تضارب مصالح يهدّد إدارة ترامب... و"فحص كذب" للملمة التسريبات
استمع إلى الملخص
- فتح البنتاغون تحقيقاً بشأن تسريب معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي، مع استخدام جهاز كشف الكذب، بينما تجري وزارة الأمن الداخلي ووزارة العدل تحقيقات مماثلة.
- تربط ماسك علاقات تجارية مع الصين، مما يثير مخاوف من تضارب المصالح، بينما ينفي ترامب اطلاع ماسك على خطط حربية.
بدأت المتاعب تلاحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب من داخل فريقه، بعد مرور شهرين فقط على توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك رغم ما أظهره ترامب من استراتيجية مدروسة لإظهار التماسك داخل فريقه، خلال ولايته الثانية، سواء أمام الداخل أو الخارج. فبينما كشفت شبكة "سي أن أن"، أخيراً، أن وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يعدّ في الأساس من الجناح التقليدي لحزب المحافظين وليس من حركة "ماغا" (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً) التي تتوسع داخل الحزب، منزعج من تقليص دوره أمام الدور الذي يؤديه مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي قالت "سي أن أن" إنه يتمدد خارج مهمته الأصلية، فإن مالك شركتي تسلا وسبايس إكس ومنصة إكس (تويتر سابقاً)، الملياردير إيلون ماسك، لا يتوقف عن خلق المشاكل لترامب، وهو أمر يسعى الرئيس الأميركي إلى حدّ الآن للملمته، في مواجهة كمّ التسريبات التي تصدر عن تدخل الأخير في مفاصل عمل الوزارات، وأخيراً في وزارة الدفاع (بنتاغون) التي يسعى ترامب إلى إحداث "نفضةٍ" فيها، سواء في هيكلها العسكري أو الإداري. وبينما تلعب يد طولى على وتر التسريبات المتعلّقة بتدخلات ماسك، وسط تضارب هائل للمصالح داخل واشنطن، يعزّزه الكمّ الهائل من رجال الأعمال داخل إدارة ترامب الثانية، وحراك خفي لخصوم الرئيس لعرقلة مشاريعه، فإن البلبلة الحاصلة تفتح تساؤلات حول إمكانية تخلي ترامب باكراً عن ورقة ماسك، أو الذهاب نحو تبديلات سريعة في فريقه، كان مراقبون استبعدوا حصولها في ولايته الثانية، على غرار الأولى، حين كان يطرد وزراء ومسؤولين بتغريدة على "تويتر" فقط أحياناً.
تحقيق في وزارة الدفاع
وأعلن البنتاغون، أول من أمس السبت، فتح تحقيق شامل بشأن تسريب معلومات حسّاسة تتعلّق بالأمن القومي الأميركي من داخل المؤسسة، وذلك في آخر مسلسل التحقيقات التي أكدت وزارات أميركية فتحها، بإطار تسريب معلومات، في عهد ترامب. وتذكّر الحادثة بقضية تسريب "وثائق سرّية" في أواخر عهد جو بايدن من وزارة الدفاع، تتعلّق بخطط إسرائيلية للرد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على هجوم صاروخي إيراني وبالمسيّرات، نُفذّ على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحينها، فتح البنتاغون تحقيقاً، وأعلن لاحقاً عن توقيف موظف حكومي بالوزارة (آصف رحمان) بتهمة التسريب، في كمبوديا. ولا تمانع إدارة ترامب هذه المرة الذهاب بالأمور إلى استخدام آلة فحص الكذب.
تربط ماسك علاقات تجارية وثيقة جداً مع بكين حيث ينتج ويبيع سيارات تسلا بكميات كبيرة
ويتعلق الأمر بتسريب "معلومات حسّاسة"، بعد ما كشفته صحيفتا نيويورك تايمز وول ستريت جورنال، عن أن خططاً عسكرية متعلقة بنشوب صراع مع بكين كانت ستُعرض على ماسك خلال زيارة للبنتاغون أجراها يوم الجمعة الماضي. وتحدثت "نيويورك تايمز" عن وثيقة سرّية مكونة من 20 إلى 30 صفحة تعرض بالتفاصيل كل مراحل التصعيد العسكري المحتمل مع الصين، بدءاً من اكتشاف التهديد وحتى خيارات الرد الأميركية. وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أنه كان من المخطط إبلاغ ماسك عن الخطة السرية جداً، لكن وزارة الدفاع تخلت عن الفكرة.
