تطورات غزة تتصدر اهتمامات العراقيين وتراجع لافت لملف الانتخابات
استمع إلى الملخص
- تتزايد المخاوف من تأثير حملة المقاطعة التي يقودها التيار الصدري، حيث دعا مقتدى الصدر إلى مقاطعة الانتخابات، مما قد يؤثر على نسب المشاركة ويعكس فقدان الثقة بالعملية السياسية.
- تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات يعود إلى ضعف الثقة بالعملية السياسية، الأزمات الاقتصادية، والفساد، حيث يُستخدم المال السياسي في الدعاية الانتخابية، مما يزيد من سخط الجمهور.
طغت تطورات اتفاق وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على قضايا الداخل العراقي، وأبرزها ملف الانتخابات التشريعية العامة المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وانتقل حدث تطورات غزة من منازل العراقيين والمقاهي ووسائل النقل العام إلى محطات التلفزيون التي خصصت له جانباً كبيراً من برامجها، مع تراجع شبه كلي لما يحدث في العراق، في حالة تشرح الانفصال الشعبي عن الوضع السياسي في البلد.
وتأتي حالة الانفصال هذه بعد أن فرضت الانتخابات العراقية حالة من التشاؤم على معظم المراقبين والمحللين، لا سيّما أن الانتخابات استحالت من أداة ديمقراطية للتغيير إلى حالة مكررة ضمن الدائرة نفسها التي يشهدها العراق منذ عام 2003، ومن دون وجود حلول أو مخارج للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن طريق مجلس النواب القادم، مع هيمنة للوجوه القديمة، ما زاد رقعة المقاطعين للانتخابات، بطريقة عفوية، عدا التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر الذي اختار طريق المقاطعة.
إضافة إلى ذلك، فإن معظم الأحزاب والتحالفات العراقية، بما فيها التحالف الحاكم في البلاد "الإطار التنسيقي"، تتخوف من حملة المقاطعة التي يقودها أنصار مقتدى الصدر التي ترفع شعار مقاطعة الانتخابات، فيما تزداد خشية الأحزاب التقليدية من أن تؤثر هذه الحملة، بقاعدتها الشعبية الواسعة، على نسب المشاركة في الاقتراع.
ودعا الصدر في بيانات متكررة، خلال الأسابيع الماضية، إلى مقاطعة مرشحين للانتخابات ضمن تيّاره. وأضاف: "يريدون تقوية مشروع الفساد" في البلاد. وتضمّن آخر بيان للصدر قائمة بأسماء مرشحين للانتخابات البرلمانية المنتظرة في العراق ينتمون إلى التيار الصدري (منهم من انشق عن التيار سابقاً، ومنهم من خالف أمر مقاطعة الانتخابات). وذكر البيان: "مثل هؤلاء يسعون لإضعاف الوطن، بل والمذهب الشريف، ويعادون مشروع الإصلاح ويريدون تقوية مشروع الفساد بتحالفهم مع بعض الكتل الفاسدة التي لا همّ لها إلا المال والسلطة، تاركين الشعب والوطن يعانون ويلات الفقر والمخاطر الأمنية.. عليكم بمقاطعتهم".
في السياق، قال محي الأنصاري، وهو رئيس حراك "البيت العراقي"، إن تراجع الاهتمام الشعبي بالانتخابات ليس صدفة، بل نتيجة طبيعية لنظام سياسي استهلك ثقة الناس بالحياة السياسية، وأن المواطن العراقي لم يعد يرى معنى لصوته في ظل مشهد تُعاد فيه الوجوه نفسها وتُدار فيه الدولة بعقلية المحاصصة والإقطاعيات لا الكفاءة، وأن الناس تشعر أن نتائج الانتخابات تُحسم قبل يوم التصويت، وأن إرادتها تُختطف تحت شعارات الديمقراطية"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة ليست في انشغال العراقيين بتطورات المشهد في غزة، بل في انطفاء الأمل داخلهم وفقدانهم الثقة بالمنظومة الحاكمة، لا يمكن أن تبقى الانتخابات حدثاً حياً في بلد لا يرى مواطنوه أثراً لصوتهم ولا احتراماً لإرادتهم".
