استمع إلى الملخص
- تعكس زيارة الرئيس الإندونيسي للصين بعد انتخابه الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين، حيث تعتمد إندونيسيا على الصين في دعم مشاريع البنية التحتية ضمن مبادرة الحزام والطريق.
- رغم عدم وجود نزاعات مفتوحة، توجد خلافات بحرية بين الصين وإندونيسيا، خاصة بعد حادثة جزر ناتونا، حيث تعتبر إندونيسيا الصين شريكاً مهماً لكنها ترى فيها تهديداً لأمنها البحري.
تسعى الصين وإندونيسيا إلى اتخاذ إجراءات ملموسة وعملية لتعزيز التعاون العسكري بعد اللقاءات الأخيرة بين كبار المسؤولين، وهي الخطوة التي اعتبرتها وسائل إعلام حكومية في الصين انعكاساً للإجماع القوي بين الصين وإندونيسيا بشأن إدارة الخلافات البحرية وتعزيز السلام والأمن الإقليميين، وقالت إنها تمثل نموذجاً للدول الأخرى في المنطقة التي لديها نزاعات بحرية مع بكين. وكان ليو تشن لي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجنة العسكرية المركزية الصينية، قد اختتم، يوم الأحد الماضي، زيارة إلى إندونيسيا استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها وزير الدفاع شفري شمس الدين، والقائد العام للجيش الإندونيسي أجوس سوبيانتو.
وحسب وزارة الدفاع الصينية، أول من أمس الأحد، فقد أبدى ليو استعداد بلاده للعمل مع الجانب الإندونيسي تحت التوجيه الاستراتيجي لقادة البلدين لخلق المزيد من النقاط البارزة والإنجازات في التعاون العسكري. في المقابل، أعرب المسؤولون الإندونيسيون عن رغبتهم في تعزيز التعاون العملي وتبادل الزيارات والتدريبات العسكرية المشتركة على أساس الزخم الإيجابي للتنمية في العلاقات العسكرية بين البلدين. وقالت وزارة الدفاع الإندونيسية، في بيان، إن التدريبات العسكرية المشتركة (أجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي)، مفيدة في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإندونيسيا وتحسين القدرة الدفاعية للبلدين. وأضافت أن مثل هذا النشاط قد يوفر الفرصة لتبادل الأفكار حول استراتيجيات المعركة وتكنولوجيا الدفاع وتبادل إرسال الجنود لأغراض تعليمية.
جينغ وي: الصين وإندونيسيا تدركان أهمية الحفاظ على استقرار العلاقات في منطقة تعاني من تصدعات سياسية ونزاعات
وقبل زيارة المسؤول العسكري الصيني إلى جاكرتا، زار وفد من خفر السواحل الإندونيسي، بقيادة نائب الأدميرال تني إيرفانسياه، بكين الأسبوع الماضي، وأجرى لقاءات رفيعة المستوى لأول مرة مع قادة خفر السواحل الصيني. وتم الإعلان، في حينه، أن الاجتماع يهدف إلى تعميق التعاون البراغماتي بين الصين وإندونيسيا وحماية الأمن البحري ومعالجة النزاعات البحرية. في تعليقها على هذه اللقاءات، قالت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية، الأحد الماضي، إن الفترة الماضية شهدت تبادلات معمقة بين الصين وإندونيسيا حول إجراء تعاون براغماتي في اجتماعات منتظمة على جميع المستويات، وزيارات متبادلة للسفن وبناء القدرات، مشيرة إلى أن إندونيسيا تحافظ على نهج عقلاني وموضوعي نسبياً تجاه الصين، وأن هذا التعاون يُعد نموذجياً لدول بحر الصين الجنوبي وسط التوترات البحرية المتزايدة في المنطقة.
