لا تزال قضية اغتيال قائد الإعدامات في ليبيا، الضابط في "لواء الصاعقة"، محمود الورفلي، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، تلقى جدلاً واسعاً في أوساط مدينة بنغازي وبين قادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما من شأنه أن يكون له تداعياته على الوضع الأمني، لا سيما بعدما هدّد شقيق الورفلي بـ"عمليات انتحارية"، في حال لم تتكشف حقيقة حادثة الاغتيال.
شقيق الورفلي يتوعد
وفي جديد قضية الورفلي، الذي اغتيل بعدما أطلق مسلحون مجهولون النار عليه وهو يستقل سيارته أمام جامعة العرب الطبية في بنغازي، في 24 مارس/ آذار الحالي، تداول مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي، اليوم الثلاثاء، تسجيلاً مصوراً يظهر فيه وليد الورفلي، شقيق محمود الورفلي، وهو يتحدث وسط عدد من جرحى قوات حفتر في بنغازي، متوعداً مغتالي أخيه بـ"العمليات الانتحارية"، في حال لم تتوصل اللجنة الأهلية إلى نتائج.
وأشار شقيق الورفلي، إلى أنه في انتظار نتائج لجنة أهلية شكلها مشايخ قبائل، لم يذكر هويتهم. وقال: "في حال لم تتوصل اللجنة ولا النيابة العسكرية إلى نتائج فنحن أخوته سنلاحق من قتله وننفذ عمليات انتحارية".
وأعلنت قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الأربعاء الماضي، مقتل الورفلي على يد مسلحين مجهولين، فيما أعلن رئيس النيابة العسكرية في بنغازي، العقيد علي ماضي، القبض على اثنين من المشتبه في تورطهم بقضية الاغتيال.
وأوضح ماضي، في بيان متلفز، السبت الماضي، أنّ الورفلي اغتيل "وهو على ذمة مستشفى الأمراض النفسية لوجود عيب عقلي جسيم" لديه، مشيراً إلى أنّ المحكمة العسكرية أحالته إلى مستشفى الأمراض النفسية لمتابعة حالته".
ولم يذكر رئيس النيابة العسكرية اسمي المقبوض عليهما، بينما كشفت أوساط أمنية من بنغازي، لـ"العربي الجديد"، أنّ أحدهما هو ناصر عوض الدرسي، الشهير بـ"القرش"، القيادي بقوات "الصاعقة" وأحد أصدقاء محمود الورفلي المقربين.
وأشارت الأوساط إلى "تعقّد قضية الورفلي"، مؤكدة أنها "تسببت في ارتباك كبير داخل الدوائر المقربة من حفتر".
وكان آمر القوات الخاصة، اللواء عبد السلام الحاسي، قد أعلن عن اعتقال الدرسي، وطالب بتوضيح ظروف توقيفه، بل وأشار إلى أنّ عملية توقيفه جرت قبل عملية اغتيال الورفلي.
وشدد الحاسي، في بيان مسجل، السبت الماضي، على ضرورة تحمل "الأجهزة الأمنية" مسؤولياتها حول سرعة الكشف عن ملابسات عملية الاغتيال "درءاًَ للفتنة".
تورط حفتر
وتشير المصادر إلى أنّ "جهاز الأمن الداخلي والنيابة العسكرية لا يزالان في حالة تخبّط بشأن عملية التحقيق في حادث الاغتيال"، فيما يرجح الناشط السياسي الليبي من بنغازي، جمال دعيب، أنّ القبض على "القرش جاء ضمن عملية استباقية لمنع أي حراك داخل قوات الصاعقة رداً على اغتيال الورفلي، خصوصاً أنّ القرش أقرب أصدقاء الورفلي ومن أبزر قادة الصاعقة".
ويلفت دعيب، في حديث لــ"العربي الجديد"، إلى أنّ "إشارة الحاسي لتوقيف القرش قبل عملية الاغتيال، ربما تورّط حفتر وتقود إلى أدلة تشير إلى إعداد مسبق لعملية الاغتيال".
وكانت قيادة حفتر قد أعلنت، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، عن أوامر بالقبض على "القرش"، لأنه "يمتلك سجلاً حافلاً بالجرائم وعمليات الخطف والقتل والابتزاز والسرقة"، قبل أن تغضّ الطرف عنه طيلة الفترة الماضية.
وعلى غرار تصريحات الورفلي، قبل اغتياله، والتي انتقد فيها تخلّي حفتر عن جرحى قواته، في أكثر من مناسبة، عرف عن "القرش" أيضاً اتهاماته للمقرّبين من حفتر بإهمال ملف علاج الجرحى، إلى جانب الاعتداء على مدير مكتب حفتر الخاص اللواء عون الفرجاني، ومداهمته لمنزله، في بنغازي، وإحراقه.
جرحى قوات حفتر يستنكرون
إلى جانب التسجيل المصور لشقيق الورفلي، حفلت منصات التواصل الاجتماعي، اليوم الثلاثاء، بالعديد من التسجيلات المصورة المطالبة بكشف نتائج التحقيق في اغتيال الورفلي.
