تضامن واسع من الاتحاد الأوروبي مع بولندا بعد حادثة المسيّرات الروسية
استمع إلى الملخص
- أثارت الحادثة ردود فعل قوية من قادة الاتحاد الأوروبي، حيث أدانوا الانتهاك الروسي وأعربوا عن تضامنهم مع بولندا، مع استدعاء ألمانيا وفرنسا للسفيرين الروسيين.
- فرضت بولندا قيوداً على حركة الطيران، وأغلقت لاتفيا أجواءها، ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى تقليل الاعتماد على الوقود الروسي وتعزيز العقوبات والإنفاق الدفاعي.
أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، يوم الأربعاء الماضي، أن الاتحاد الأوروبي يريد تعزيز الحماية على حدوده مع روسيا، وذلك بعد ساعات من إعلان بولندا إسقاط ما لا يقل عن ثلاث مسيرات روسية اخترقت مجالها الجوي. وأثارت الحادثة مخاوف من تصعيد الحرب في أوكرانيا. وقالت فون ديرلاين في خطاب مهم أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ: "ليس هناك شك في أن الجناح الشرقي لأوروبا يحمي القارة برمتها... من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. ولهذا السبب، علينا الاستثمار في دعمه من خلال آلية مراقبة الجناح الشرقي". ولا يزال هذا المفهوم في مرحلة مبكرة، ولم يُنشَر بعد أي خطة رسمية بشأنه.
ووصفت فون ديرلاين المبادرة بأنها خطة لتعزيز حماية دول الاتحاد الأوروبي المجاورة لروسيا: فنلندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا، عبر الاستثمار في مراقبة فضائية آنية وجدار من الطائرات المسيَّرة". كذلك أعلنت رئيسة المفوضية "تحالف المسيرات" مع أوكرانيا، وهاجمت روسيا، بسبب "انتهاك متهور وغير مسبوق لأجواء بولندا وأوروبا".
حادثة بولندا
رغم أن خطاب حالة الاتحاد الذي ألقته فون ديرلاين كان مقرراً منذ فترة طويلة، فقد جاء بعد ساعات من اختراق المسيَّرات الروسية المجال الجوي لبولندا 19 مرة، وأُسقِطَت ثلاث منها على الأقل، بحسب ما ذكره رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، بعدما أطلقت وارسو وحلفاؤها مقاتلات اعتراضية. ولم ترد تقارير عن وقوع إصابات. واخترقت المسيَّرات والصواريخ الروسية أجواء دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبينها بولندا، عدة مرات منذ بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ولكن لم يسبق أن حاولت دولة عضو في التحالف العسكري إسقاطها. وقال توسك إنه فعَّل المادة الرابعة من ميثاق حلف الأطلسي التي تتيح لأي دولة عضو الدعوة إلى اجتماعات عاجلة إن شعرت أن "سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي أو أمنها" في خطر. ولم تُفعَّل هذه المادة سوى ثماني مرات منذ تأسيس الحلف في عام 1949.
وأضاف توسك أمام برلمان بلاده: "هذا الوضع... يقربنا أكثر من أي وقت مضى من صراع مفتوح منذ الحرب العالمية الثانية"، ولكنه أكد في الوقت نفسه أنه "لا يوجد سبب اليوم يدفعنا إلى القول إننا في حالة حرب". ونفت روسيا أي مسؤولية لها عن انتهاك الأجواء البولندية، وذكرت وزارة الدفاع الروسية عبر تطبيق "تليغرام" أنه "لم تكن هناك أي خطط لاستهداف بنية تحتية في بولندا".
كيف كان رد فعل بقية أوروبا؟
واصطف زعماء الاتحاد الأوروبي إلى جانب بولندا عقب حادثة المسيَّرات الروسية. وقال الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا: "حادثة المسيَّرات في بولندا جد خطيرة.. نسير على حافة قد تنزلق بنا إلى هاوية من العنف الخارج عن السيطرة". وشبّه الرئيس الأجواء السائدة خلال الأسابيع الأخيرة بتلك التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى. وأعربت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عن "تضامن كامل مع بولندا إزاء الانتهاك الروسي الخطير، وغير المقبول لأجواء بولندا والناتو". كذلك دان رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا روسيا، وانتقد من يتهمون الناتو بالتصرف على نحو عدواني، أو يعارضون تعزيز وضعه الدفاعي.
وقال فيالا: "ليس هذا موقفاً سياسياً، بل هو يخدم الدعاية الروسية"، ودعا القوى السياسية كافة إلى إدانة الحادثة. أما وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، فقد تبنى خطاباً أكثر حذراً، إذ وصف انتهاك الطائرات الروسية لأجواء بولندا بأنه "صارخ" ويستدعي "الصرامة اللازمة"، لكنه حذر، في الوقت نفسه، من التسرع في اتخاذ خطوات تصعيدية. وكان موقف المستشار الألماني فريدريش ميرز أكثر مباشرة، إذ اتهم روسيا بأنها "عرّضت للخطر حياة البشر في دولة عضو بالناتو والاتحاد الأوروبي"، فيما وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستريوس، الحادثة بأنها "استفزاز ضد الناتو بأسره". ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حادثة انتهاك المجال الجوي بأنها "غير مقبولة على الإطلاق".