مصالح ودوافع مشتركة بين الصين وإندونيسيا
وقال المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذا الزخم في العلاقات يأتي في مطلع العام الذي يحتفل فيه البلدان بالذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وأضاف أن كلاً من الصين وإندونيسيا تدركان أهمية الحفاظ على استقرار العلاقات في منطقة تعاني من تصدعات سياسية ونزاعات وصراعات شائكة. ولفت، في هذا السياق، إلى أن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، اختار الصين كأول وجهة خارجية له عقب انتخابه في مارس/ آذار العام الماضي، ما يبرهن على الأهمية الكبيرة التي توليها جاكرتا لتنمية علاقاتها الاستراتيجية مع بكين. وأشار جينغ وي إلى أنه خلال اللقاءات الأخيرة، تمكن الجانبان من تحويل الرغبة في تعزيز التعاون إلى إجراءات عملية وملموسة من خلال مناقشة المجالات الرئيسية وأشكال التعاون البحري في ظل الخلافات القائمة.
وأوضح أن إندونيسيا تتبع سياسة خارجية مستقلة وغير منحازة، ولم تنضم إلى أي تحالف عسكري للاستقواء بقوى خارجية من أجل تعزيز مطالبها البحرية على غرار دول أخرى، مثل الفيليبين التي لا تزال تراهن على الولايات المتحدة في صراعها مع الصين. وقال إن هذا الانضباط الدبلوماسي يطمئن الصين، ويجعلها حريصة على تنمية علاقاتها مع إندونيسيا وإدارة خلافاتها البحرية معها والعمل على حلها وفق القنوات الدبلوماسية. ولفت إلى أن لدى بكين أيضاً العديد من المصالح والمشاريع الاقتصادية في جاكرتا ضمن مبادرة الحزام والطريق، ولا ترغب بأن يتم المساس بها لأسباب سياسية أو أمنية، في حين أن إندونيسيا تعتمد بشكل كبير على الصين في دعم مشاريع البنية التحتية، وتمثل الأخيرة رافعة اقتصادية للبلاد، وبالتالي هناك دراية بأهمية الحفاظ على زخم العلاقات والإبقاء عليها في حدود من التوافق والقواعد المشتركة.
امتداد لخلافات مستمرة
في المقابل، أوضح لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث ومقره هونغ كونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه على خلاف دول مثل فيتنام والفيليبين، فإن إندونيسيا ليست لديها نزاعات مفتوحة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، ولم تخض مواجهات واشتباكات بحرية، ولكن هذا لا يلغي حقها في مطالبها البحرية والحفاظ على أمنها وسيادتها. وأضاف أن الخلافات القائمة بين الصين وإندونيسيا امتداد للصراع الأكبر بين بكين ودول الجوار التي تزاحمها في السيادة على الجزر المتنازع عليها في المنطقة.
لي يانغ: إندونيسيا تعتبر الصين الشريك الأكثر قيمة وأهمية والتهديد الأكبر لأمنها وسيادتها البحرية
ولفت إلى أن الحديث الدبلوماسي الناعم لا يخفي الرغبة الصينية في الهيمنة، وكذلك ردة الفعل الإندونيسية في الحفاظ على السيادة، مشيراً إلى الحادثة اليتيمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 عندما دخلت سفن صينية المياه المتنازع عليها بالقرب من جزر ناتونا الإندونيسية التي تبعد حوالي 1500 كيلومتر عن جزيرة هاينان الصينية، وقامت بتعطيل عمليات التنقيب لشركة طاقة إندونيسية مملوكة للدولة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا، ما دفع جاكرتا إلى التعامل معها وإخراجها من المنطقة، ما أدى في حينه إلى تفاقم الوضع بين البلدين. واعتبر أنه وعلى الرغم من أن جاكرتا تعتبر الصين الشريك الأكثر قيمة وأهمية، لكنها تنظر إليها أيضاً في الوقت نفسه باعتبارها التهديد الأكبر لأمنها وسيادتها البحرية. يشار إلى أن بحر الصين الجنوبي يحتوي على احتياطيات هائلة غير مستغلة من النفط والغاز الطبيعي. وتدعي بكين السيادة على ما يقرب من 90% منه، وتستند في ذلك إلى أساس تاريخي، وتخوض صراعات مستمرة مع دول أخرى تطالب بالسيادة عليه، وهي فيتنام والفيليبين وبروناي وماليزيا وتايوان وإندونيسيا. وفي 2016 أصدرت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي حكماً يقضي بعدم أحقية المطالب الصينية بالسيادة على جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وهو الأمر الذي رفضته بكين ولم تعترف به.