واستنكر عدد من جرحى قوات حفتر وصف رئيس النيابة العسكرية للورفلي بأنه "يعاني خللاً عقلياً"، مطالبين بالتحقيق مع رئيس النيابة، متهمين إياه بـ"عدم الجدية في التحقيق".
حفتر يستعرض عسكرياً
في مقابل هذه الإدانات والاستنكارات، ظهر حفتر في استعراض عسكري، مساء أمس الاثنين، في بنغازي. وقالت قيادته، في بيان، إنّ نجل حفتر، صدام، الذي يقود "كتيبة دبابات باللواء 106 مجحفل"، قد اختتم حفل "التمرين التعبوي".
وأضافت: "اللواء 106 مُجحفل يُنفّذ مناورة عسكرية ميدانية موسعة بالذخائر الحية حيث تم تنفيذها بكل دقّةٍ وحرفية بواسطة نُخبٍ من أكفأ الفرق والجنود، وذلك بحضور القائد العام ورؤساء الأركان وعدد من الشخصيات العسكرية وقيادات القوات المُسلحة".
وبحسب البيان، فإنّ الاستعراض "يحاكي صدّ هجوم معادٍ على منطقة افتراضية"، بمشاركة فصائل من قوات الصاعقة التي قامت بالإنزال خلف خطوط العدو للقيام بأعمال تدمير أهداف مختارة لضرب القوة المعادية في مقرات القيادة والسيطرة".
ويرى الناشط السياسي الليبي من بنغازي، جمال دعيب، أنّ الاستعراض وتوقيته يحمل رسائل ضمنية موجهة لخصوم حفتر في بنغازي، لافتاً إلى أنّ "صور حفتر وهو جالس يشاهد الاستعراض تظهر إحاطة نفسه بعدد من أفراد عائلته، وهم نجلاه صدام وخالد ثم صهره أيوب الفرجاني، كما أن الكتيبة نفسها يقودها نجله صدام".
ويعتبر دعيب أنّ "الاستعراض يشير من جانب إلى تراجع ثقة حفتر بقواته باستثناء التي تتبع أبناءه. ومن جانب آخر فهي رسالة تهديد لخصومه بأنه لا يزال قوياً".
من جهة ثانية، يلفت إلى أنّ "غياب الحاسي، آمر القوات الخاصة ومشاركة فصائل من القوات الخاصة، يعني وجود خلاف عميق داخل قوات حفتر أحدثه اغتيال الورفلي"، مرجّحاً أنّ "الحاسي الذي كلف بإمرة القوات الخاصة، خلفاً للواء ونيس بوخمادة، سيسعى لتعويض مكانته التي فقدها بعد إقصائه من جانب حفتر على خلفية فشله في إدارة العملية العسكرية على طرابلس".
ويتوقع الناشط السياسي أن تتوسع قضية الورفلي، موضحاً أنّ "الرأي العام يشير إلى تورط حفتر في اغتيال الورفلي، عبر الادعاء بأنه كان يعاني خللاً عقلياً"، مشيراً إلى أن اعتقال "القرش قبل عملية الاغتيال قد يشير إلى مخاوف من قيادته لعمليات رد فعل على اغتيال رفيقه الورفلي".
الجنائية الدولية تتحقّق
على الصعيد الدولي، أكدت المحكمة الجنائية الدولية، أمس الإثنين، أنها على علم بالتقارير الواردة عن مقتل الورفلي، مشيرة إلى أن مكتبها يعمل على التثبت من حقيقة هذه التقارير.
وصرّحت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، أمس الإثنين، بأنّ مكتبها "على علم وحالياً يتأكّد من تقارير عن اغتيال المطلوب للمحكمة محمود مصطفى الورفلي".
وتابعت بنسودا التي تغادر منصبها قريباً، أنّ التقارير عن وجود وفد من المحكمة "على الأرض في ليبيا من أجل هذا الغرض غير دقيقة ومضلّلة"، مشددة على التزام مكتب المدعي العام بمهمته وفقاً لنظام روما الأساسي في ما يتعلق بالتحقيق في ليبيا وإدانته للعنف المستمر فيها.
والورفلي عسكري يبلغ 43 عاماً، وهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية منذ أغسطس/ آب 2017 لاتهامه بـ"ارتكاب وإصدار أوامر" عمليات قتل صنّفت "جريمة حرب في سياق سبع حوادث شملت (قتل) 33 شخصاً" بين يونيو/ حزيران 2016 ويوليو/ تموز 2017 في منطقة بنغازي.
ثم أصدرت المحكمة مذكرة توقيف ثانية بحقه في يوليو/ تموز 2018 بتهمة ارتكاب جرائم قتل صنّفت "جرائم حرب".
وبحسب المحكمة، عُرف الورفلي بتنفيذ عمليات إعدام دون محاكمة لسجناء سياسيين، فقد "أطلق الرصاص على 10 أشخاص أمام مسجد بيعة الرضوان في بنغازي" في 24 يناير/ كانون الثاني 2018.