تصعيد عين عيسى: هل ترضخ "قسد" لضغوط روسيا؟

تصعيد عين عيسى: هل ترضخ "قسد" لضغوط روسيا؟

09 ديسمبر 2020
قوات تركية بالقرب من عين عيسى (بكر القاسم/ فرانس برس)
+ الخط -

تشي التطورات الميدانية بأنّ منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي الواقعة شرقي نهر الفرات، ربما تشهد تصعيداً عسكرياً، مع اشتداد الضغوط على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من قبل الجانب الروسي، لتسليمها إلى قوات النظام السوري لتفادي هجوم تلوّح فصائل المعارضة السورية المرتبطة بالجانب التركي به منذ أكثر من شهرين. وذكرت صفحة "الرقة تذبح بصمت" على موقع "فيسبوك"، وهي معنية برصد الانتهاكات والأحداث في عموم محافظة الرقة، أنّ الجيش الروسي أنشأ الإثنين الماضي نقطة عسكرية على الأطراف الغربية لبلدة عين عيسى بمحاذاة الطريق الدولي حلب-اللاذقية "أم 4"، بالتزامن مع شروعه بإنشاء نقطة أخرى قرب قرية الجديدة في ريف البلدة.

تعزيزات تركية نُقلت إلى خطوط التماس مع "قسد" في عين عيسى

وفي السياق، ذكرت مصادر محلية أنّ رتلاً من قوات النظام السوري مؤلفاً من عربات نقل تحمل عناصر من هذه القوات، دخل منطقة سيطرة "قسد" جنوب مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي، وتوجه على الفور إلى منطقة عين عيسى، مشيرةً إلى أنّ الرتل كان يضم عربات مصفحة وسيارات إسعاف. وفي المقابل، أفادت مصادر من "الجيش الوطني السوري"، "العربي الجديد"، بأنّ الجيش التركي استقدم الإثنين مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى ناحية تل أبيض بريف الرقة الشمالي الشرقي، نُقلت إلى خطوط التماس مع "قسد" في منطقة عين عيسى. وذكرت المصادر أنّ التعزيزات ضمت مدافع ميدان وعربات مدرعة ودبابات وناقلات جنود، مشيرةً إلى أنّ فصائل المعارضة السورية التابعة للجانب التركي عززت هي الأخرى نقاط التماس مع "قسد"، في معطى يشير إلى أنّ المنطقة ربما تشهد تصعيداً عسكرياً.
ومنذ أكثر من شهرين وفصائل المعارضة السورية تهدد بشن هجوم على منطقة عين عيسى لدفع "قوات سورية الديمقراطية" جنوباً بعيداً عنها، ولكن من الواضح أنّ التفاهمات الروسية التركية والرفض الأميركي يحولان دون ذلك.

وكانت وسائل إعلام تناقلت قبل أيام أنباء عن اجتماع في عين عيسى ضمّ مسؤولين روساً وضباطاً من النظام السوري وقياديين في "قسد" التي يهيمن عليها مقاتلون أكراد سوريون، لبحث إمكانية تسليم البلدة إلى قوات النظام لتفادي عملية عسكرية من الجيش التركي. ولكن من المرجح ألا تخضع "قسد" للضغوط الروسية، خصوصاً أنّ البلدة تبعد عن الحدود السورية التركية أكثر من 37 كيلومتراً، بينما نصّ الاتفاق الروسي التركي حول منطقة شرقي الفرات في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت على ابتعاد قوات "قسد" 32 كيلومتراً في العمق السوري بعيداً عن هذه الحدود. ومنذ ذلك الحين، جرت اشتباكات في محيط البلدة بين "قسد" وفصائل المعارضة السورية مع تبادل القصف المدفعي، إلا أنّ الأمر لم يتطور إلى أكثر من هذا. وكانت "قسد" التي تتلقى دعماً كبيراً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أبرمت اتفاقاً عسكرياً مع الجانب الروسي في أكتوبر الماضي، سمح للقوات الروسية وقوات النظام بالتمركز في نقاط عدة في شرقي نهر الفرات ومنها نقطة في مقر "اللواء 93" في منطقة عين عيسى، والذي كان تابعاً لقوات النظام قبل أن يخرج عن سيطرتها في العام 2014. ولجأت "قسد" إلى الجانب الروسي مضطرةً لتفادي عملية عسكرية تركية واسعة النطاق كان من الممكن أن تهدد وجودها برمته في الشمال الشرقي من سورية.

"قسد" أبرمت اتفاقاً عسكرياً مع الجانب الروسي في أكتوبر الماضي

وكانت الولايات المتحدة قد أخلت في أكتوبر من العام الفائت قواعد ونقاط تمركز في غربي منطقة شرقي نهر الفرات عندما لمست الإصرار التركي على شنّ عملية ضدّ "قوات سورية الديمقراطية" في المنطقة. ولكن الجانب الأميركي حدد للجيش التركي مجال عمليته، إذ حصرها في الشريط الحدودي الممتد من مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، بطول 100 كيلومتر.
وتقع بلدة عين عيسى إلى الشمال من مدينة الرقة بنحو 48 كيلومتراً، أي أنها في قلب منطقة شرقي نهر الفرات، ما يمنحها موقعاً مهماً كونها تحوّلت إلى عقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة. وكانت قوات "قسد" قد انتزعت منطقة عين عيسى من تنظيم "داعش" عام 2016، فحولتها إلى ما يشبه مركزاً إدارياً وسياسياً، حيث كانت تضم أغلب المكاتب التابعة للإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية، قبل نقلها إلى مدينة الرقّة أثناء العملية العسكرية التركية في شرقي نهر الفرات في أكتوبر من العام الفائت.
وتعدّ بلدة عين عيسى مهمة لكل أطراف الصراع في منطقة شرقي نهر الفرات، إذ تعتبر عقدة مواصلات بين مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، حيث تربط ما بين غربي منطقة شرقي الفرات وشرقها والتي تسيطر على جلها هذه القوات. بينما يسعى الجانب التركي إلى حرمان "قسد" من هذه البلدة الاستراتيجية في سياق جهود أنقرة في تقليم أظافر هذه القوات في مجمل منطقة شرقي الفرات، إذ ينظر الأتراك إلى "قسد" على أنها تشكل خطراً يمسّ الأمن القومي التركي. في المقابل، يبحث النظام عن موطئ قدم له في قلب منطقة شرقي نهر الفرات، ما يجعل منه لاعباً في الشمال الشرقي من سورية، وهو الذي شكل خروجه عن سيطرته ضربة اقتصادية كبرى له، إذ تضم هذه المنطقة أغلب الثروات في عموم البلاد من زراعية ومائية وبترولية. كما يعبر الطريق الدولي "أم 4" الآتي من حلب إلى شرقي نهر الفرات بالقرب من بلدة عيسى إلى محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية وصولاً إلى الحدود السورية العراقية، وهو ما يمنحها أهمية كبيرة في مجرى الصراع المحتدم على الشمال الشرقي من سورية.

المساهمون