وتوقع الأنصاري أن "تكون نسبة المشاركة الأدنى منذ 2005، وقد لا تتجاوز 20% في أفضل حالاتها، خصوصاً أن العراقيين باتوا يعبرون عن احتجاجهم بالصمت وعدم الاكتراث، لأن المقاطعة باتت هي اللغة السياسية الأكثر وضوحاً لدى جيل فقد ثقته بالمنظومة السياسية بشكلٍ كامل".
من جانبه، وجد الصحافي العراقي أحمد عباس أن "تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية لا يمكن ربطه بشكل مباشر بالحرب في غزة أو بالأحداث الإقليمية، بل يرتبط بعوامل داخلية تراكمت على مدى السنوات الماضية، وأن ضعف الثقة بالعملية السياسية وغياب التغيير الحقيقي بعد كل دورة انتخابية أدى إلى إحباط شريحة واسعة من الناخبين، الذين باتوا يرون أن نتائج الانتخابات لا تنعكس على واقعهم المعيشي أو الخدماتي". وأكد لـ"العربي الجديد" أن الأزمات الاقتصادية والبطالة وارتفاع نسب الفقر عوامل ساهمت في زيادة الشعور بالعزوف، حيث يرى كثيرون أن المشاركة لم تعد وسيلة فعالة لتحقيق الإصلاح أو تحسين الأوضاع".
أما أستاذ الإعلام السياسي في جامعة بغداد علاء مصطفى، فلفت إلى أن "التطورات في قطاع غزة من أهم الملفات الإقليمية، وتتسع ارتداداته في المرحلة المقبلة، وبالفعل، فإنه غطى على ملف الانتخابات في العراق"، مستكملاً حديثه مع "العربي الجديد" بأن "عزوف العراقيين عن الانتخابات لا يعزى لجلد القوى السياسية، بل لفقدان الثقة بالقدرة على التغيير والتأثير عبر صندوق الاقتراع، خصوصاً أن نتائج الانتخابات تبدو محسومة بسبب المال السياسي من مصادر غير شرعية".
وأكمل مصطفى بأن "الأحزاب تدعي أن أموالها في الدعاية الانتخابية تأتي من متبرعين، لكن في الحقيقة، فإن الأموال هذه تُقدم من شركات وجهات حصلت على امتيازات ومشاريع وصفقات، أغرقت المستفيدين منها أرباحاً كبيرة، وبالتالي فإن هذه الجهة تدعم الأحزاب لرد للجميل وضمان الحصول على عقود مشابهة، والمواطن يرى هذه اللعبة وتزداد حالة السخط عند الجمهور المحايد"، مبيناً أن "الصفة الحزبية هي اللاعب الأساسي في إدارة المناصب، مع أن العراقيين يريدون أن يستلم أصحاب الكفاءة المناصب، وهذه كلها تتسبب في عزوف الناس عن المشاركة".
والانتخابات التشريعية المقبلة هي السادسة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، فيما يتنافس أكثر من 300 حزب وكيان وتجمع سياسي في هذه الانتخابات التي ستجرى في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويسمح لأكثر من 25 مليونَ ناخب بالمشاركة فيها من أصل 46 مليون مواطن.
وشهد العراق بعد الغزو الأميركي، في عام 2003، خمس عمليات انتخابية، أولاها في 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقلّ من عام)، فيما كانت الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واعتُمد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في النسخ الأربع الأولى. والانتخابات الأخيرة في عام 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعدّدة، بعد ضغط قوي من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل الذي كان يعارضه "الإطار التنسيقي". وفي مارس/ آذار 2023، صوّت البرلمان على التعديل الثالث لقانون الانتخابات البرلمانية العراقية الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة.