تطبيع المغرب وإسرائيل: هل يصمد في عامه الخامس؟

10 ديسمبر 2024
تظاهرة مناهضة للتطبيع في الرباط، 18 يوليو 2022 (فاضل سنة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ديسمبر 2020، أعلن ترامب استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، متضمناً اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، في سياق تطبيع إقليمي.
- تأثرت العلاقات المغربية الإسرائيلية بتداعيات الحرب على غزة وضغوط مناهضة للتطبيع، مما أدى لتعليق الزيارات الرسمية، رغم استمرار بعض المبادلات التجارية والعسكرية.
- يواجه التطبيع رفضاً شعبياً واسعاً في المغرب، حيث يُعتبر تهديداً للهوية الثقافية، ورغم ذلك، لم تتراجع الحكومة عن مسار التطبيع، مما يعكس تبايناً بين الموقف الرسمي والشعبي.

بحلول اليوم الثلاثاء، تكون أربع سنوات كاملة قد مرت على إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل. ورسم هذا الإعلان مرحلة جديدة واستثنائية في تاريخ العلاقات بين البلدين، التي كانت قد قُطعت عام 2000، إثر الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وجرى الإعلان عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في سياق إقليمي، شهد إقامة عدد من البلدان العربية، من بينها الإمارات، والبحرين، والسودان، اتفاقيات لـ"تطبيع" العلاقات، ضمن خطة طرحها ترامب لتوسيع قاعدة الدول العربية الموقعة على "اتفاقيات سلام" مع إسرائيل. وبخلاف المحطات الأخرى، جاء الاتفاق مع الرباط ثلاثياً، إذ ضم بالإضافة إلى المغرب، إسرائيل والولايات المتحدة، ونصّ على تبادل الالتزامات بين الأطراف، وعلى رأسها اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء، ودعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، واعتباره "الأساس الوحيد لحلّ عادل ودائم للنزاع حول جهة الصحراء". في الوقت نفسه، تضمن الاتفاق "الاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية" بين المغرب وإسرائيل، وإعادة فتح مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب.

وبينما غابت الاحتفالات الرسمية بالإعلان عن استئناف العلاقات بين البلدين هذه السنة، بدا لافتاً، خلال السنة الرابعة من التطبيع المغربي الإسرائيلي، أن تداعيات الحرب على غزة، وضغط فعاليات مدنية مناهضة وقوى سياسية من أجل إلغاء التطبيع وإسقاطه، كان لها أثر على مساره، إذ أدخلته مرحلة جمود على أكثر من مستوى، حيث تم تعليق الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين، ووقف العديد من المشاريع الثنائية. كما عطل العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، مؤقتاً التقارب بين المغرب وإسرائيل في عدة مجالات عسكرية وأمنية، باستثناء تداول تقارير صحافية عن توقيع المغرب صفقة بقيمة مليار دولار مع شركة "أوفيك" الإسرائيلية للأقمار الصناعية التجسسية في يوليو/ تموز الماضي.

وبقدر ما كان تطبيع المغرب مع إسرائيل، عبر التوقيع على جملة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في كثير من المجالات والزيارات المتوالية لمسؤولي البلدين خلال السنوات الثلاث الأولى، دليلاً على تقارب ملحوظ في العلاقات بين الرباط وتل أبيب، إلا أنه يدخل اليوم عامه الخامس في وقت تثار فيه أسئلة عدة حول مستقبله ومآله، ومدى صموده في وجه امتحان صعب، ومنعطف مفصلي جراء تداعيات الحرب في قطاع غزة.

وفي السياق، اعتبر الناشط الحقوقي خالد البكاري، أن "التطبيع بين المغرب وإسرائيل استطاع الصمود رغم كل جرائم الحرب المرتكبة في غزة من طرف الكيان الصهيوني، وبالتالي تم الترسيم النهائي لهذه العلاقات"، متوقعاً أن يصبح شبيهاً من هذه الزاوية بالتطبيع مع كل من مصر والأردن، بحيث لن يتأثر بأي أحداث في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تكون إسرائيل طرفاً مباشراً ومعلناً فيها.

 وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "على الرغم من الاعتداءات غير المسبوقة في تاريخ الاحتلال الصهيوني، التي وصلت إلى حدود الإبادة الجماعية وجرائم التهجير القسري، مع وجود حكومة هي الأكثر تطرفاً وإرهاباً في تاريخ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وعلى الرغم من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ووزير الأمن الإسرائيليَّين (يوآف غالانت)، إلا أن الدولة المغربية لم تقم حتى باستدعاء القائم بأعمال مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب، بل على العكس من ذلك، تم تغيير القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بسلاسة، واستمرت المبادلات التجارية والاقتصادية والعسكرية، وإن قلت وتيرتها بسبب ظروف الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى".

ولفت في حديثه إلى أن مواقف المغرب الرسمية لم تخرج عن بيانات إدانة متراوحة بين الغاضبة أحياناً، و"المحتشمة" أحياناً أخرى، والتي في بعض الأحيان تحمّل المسؤولية للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، حين تستخدم مثلاً عبارة: "المتطرفين من الجانبين". وتبعا لذلك، استبعد البكاري أن يكون هناك تجميد للتطبيع، متوقعاً في المقابل أن ترتقي العلاقات إلى مستوى تبادل السفراء، بعد أن تحصل تهدئة للوضع في غزة، خصوصاً إذا وقعت اختراقات في العلاقات الإسرائيلية السعودية، مما قد يؤدي إلى التطبيع بينهما، وكذلك بعد إضعاف المحور الإيراني، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي في عهده بدأ مسلسل الاتفاقيات الإبراهيمية.

وأوضح أن التطبيع استمر في ظروف كانت مهيأة لإيقافه، فمن جهة هناك جرائم حرب في غزة، ومن جهة أخرى سقوط مبرر التطبيع المعلن في رسالة الملك إلى رئيس السلطة الفلسطينية بعد توقيع الاتفاق الثلاثي، والتي ربطت التطبيع بالمساهمة في الدفع بالتسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن جهة ثالثة خروج تظاهرات كثيرة ومتوالية مطالبة بإسقاط التطبيع. وتابع: "إذا كان التطبيع قد استطاع الصمود وسط كل هذا السياق الذي كان مساعداً على وقفه، فكيف سيكون الحال بعد توقف الحرب في غزة، واستلام ترامب للسلطة وفريقه هو مهندس هذا المسار؟".

وبرأي المكلف بملف التطبيع في "الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" غير الحكومية، سعيد مولاي التاج، فإن "التطبيع في المغرب يتمدد رسمياً وينحصر شعبياً، بعد أن فشلت كل مخططات جعله خياراً شعبياً مقبولاً ومتقبلاً من طرف المغاربة"، موضحاً أنه "على الرغم من التطبيل الإعلامي الرسمي ومحاولات الاختراق التي يقوم بها النظام المغربي، وسياسات صم الآذان، والمنع، والتضييق، والهروب إلى الأمام، فقد سقط التطبيع والمطبعين سقوطاً مدوياً".

واعتبر أن المسيرات المليونية، والوقفات، والعرائض، ومسيرات الأعلام، وحملات التأكيد للحق الفلسطيني، والتنديد بالإجرام الصهيوني في المدارس، والجامعات، والملاعب، ومواقع التواصل الاجتماعي، "كلها استفتاءات شعبية تؤكد رفض المغاربة للتطبيع والمطبعين مهما كانت المبررات والحيل والتلفيقات".

