الفخفاخ من 27 فبراير/شباط 2020 إلى 2 سبتمبر/أيلول 2020. ثم حكومة هشام المشيشي في 2 سبتمبر 2020 إلى 25 يوليو/تموز 2021، ثم عيّن سعيّد نجلاء بودن رئيسة للحكومة لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب بعد اعتماد الدستور الجديد في 2022. وبقيت بودن في منصب رئاسة الحكومة التونسية حتى إقالتها وتعيين أحمد الحشاني خلفاً لها في 1 أغسطس/آب 2023 إلى 8 أغسطس 2024. يومها كلّف سعيّد بعدها وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري برئاسة الحكومة، والذي أُقيل في 21 مارس/آذار 2025 وعُيّنت سارة الزعفراني الزنزري التي كانت تشغل منصب وزيرة التجهيز والإسكان، خلفاً له.
هشاشة الحكومة التونسية
برأي الأمين العام للتيار الديمقراطي، نبيل حجي، فإن الرابط الوحيد بين التعيينات والإعفاءات هو التنصل من المسؤولية، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنه "كلما تفطنت السلطة إلى أن الأمور لا تسير جيداً ووفق ما يريد الرئيس، نتيجة أخطائه هو، فإنه يتم إعفاء رئيس الحكومة". واعتبر أن المدوري رئيس الحكومة التونسية "والمنطق يقول إنه عند الإعفاء تعفى الحكومة ككل، فالرئيسة الحالية لم تختر تركيبة حكومتها، وهو ما حصل تقريباً مع المدوري ونجلاء بودن"، مشيراً إلى أنه "من كثرة تواتر أسماء رؤساء الوزراء لم نعد نتذكر أسماءهم".
نبيل حجي: كأن الرئيس يبحث عن أكباش فداء من خلال منصب رئاسة الحكومة
ولفت إلى أن السؤال هو "لماذا عُينوا ولماذا يتم إعفاؤهم؟ فأغلبهم لم يكمل السنة" في منصبه، موضحاً أن "رئيس الحكومة أصبح بمثابة كاتب دولة، أي يسيّر فقط اجتماعات الوزراء". وأشار إلى أنه "بعد الثورة كان هناك انتقادات وحديث عن أن دستور 2014 لا يمكّن من الاستقرار الحكومي، وكانت الحكومات تتعاقب بوتيرة متسارعة، أما الآن وبفضل الدستور الجديد لقيس سعيّد فقد أصبح رؤساء الحكومة التونسية يعملون أقل من سنة واحدة". وبرأيه فإنه "رغم أن قيس سعيّد تحدث عن تنقيح مجلة الشغل (تنظيم عقود العمل) للقضاء على التشغيل الهش إلا أن أكثر منصب هش الآن هو منصب رئيس الوزراء، ولا يوجد فيه أدنى استقرار".
واعتبر حجي أنه "لا أحد يعرف لماذا عينت نجلاء بودن ولماذا أقيلت؟ ولا أحمد الحشاني ولا المدوري"، لافتاً إلى أن "أسوأ ما يحصل هو ترذيل هذا المنصب، فهناك ترذيل عند الإقالة وكأن الرئيس يبحث عن أكباش فداء". وشدّد على أن "رئيس الجمهورية هو المسؤول عن كل ذلك سواء بالنص الدستوري أو بالممارسة والعمل". من جهته، اعتبر المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، أن تواتر الإقالات والتعيينات، في فترة وجيزة، يُسقط "حجة وسردية أن من بين أسباب ما قام به قيس سعيّد في 25 يوليو 2021 (حل مجلس النواب المجلس الأعلى للقضاء ووقف العمل بالدستور) كان نتيجة عدم الاستقرار الحكومي الحاصل خلال السنوات العشر الماضية"، معتبراً أن "كل هذا سقط بما نعيشه اليوم من إقالات".
ورأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما حصل سابقة في تعيين رؤساء الحكومات مقارنة بأي رئيس سابق، سواء الراحل زين العابدين بن علي وحتى الحبيب بورقيبة"، مبيناً أن "هذا دليل أيضاً على غياب مشروع سياسي وعدم الكفاءة والاقتدار". وبرأيه فإنه "في غياب أسباب تفسر عملية الاختيار والإقالة وغياب تقييم الأداء، فإن مقولة الشعب يريد سقطت أيضاً لأنه في كل مرة تتم الإقالة في غفلة من الجميع". وبيّن ذلك، وفق الصغير، أن "من اختارهم (سعيّد) فشلوا، والمسؤولية تعود هنا إلى السلطة، وهو ما يؤكد غياب مشروع حكم والاقتدار في التسيير". ولفت إلى أنه "لا النخب تعلم أسباب الإقالة ولا الشعب ولا الأحزاب ولا حتى أعضاء الحكومة، وهذا طبيعي عند الحكم الفردي والأحادي"، وبالتالي هو "ما أدى إلى الوضعية الحالية وما يقوّض أسس الدولة ويمثل ضرباً لها ولمقومات الجمهورية".
قاسم الغربي: سعيّد ليس أمامه خيارات واضحة أو من يتبنى مشروعه
خيارات غير واضحة لسعيّد
أما المحلل السياسي، قاسم الغربي، فاعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الجمهورية يبدو عند اختيار الأشخاص لا يملك أي خيار واضح، فهو يعتمد على سياسة قديمة تقوم على التجربة والخطأ، فكل مرة يختار شخصاً لمنصب رئيس الوزراء وعندما لا ينسجم مع خياراته يتم تغييره". وأضاف أن "سعيّد ليس أمامه خيارات واضحة أو من يتبنى مشروعه"، مشيراً إلى أن الحكومة التونسية "أيضاً في وضع هش فهي لا تملك زمام الأمور ولا تستطيع أخذ أي قرار، ما يجعلها مرتبطة بسياسات رئيس الجمهورية". وأشار الغربي إلى أن "المتعارف عليه هو إقالة الحكومة ككل بعد إقالة رئيس الوزراء، ولكن المعادلة الآن أصبحت مختلفة، إذ يتغير رئيس الحكومة وتبقى الحكومة وكأن المسألة مرتبطة بشخص فقط وهو رئيس الحكومة".
كذلك رأى المحلل السياسي، ماجد البرهومي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عدد التعيينات بالنسبة لرؤساء الحكومات مرتفع"، موضحاً "إننا في نظام رئاسي والصلاحيات التنفيذية لدى رئيس الجمهورية، ودور رئيس الحكومة محدود وهو مساعدة رئيس الجمهورية في تنفيذ السياسات العامة". ويختلف هذا الأمر، وفق البرهومي، "عن دستور 2014، إذ كانت أغلب الصلاحيات لدى رئيس الوزراء"، مشدداً على أنه "حتى لو كانت المهمة محدودة إلا أن هذه التعيينات السريعة أمر غير جيد، إذ لا بد أن يأخذ شاغل المنصب فترة ليفهم العمل ويقوم بمهمته لأن هذه التغييرات تؤثر سلباً على الأداء.
وبرأيه فإنه "بالعودة إلى تصريح رئيس الجمهورية حول وجود لوبيات (اتهم سعيّد الخميس الماضي "لوبيات فاسدة" لم يحددها باختراق رئاسة الحكومة)، فربما قد تكون لديه ملفات في هذا الشأن، لكن الإدارة التونسية للأسف لا تزال تعمل بآليات قديمة ولا تستجيب للمعايير الجديدة المتطورة، وكأن هناك نوعاً من الاستهتار بالخدمات وبالمواطن". وأضاف أنه "لا يمكن نكران وجود اختراقات ولوبيات، والتي قد تكون داخلية أو خارجية، وبالتالي هناك عدة تعطيلات وكل هذا يؤثر على الأداء في كل حكومة ويؤدي إلى الفشل الذريع".
وكان الناشط السياسي عماد الدايمي، قد كتب على منصة فيسبوك، أول من أمس الجمعة، أنه "في قمة العبث واللامعقول يُعفى رئيس الحكومة ليلاً ويُعلَن عن القرار فجراً، وكأننا في مسرحية هزلية لا في دولة تحكمها المؤسسات". وتابع: "قرارات تُتخذ في جنح الظلام، دون تفسير ودون احترام للشعب أو للدستور. البلاد أصبحت مسخرة حقيقية، وكل يوم تزداد الغرابة والعبث". وتساءل: "هل ما زال هناك من سيتجرأ ويدافع عن هذا العبث المطلق؟ هل ما زال هناك من بإمكانه الوثوق بهذا الشخص المزاجي الفاقد لأهلية القيادة؟ هل ستبقى الإدارة والمؤسسات تتفرج على العبث بعد أن استهدف وأهان أفضل من فيها؟".