وفي بيان على الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع، قال مدير مكتب الوزير بيت هيغسيث، جو كاسبر، إن التسريبات الأخيرة للمعلومات المتعلقة بالأمن القومي، والتي تشمل "اتصالات حسّاسة" مع مديري مكاتب وزارة الدفاع، "تتطلب تحقيقاً فورياً وشاملاً". وأشار إلى أن التحقيق في التسريبات سيبدأ "على الفور"، مبيناً أنه سيُستخدم "جهاز كشف الكذب" خلاله بما يتوافق مع القوانين. وأضاف كاسبر أن نتائج التحقيق ستُرفع إلى وزارة الدفاع، مشيراً إلى أن التقرير سيتضمن سجلاً كاملاً للتسريبات غير المصرح بها داخل الوزارة، بالإضافة إلى توصيات تهدف إلى تحسين سبل منع مثل هذه التسريبات. وشدّد كاسبر على أن أي شخص يثبت تجاوزه السلطات الممنوحة له "سيخضع للملاحقة الجنائية".
وكانت وزارة الأمن الداخلي الأميركية قد أعلنت، مطلع مارس/ آذار الحالي، بدورها، أنها ستلجأ إلى استخدام "جهاز كشف الكذب" لمنع تسريب المعلومات من الوزارة إلى الإعلام. كما أعلنت وزارة العدل الأميركية أخيراً عن فتح تحقيق خاص بها بشأن تسريب معلومات سرّية تتعلق بعصابة "ترين دي أراجوا" الفنزويلية.
ومن البيت الأبيض، نفى ترامب بشدة، يوم الجمعة الماضي، تقارير الصحيفتين، معترفاً للمرة الأولى باحتمال وجود تضارب في المصالح بما يتعلّق بنشاط ماسك الحكومي (هو مكلّف بالأساس بإدارة وزارة الكفاءة الحكومية المعنية بتقليص الإنفاق الفيدرالي). وقال الرئيس الأميركي: "لا أريد أن أعرض هذه الخطة على أحد"، مضيفاً: "طبعاً لن نعرض هذا على رجل أعمال"، مقرّاً بأن "إيلون يقوم بأعمال تجارية مع الصين وربما يؤثر ذلك عليه". واتهم ترامب "نيويورك تايمز" بـ"اختراع" القضية برمتها، مؤكداً أن صديقه الملياردير زار البنتاغون يوم الجمعة الماضي، ولكن فقط "للحديث عن التكاليف" في إطار مهمته لخفض الإنفاق العام. وكتب ترامب على منصته "تروث سوشال": "لم تُطلع وزارة الدفاع إيلون على أي شيء يتعلق بالصين"، واصفاً بعض وسائل الإعلام بـ"أعداء الشعب". وندّد ترامب على منصته بـ"المفهوم الخاطئ لهذه المقالة"، في إشارة إلى تقرير "نيويورك تايمز"، معتبراً "أنه بما أن إيلون ماسك يمارس أعمالاً تجارية في الصين، فسوف يواجه تضارباً كبيراً في المصالح، وسوف يكشف كل شيء على الفور لمسؤولين صينيين كبار".
