استمع إلى الملخص
- التنافس مع جورجيا: تسعى أرمينيا لتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، متنافسة مع جورجيا، رغم التحديات الاقتصادية والاعتماد على الغاز الروسي.
- التحول نحو الغرب: تتحول أرمينيا إلى منصة أمريكية في القوقاز، مع تعزيز العلاقات مع الغرب والناتو، مما قد يضعها في مواجهة مع روسيا.
مع بدء الجمعية الوطنية الأرمينية (البرلمان) مناقشة مشروع قانون ينظم عملية انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي، تتبلور ملامح حلقة جديدة من تراجع مستوى العلاقات بين موسكو ويريفان، والتي تمر بالفعل بموجة من الفتور على خلفية توجهات رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الموالية للغرب، والذي يرى بدوره أن الكرملين تخاذل عن الوفاء بالضمانات الأمنية المكفولة لأرمينيا في إطار عضويتها بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بوجه أذربيجان. ووافقت الحكومة الأرمينية الخميس الماضي، على مشروع قانون "بدء عملية انضمام جمهورية أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي"، فيما أوضح وزير الخارجية الأرميني، آرارات ميرزويان، أن بلاده والاتحاد الأوروبي "ربطتهما علاقات ديناميكية ومكثفة إلى حد كبير" في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، أكد باشينيان أن أرمينيا لا يمكنها أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي إلا نتيجة لإجراء استفتاء. ردة فعل الكرملين على عزم أرمينيا تثبيت توجهها نحو العضوية في الاتحاد الأوروبي لم تتأخر، إذ سارع المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، للتذكير بأن العضوية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مع روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان، تدر على سكانها "عوائد إيجابية للغاية"، مؤكداً استحالة الجمع بين العضوية في الاتحادين نظراً لتقاطع فضائي حرية حركة السلع والخدمات والبشر ورؤوس الأموال.
كامران غسانوف: باشينيان يعمل على هدم ما تبقى من العلاقات بين يريفان وموسكو
انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي ومنافسة جورجيا
في السياق، رأى كامران غسانوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، أن أرمينيا أصبحت في الفترة الأخيرة تنافس جورجيا كالدولة الأقرب إلى الاتحاد الأوروبي في منطقة جنوب القوقاز. واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن باشينيان يعمل بشكل مطّرد على هدم ما تبقى من العلاقات بين يريفان وموسكو، مشيراً إلى أنه "على الرغم من اندماج جورجيا مع الاتحاد الأوروبي بصورة أكبر من أرمينيا، التي لا تزال اسمياً عضواً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فإن باشينيان من وجهة النظر السياسية أقرب إلى أوروبا مقارنة مع حزب الحلم الجورجي الحاكم في جورجيا. هناك انطباع بأن باشينيان يهدم العلاقات مع روسيا بنفس الوتيرة التي يستعيدها بها رئيس الوزراء الجورجي، إيراكلي كوباخيدزه ومؤسس الحلم الجورجي بدزينا إيفانيشفيلي". تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الجورجية الغربية تمر بمرحلة من الفتور إثر فرض عدد من الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، عقوبات على شخصيات سياسية جورجية وتعليق برامج تعاون مع تبليسي على خلفية توجه السلطات الحالية نحو مزيد من تطبيع العلاقات مع موسكو في أعقاب فوز "الحلم الجورجي" بالانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبالعودة إلى أرمينيا، جزم غسانوف بأن باشينيان لديه نيات صادقة في ما يتعلق بانضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: "حتى تسمية حزبه (يلك) تعني باللغة الأرمينية الخروج، أي مجازاً الخروج من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ودائرة النفوذ الروسي، وقد أثبتت الخطوات نحو الانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي نيات حكومته". وأقرّ بتحول أرمينيا تدريجياً إلى دولة معادية لروسيا، قائلاً: "أصبحت أرمينيا غائبة عن لقاءات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وعزفت عن استضافة قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مع إجراء تدريبات عسكرية بمشاركة الولايات المتحدة على أراضيها والانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في عام 2023، مما يشكل في مجموعه تحدياً للمصالح الروسية". ومع ذلك، شكك غسانوف في قدرة الاتحاد الأوروبي على الحلول محل روسيا اقتصادياً في أرمينيا، مستطرداً أنه "من وجهة النظر الاقتصادية، ينطوي التقارب مع الاتحاد الأوروبي على العديد من المخاطر، إذ إن روسيا لا تزال الشريك التجاري الرئيسي لأرمينيا التي تحصل منها على الغاز الرخيص بأسعار تقل أضعافاً عنها بالسوق الأوروبية"، متسائلاً: "هل ستستطيع أوروبا الحلول محل روسيا اقتصادياً وتوفير بديل للغاز الروسي؟".
كيفورك ميرزايان: اعتمد وجود أرمينيا دوماً على روسيا
أرمينيا منصة أميركية في القوقاز
بدوره لفت الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، كيفورك ميرزايان، إلى أن تبادل الأدوار بين أرمينيا وجورجيا يأتي من بين الأحداث البارزة لعام 2024 إلى جانب انهيار نظام بشار الأسد في سورية وعودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مذكّراً بأنه حتى الآونة الأخيرة كان يُنظر إلى جورجيا على أنها منصة غربية في الحديقة الخلفية لروسيا منذ حرب أغسطس/آب 2008 في إقليم أوسيتيا الجنوبية المدعوم من موسكو. وفي مقال بعنوان "لماذا تبادلت جورجيا وأرمينيا الأدوار؟"، نُشر في صحيفة فزغلياد الإلكترونية الموالية للكرملين، ذكّر ميرزايان بأن أرمينيا كانت تعد نموذجاً للبراغماتية ودولة اعتمد وجودها دوماً على روسيا مع تمسكها بموسكو على الرغم من بعض الخلافات، إدراكاً من المجتمع الأرميني أنه "من دون تحالف مع روسيا، سرعان ما سيتم تغيير اسم ساحة الجمهورية في وسط يريفان إلى ساحة أتاتورك أو حيدر علييف"، أي والد الرئيس الأذربيجاني الحالي إلهام علييف. وأبدى ميرزايان أسفه لما اعتبره وصول أرمينيا إلى شفا إدراجها على قائمة أعداء روسيا، مذكّراً بأن يريفان أقامت العلاقات العسكرية والسياسية مع الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي (ناتو) وأعلنت عن تجاوز العلاقات مع منظمة معاهدة الأمن الجماعي نقطة اللاعودة، وتستعد للانسحاب من غيرها من منظمات التكامل تحت الرعاية الروسية والتحول إلى منصة أميركية في القوقاز.