استمع إلى الملخص
- استند التصنيف إلى تقرير يوضح تهديد الحزب للنظام الديمقراطي، حيث يعتمد على خطاب تمييزي وينتهك الكرامة الإنسانية، مستفيداً من مواقفه المتشددة تجاه الهجرة لتحقيق تقدم انتخابي.
- توسع شعبية الحزب يثير قلقاً سياسياً وأمنياً، حيث يمتلك 156 مقعداً في البرلمان، وتصنيفه كمتطرف يعيق التعاون معه، مع دعوات لتنظيفه من العناصر المتطرفة وتبني خطاب معتدل.
صنّفت الهيئة الاتحادية لحماية الدستور في ألمانيا (جهاز الاستخبارات الداخلية)، أمس الجمعة، "حزب البديل من أجل ألمانيا" بصفته "منظمةً يمينيةً متطرّفة مؤكّدة" وذلك قُبيل احتفالات ألمانيا بالذكرى الثمانين لنهاية النازية والحرب العالمية الثانية، وهو تصنيف يكشف مع ذلك معضلة الأحزاب السياسية التقليدية في التعاطي مع ارتفاع شعبية الحزب اليميني المتطرف. فمن ناحية ثمّة دعوات لحظره، ما قد يظهره "ضحيةً" في أعيُن ناخبيه ومؤيديه، ومن ناحية أخرى، فإذا ما نجا من الحظر، فمن شأن ذلك أن يزيد من شعبيته، ما قد يقوده إلى الفوز في استحقاقات انتخابية قادمة، وربما التقدم بثبات نحو تولّي الحكم.
تجربة انتخابات فبراير/شباط الماضي البرلمانية ماثلة أمام الطبقة السياسية التقليدية في ألمانيا، في مضاعفة البديل من أجل ألمانيا حصّته إلى 20.8% من الأصوات في البرلمان (البوندستاغ)، واحتلاله المرتبة الثانية بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي (حزب المستشار المقبل فريدريش ميرز)، متفوقاً على حزب المستشار المنتهية ولايته من يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) أولاف شولتز.
دواعي تصنيف البديل من أجل ألمانيا
جاء تصنيف الاستخبارات الداخلية الألمانية لحزب البديل أمس الجمعة معلّلاً بتقرير شامل أعدّه الجهاز من نحو ألف صفحة، وتضمن تحقيقاً في تصريحات أعضاء الحزب وشعاراته وبرامجه، وخلُص الجهاز الأمني إلى "وجود أدلّة دامغة على أنّ حزب البديل يُهدّد النظام الديمقراطي في ألمانيا"، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية "دي بي إيه"، وشدد الجهاز أن "الفهم السائد في الحزب للأشخاص على أساس العرق والأصل يتعارض مع النظام الأساسي الديمقراطي الحر"، وأن تصريحات قياداته "تنتهك المبدأ الدستوري لحرمة الكرامة الإنسانية".
ومنذ تأسيس الحزب في 2013، حالةً احتجاجيةً على طريقة تعاطي حكومة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل مع أزمة منطقة اليورو، وتقديم مبالغ كبيرة لإنقاذ بعض الدول، كاليونان، تلقى دفعة شعبية نتيجة مواقفه المتشدّدة من الهجرة واللجوء في 2015، مع تزايد احتجاجه على منظومة الاتحاد الأوروبي والطبقة الحاكمة في برلين. برغم خوضه منذ 2013 الانتخابات وتحقيق تقدم على مستوى بعض الولايات، وتحوّله اليوم إلى الحزب الثاني فيدرالياً في البرلمان، بقيت مسألة "جدار الحماية"، بتوافق الأحزاب السياسية على قطع الطريق على نفوذ الأجنحة المتطرّفة في السياسة الألمانية، تمنعه من ترجمة "إنجازاته الانتخابية" على أرض الواقع.
وقدمت دائماً تصريحات بعض قيادات البديل من أجل ألمانيا مادةً خصبة للتشكيك بتطرّفه، فعلى سبيل المثال صرح في عام 2018 زعيم الحزب آنذاك ألكسندر غولاند بأن النازية "نقطة صغيرة في تاريخ ألمانيا المزدهر الممتدّ لأكثر من ألف عام"، وحثّ الألمان على الافتخار بتاريخهم، رافضاً النصب التذكاري عن حقبة النازية. وبرغم الضجّة التي أثارها تصريحه لا يزال غولاند في منصب الرئيس الفخري للحزب، ولم يكن زعيم الحزب في ولاية تورينغيا، بيورن هوكه، أقل جدلاً في تصريحاته، معتبراً أن الوقت حان لتخلّص الألمان من ثقافة إحياء ذكرى جرائم النازيين، ولضرورة إزالة نصب الهولوكست من برلين.