واستدعت وزارتا الخارجية في ألمانيا وفرنسا سفيري روسيا لدى برلين وباريس، أمس الأول الجمعة، على خلفية انتهاك المسيَّرات الروسية المجال الجوي لبولندا. وقالت الخارجية الألمانية إن تصرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "خطير" و"لا يمكن قبوله". وقال وزير الخارجية الفرنسية بالإنابة جان نويل بارو، لإذاعة "فرانس إنتر": "سنقول له إننا لن نسمح بترهيبنا"، مضيفاً أنه يتعين على روسيا أن تتوقف عن اختبار صبر الناتو وحلفائه. وحتى رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، المعروف بتعاطفه مع بوتين، أعرب عن "تضامن كامل" مع بولندا، لكنه أحجم عن إدانة موسكو. وعلى نحو مماثل، لم يتطرق رئيس وزراء سلوفاكيا وحليف روسيا، روبرت فيكو، إلى إدانة موسكو، إذ غرد على منصة إكس، قائلاً إن ما حدث "حادث خطير قد يؤدي إلى عواقب بعيدة المدى".
وأضاف: "لذلك من الضروري للغاية تحديد ما إذا كان الحادث متعمداً، أو عرضياً، وتحت سيطرة من جرى تشغيل المسيرات. أُعرب عن تضامني مع بولندا وأعرض التعاون في التوصل إلى كل الإجابات اللازمة". أما بلغاريا وسلوفينيا، فقد اتخذتا موقفاً أكثر تشدداً ضد موسكو. وقالت وزارة الخارجية البلغارية في بيان: "تشكل التوغلات الروسية المتكررة لأجواء الناتو تهديداً للأمن الأوروأطلسي. ستواجه مثل هذه الأفعال بإجراءات حاسمة لحماية الحلف". ووصف رئيس وزراء سلوفينيا روبرت جولوب، في منشور على منصة إكس، اختراق المسيَّرات الروسية الأجواء البولندية بأنه "غير مقبول تماماً"، وأعرب عن "تضامنه الكامل مع دونالد توسك". أما الرئيس الروماني نيكوسور دان، فقد ذهب إلى حد التصريح بأن الإجراءات جاهزة "للرد بشكل مماثل" حال وقوع مثل هذا الحادث في بلاده.
ماذا بعد؟
فرضت بولندا قيوداً على حركة الطيران على طول حدودها الشرقية، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء البولندية (بي أيه بي)، يوم الخميس، نقلاً عن متحدث باسم هيئة الطيران. وأوضح المتحدث أن القيود ستظل سارية على الحدود مع بيلاروسيا وأوكرانيا حتى يوم 9 ديسمبر/كانون الأول. وبمقتضى هذه الخطوة، يُحظر الطيران على ارتفاع يصل إلى 3,000 متر من غروب الشمس حتى شروقها، باستثناء الطائرات العسكرية المصرح لها. كذلك أغلقت لاتفيا أجواءها على الحدود مع روسيا وبيلاروسيا لمدة أسبوع، وأكد وزير الدفاع اللاتفي أندريس سبرودس، أنه لا يوجد تهديد مباشر في الوقت الحالي، ولكن الإجراءات الوقائية ضرورية.
يشار إلى أن إغلاق المجال الجوي يُيسر رصد الأجسام الطائرة التي لا تحمل تصريحاً. ويرى الكثير من المحللين أن عمليات التوغل الروسية بالمسيَّرات تشكل اختباراً متعمداً، إذ اعتبر النائب الألماني والخبير في السياسة الخارجية نوربرت روتجن، أن روسيا تختبر صمود الناتو وتحاول ترهيب الحلف بسبب دعمه لأوكرانيا. وأشارت مسؤولة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية، كايا كالاس، إلى تقييم مماثل، ووصفت الحادثة بأنها "تغيير لقواعد اللعبة"، ويجب أن تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة في أي حزم عقوبات مقبلة على روسيا. ومن المقرر أن يُعلن الاتحاد الأوروبي حزمة العقوبات رقم 19 ضد موسكو في وقت لاحق الشهر الجاري.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية فون ديرلاين إن التركيز سينصبّ على تسريع وتيرة التخلص من الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري الروسي، واستهداف "أسطول الظل" الذي يساعد موسكو في الالتفاف على العقوبات الخاصة بالنفط، والضغط على الدول الثالثة لتشديد الانصياع للعقوبات. كذلك أشارت فون ديرلاين إلى جهود للإفراج عن الأصول الروسية المجمدة لدى التكتل، للمساعدة في تمويل الجهد الحربي لأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، فإن "تحالف المسيرات"، الجديد، سيهدف إلى مواجهة التهديدات الروسية، رغم أنه لم تُعلَن سوى تفاصيل قليلة بشأنه. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إن التحالف سيضمن أن "تعمل المفوضية مع الدول الأعضاء، ومع الجهات الصناعية الأوروبية، وأوكرانيا، بشكل متزايد في قطاع الطائرات المُسيَّرة لمواصلة دعم أوكرانيا". وفي غضون ذلك، تواصل الدول الأوروبية العمل على تعزيز الإنفاق الدفاعي لديها.
وفي مواجهة التهديد الروسي وضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اتفق الحلفاء في الناتو، والأوروبيون على السعي لتطبيق زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي. وأُعلنَت يوم الثلاثاء الماضي مخصصات ضمن خطة قروض أوروبية جديدة لتحقيق هذا الهدف. وتتصدر وارسو القائمة بالحصول على قروض قيمتها نحو 44 مليار يورو (51.5 مليار دولار) من برنامج بقيمة 150 مليار يورو، صُمِّمه لمساعدة الدول الأعضاء على الاقتراض بأسعار فائدة أقل.
وفي المركز الثاني، تأتي رومانيا بواقع 16.7 مليار يورو، ثم فرنسا والمجر بـ 16.2 مليار يورو لكل منهما، ثم إيطاليا بـ15 مليار يورو، بحسب أرقام أولية. ومن المقرر إنفاق هذه الأموال على تعزيز مجالات رئيسية، مثل الدفاع الجوي، كذلك يمكن توجيهها للمساعدة في تسليح أوكرانيا.
(أسوشييتد برس)