وقال مولاي التاج، في حديث مع "العربي الجديد": "كنا نأمل في أن يفهم النظام المغربي منذ اندلاع العدوان على غزّة أنّ كل مبررات التطبيع مع الكيان الصهيوني قد تهاوت، بعد أن أكّد هذا الأخير أنه عدو للإنسانية، وأنه يخرق كل المواثيق الدولية، والاتفاقات، وينتهك سيادة الدول، ولا يقيم وزناً لمؤسسات الأمم المتحدة، ويمارس كل أشكال البلطجة العسكرية، ويرتكب كافة أشكال جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. لكن مع الأسف، لم يستجب لنداءات شعبه في مسيراتهم المليونية، ولم يتحرك من منطلق رئاسته للجنة القدس، ولا إنسانياً من منطلق المواثيق الدولية والقانون الإنساني الدولي، ولا مصلحياً من منطلق مصلحة الدولة الأمنية والاجتماعية".

واعتبر أن "التطبيع لم يعد تهديداً لفلسطين، بل صار يهدد المغاربة، ومصالحهم الاقتصادية، واستقرارهم الاجتماعي والسياسي، وعمقهم الأمني والعسكري، وتزويراً لهويتهم التاريخية والثقافية، واختراقاً دينياً وقيمياً، لهذا فهو لم يعد خطراً وخراباً "على الأبواب"، كما يقول المناضل الأستاذ أحمد ويحمان (رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع)، بل تعدى الأبواب، وتسرب إلى الاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والتعليم، والتعاون الأمني والعسكري".

من جهته، أكد رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" أحمد ويحمان، أنّ "اتفاقية التطبيع التي تدخل عامها الخامس لا مستقبل لها شعبياً، لافتاً إلى أنه لا يرى في الأفق أي تراجع عن التطبيع، ما دامت الحكومة الحالية هي المكلفة بتسيير شؤون الدولة، وما دام ناصر بوريطة هو وزير الخارجية، لأنه التزم لدى اللوبي اليهودي بأميركا (الأيباك) بالذهاب إلى أبعد الحدود في التطبيع مع إسرائيل".

واعتبر أن وضع "الستاتيكو" هو الذي سيرهن واقع التطبيع في المغرب في الأمد المنظور، لافتاً إلى أن "الجانب الرسمي عاجز وخاضع للضغوط والإملاءات الأميركية والصهيونية، فيما الشعب رافض وبشكل قاطع لهذا التطبيع مع مجرمي الحرب في نظام الاحتلال، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي والفصل العنصري". وتوقع ويحمان أن "تبقى الأمور على هذا الوضع حتى "يحن الله" بموازين قوى أخرى لفائدة الإرادة الشعبية ليعود القرار الرسمي إلى صوابه".

وبالنسبة لأستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، فقد رأى أنه على الرغم من العدوان الإسرائيلي على غزّة ولبنان، الذي وصل إلى حدّ ارتكاب التطهير العرقي والقتل الجماعي، وعلى الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية وجهت اتهامات بارتكاب جرائم الإبادة لقادة إسرائيل، إلا أن المغرب وكل الدول التي طبّعت مع إسرائيل لم تتراجع عن مسار التطبيع، ولم تعلن إيقافه.

وسجل حمودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تخفيض وتيرة التعاون وتبادل الزيارات خلال العدوان على غزة، بالمقارنة مع سنوات 2021 و2022، بما في ذلك التراجع عن بعض الخطوات السياسية مثل استقبال وزراء إسرائيل في العاصمة الرباط. وذهب إلى أن هذا الاختيار سيتواصل خلال عام 2025، أي التعامل بحذر مع إسرائيل، بحيث سيتم مواصلة العلاقات معها وفق الاتفاقات المبرمة، لكن مع ضبط الوتيرة، بحيث لا تؤدي تلك العلاقات إلى استفزاز أو احتجاج شعبي واسع.

وأضاف: "من المؤكد أن المغرب الرسمي في وضع حرج، فهو التزم بتوظيف علاقاته مع إسرائيل للدفع بالقضية الفلسطينية إلى الأمام، وخصوصاً العودة إلى المفاوضات بين الكيان والسلطة الفلسطينية، للوصول إلى حل نهائي، لكن هذا الالتزام لم يتحقق منه شيء إلى حد الآن، رغم حرص المغرب على التذكير المستمر بمواقفه الثابتة والمعلنة اتجاه القضية الفلسطينية".