إدارة ترامب تلجأ لـ"فحص الكذب"
ولطالما تحدث ماسك بإيجابية عن الصين، وتربطه علاقات تجارية وثيقة جداً مع بكين حيث ينتج ويبيع سيارات تسلا بكميات كبيرة. كما أن لديه، من خلال شركته "سبايس إكس"، عقوداً كبيرة مع البنتاغون. ويأتي كل ذلك في وقت تحاول فيه إدارة ترامب التقارب مع روسيا، وإبرام صفقة معها بشأن أوكرانيا، علماً أن ترامب كان مستهدفاً في ولايته الأولى بحملة اتهمته بالتعاون مع موسكو للفوز بالرئاسة عام 2016، من دون أن يخفي ترامب على الدوام ما يصفه بالعلاقة الجيّدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان ماسك أجرى، يوم الجمعة الماضي، زيارة إلى مقر البنتاغون، والتقى وزير الدفاع 80 دقيقة في أول محادثات من نوعها له في الوزارة المسؤولة عن جزء كبير من إنفاق الحكومة الاتحادية. ولم يتضح ما إذا كان الجنرالات انضموا إلى الاجتماع عبر الإنترنت. وذكرت "نيويورك تايمز" أن ماسك سيُطلَع على خطط حربية بشأن الصين، بينما وصف مالك "تسلا" التقرير بأنه "مجرد دعاية" وحثّ على اتخاذ إجراءات قانونية ضد "الذين يسربون معلومات كاذبة خبيثة". من جانبه، أكد هيغسيث أنه أجرى محادثته مع ماسك التي "ركّزت على الابتكار والكفاءة".
لا تعدّ أجهزة فحص الكذب ذات مصداقية ولا تؤخذ بنتائجها في القضايا المرفوعة في المحاكم، لكن الحكومة الفيدرالية تستخدمها منذ التسعينيات
وبحسب موقع فورتشين، فإن شركة سبايس إكس التي يملكها ماسك لديها عقود مع الحكومة الفيدرالية الأميركية بحوالي 22 مليار دولار، بينما لشركته "تسلا" أكبر مصانعها في الصين، بشنغهاي، التي أنتجت العام الماضي، وحدها، نصف سيارات "تسلا" في العالم.
وفي مذكرة داخلية، طلب وزير الدفاع الأميركي، أواخر الأسبوع الماضي، إجراء تحقيق حول "الكشف غير المرخّص لمعلومات تتعلق بالأمن القومي"، قد يتضمن استخدام أجهزة كشف الكذب، من دون ذكر ماهية المعلومات في المذكرة التي لفتت إلى أنه "إذا عُثر على جهة مسؤولة عن التسريب"، فستُخضَع للملاحقة الجنائية. من جهته، قال متحدث باسم "نيويورك تايمز" إن التحقيق بتسريبات "من شأنه شلّ التواصل بين الصحافيين ومصادرهم، وإضعاف حرية الصحافة لنشر معلومات حيوية".
ولا تؤخذ أجهزة فحص الكذب بالاعتبار في القضايا المرفوعة في المحاكم، لكن ذهاب إدارة ترامب إلى استخدامها، هدفه مواصلة ترهيب الموظفين بشتى الوسائل، بعد حملة الطرد التي لا تزال تطارد الموظفين الفيدراليين. لكن إدارة ترامب ليست الأولى التي تستخدم هذه الوسيلة، وبحسب تقرير لـ"أسوشييتد برس"، نشر أمس الأحد، فإن وكالات فيدرالية عدة تستخدمها هذه الآلية، لا سيما أجهزة إنفاذ القانون وللحصول على تصاريح الأمن القومي خصوصاً الموظفين في مناصب حسّاسة. وفي عام 1998، أكدت المحكمة العليا أن نتائج أجهزة فحص الكذب لا يعتد بها في المحاكمات العسكرية.
وقال جورج ماشكل، وهو مسؤول سابق عن الاستجوابات في الجيش الأميركي وضابط احتياط في قسم الاستخبارات ومؤسس موقع "أنتي بوليغراف"، للوكالة، إن أجهزة فحص الكذب غير مقبولة لأنها ليست ذات مصداقية، وغالباً ما تتوصل إلى نتائج مغلوطة، لكنها تُستخدم بشكل متقطع منذ تسعينيات القرن الماضي لإخافة وترهيب المصادر ومنعها من التحدث للمراسلين.