وفي العام الماضي صرّح المرشح الرئيسي للحزب إلى البرلمان الأوروبي، ماكسيميليان كراه، بأنه يرفض أن يُطلق لقب مجرم على كل من ارتدى زي القوات الخاصة النازية "إس إس"، كراه وبرغم تصريحاته الجدلية سُمح له بالترشح أولاً إلى البرلمان الأوروبي ثم إلى البوندستاغ. وحتى الوجه النسائي القيادي في "البديل"، أليس فايدال، اعتبرت أن "الفتيات المحجّبات والرجال المسلحين بالسكاكين الذين يعتمدون على الرعاية الاجتماعية وغيرهم من الأشخاص عديمي الفائدة لا يمكنهم ضمان ازدهار ألمانيا ونموها ورفاهيتها". تصريحاتها وتصريحاتُ آخرين حول ملايين مواطني وقاطني ألمانيا من أصول مهاجرة تتماشى غالباً مع ما يعتمد عليه حزبها في خطابه خلال حملاته الانتخابية، وكما يردِّد هؤلاء فالرسالة واضحة، ومفادها أن ألمانيا استقبلت عدداً كبيراً من المهاجرين، والكثير منهم لا يتأقلمون أو يشكّلون تهديداً.
مع استمرار التصريحات المتطرفة اشتبهت أجهزة الاستخبارات في عام 2021 في أنّ البديل من أجل ألمانيا حزب متطرّف، ما مكّن الجهاز الأمني من اختراق الحزب ومراقبته. وعلى تلك الخلفية قامت مخابرات ألمانيا بتصنيف الحزب كله منظمةً متطرّفةً "تعمل على نحوٍ موثّق على انتهاك الدستور"، إذ رأى الجهاز الأمني أن "البديل" لا يعتبر الألمان من أصول مهاجرة ومن دول ذات أغلبية مسلمة أعضاء متساوين في الشعب الألماني، من بين أمور أخرى، وفقاً لمجلة دير شبيغل.
فايدال: تشهير واستهداف سياسي
رفضت وزيرة الداخلية الألمانية المنتهية ولايتها نانسي فيزر، أمس الجمعة، تصريحات قيادات في "البديل"، مثل أليس فايدال وتينو شروبالا حول أن ما قام به جهاز الاستخبارات هو "تشويه سمعة وتجريم علنيَين"، وأكدت فايزر أن التصنيف جاء على خلفية أنه حزب "يمثل مفهوماً عرقياً يُميّز ضدّ فئات سكانية بأكملها، ويُعامل المواطنين من أصول مهاجرة كألمان من الدرجة الثانية". وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، فإن التصنيف انطلق من أدلة دامغة عن "تهديد البديل للنظام الديمقراطي، إذ إنّ الفهم السائد فيه للأشخاص يقوم على أساس العرق والأصل، ما يتعارض مع النظام الديمقراطي الحرّ، وينتهك المبدأ الدستوري لحرمة كرامة الإنسانية".
وتؤمن قيادات البديل من أجل ألمانيا بأنّ تصنيف كل الحزب منظمةً متطرّفةً "يمثّل ضربةً قاسية للديمقراطية"، وبأنه يستبق أي إمكانية لترجمة الفوز الانتخابي الأخير إلى نفوذ وتأثير في حكومة المستشار المسيحي الديمقراطي القادم فريدريش ميرز.
معضلة مزدوجة
توسُّع شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا أصبحَ يثير قلقاً سياسياً وأمنياً، ففي البرلمان الجديد يمثل الحزب 156 نائباً، لكنّها مقاعد لا يبدو، بعد التصنيف الاستخباري، ستتيح لا لميرز ولا لغيره الانفتاح عليه. ودعت نائبة رئيس البرلمان (عن المسيحي الديمقراطي)، أندريا ليندهولز، بقية الأحزاب إلى إعادة النظر بشأن أي تقارب مع "البديل"، أو منحه مناصب في اللجان البرلمانية المختلفة، كما نقلت عنها دير شبيغل.
ولا يبدو أن حصوله على نسبة 20.8% من الأصوات ستسهّل دعوات البعض لتشكيل أغلبية برلمانية لأجل الطلب من المحكمة الدستورية حلّه وحظره، بسبب انعكاسات ذلك على الكتلة الصلبة للناخبين المؤيدين له. وتنبَّه المستشار المنتهية ولايته شولتز إلى الأمر برغم ترحيبه بالتصنيف، داعياً الطبقة السياسية إلى "توخي الحذر" بشأن حظر الحزب، وكذلك فعل نائب المستشار القادم، لارس كلينغبيل، مؤكداً أنه لن يطالب بحظره على الفور.
في كل الأحوال، يبقى الخروج من المعضلة ممكناً نظرياً، إذا ما اختار البديل من أجل ألمانيا بنفسه تنظيف بيته من العناصر الأكثر تطرّفاً، وإعادة هندسة شعاراته وخطبه الشعبوية وتطرفه القومي، وربما يستلهم تطبيع أوضاعه بين الأحزاب من رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، الآتية من صفوف "إخوة إيطاليا" شبه الفاشي، ذلك باعتماد بعض الواقعية والبراغماتية السياسية للنجاة وسط رياح معارضة يمكن أن تشتد أكثر في قادم الأيام.
ومن الواضح أن معضلة التعاطي مع البديل باتت مزدوجة؛ فحظره يجعل منه "ضحية مؤامرة" (مع جمهور يستسيغ نظريتها). وعدم حظره يحمل مخاطرة، مع تصاعد شعبيّته، إذا ما حقق الحزب قفزة تضعه في مقدمة الأحزاب في الانتخابات القادمة، ما يعني أنّ الساحة السياسية ستكون أمام فرض البديل لنفسه حزباً يقود الحكومة، وربما بمستشارة تسمى أليس فايدال.