تصعيد عسكري بين دمشق و"قسد"... نحو مواجهة حتمية؟

22 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:06 (توقيت القدس)
عناصر من "قسد" في الحسكة، 26 يناير 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت التوترات بين "قسد" والحكومة السورية في ريف حلب الشرقي، مع تبادل الاتهامات بشأن مجزرة أم تينة، حيث تتهم وزارة الدفاع السورية "قسد" بارتكابها، بينما ترد "الإدارة الذاتية" باتهام الجيش السوري وفصائل مرتبطة بتركيا.

- تعثر تنفيذ اتفاق مارس/آذار بين دمشق و"قسد" لدمج "قسد" في المنظومة العسكرية السورية بسبب مطالب "قسد" بالاعتراف بـ"الإدارة الذاتية"، مما يزيد احتمالية التصعيد العسكري.

- المحللون يرون أن العملية العسكرية المحتملة ضد "قسد" ستكون محدودة، لكن التحديات السياسية والاقتصادية والضغوط الدولية تعيق تنفيذ عملية واسعة النطاق.

فُتح باب تصعيد عسكري وإعلامي بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وبين الحكومة السورية في ريف حلب الشرقي، في مؤشر آخر على استعصاء الحلّ بين دمشق و"قسد" وإمكانية التوصل إلى تنفيذ بنود اتفاق مارس/آذار بين الطرفين، ما دفع الرئيس السوري أحمد الشرع إلى التحذير من تدخل عسكري تركي نهاية العام الحالي، من شأنه، في حال حدوثه، جرّ الشمال الشرقي من سورية إلى سيناريو حاولت كل الأطراف تجنّبه.

دمشق و"قسد" تتبادلان الاتهامات

وحمّلت وزارة الدفاع السورية، أمس الأحد، "قسد" المسؤولية الكاملة عن المجزرة التي ارتكبت أول من أمس السبت، في قرية أم تينة بريف حلب الشرقي بحق مدنيين، مشيرة في بيان إلى أن هذه القوات "تواصل استهداف المدنيين في ريف حلب الشرقي بشكل ممنهج"، لافتة إلى أن "قسد" ارتكبت بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول الحالي مجزرة في قرية الكيارية. وشدّدت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية "بشكل قاطع"، على أن الجهة التي قصفت القرية "هي قوات قسد نفسها، في محاولة منها لتوجيه الاتهام زوراً إلى الجيش العربي السوري".

وقالت الوزارة لوكالة الأنباء السورية "سانا"، إن "قسد" استهدفت (السبت)، قرى تل ماعز وعلصة والكيارية في ريف حلب الشرقي بقذائف الهاون، وأثناء قصفها القرى الخارجة عن سيطرتها، "رصدت قواتنا إطلاق صواريخ من إحدى راجمات قسد باتجاه أم تينة الواقعة تحت سيطرتها، دون معرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك". وأكدت الوزارة "استمرارها في أداء واجبها الوطني في الدفاع عن السوريين وحفظ أمنهم واستقرارهم".

فايز الأسمر: العملية العسكرية ستكون محدودة، والهدف منها إضعاف موقف قسد ووضع حدّ لتشددها

في المقابل، اتهمت "الإدارة الذاتية"، الذراع الإدارية والمدنية لـ"قسد"، الجيش السوري، بارتكاب مجزرة أم تينة في ريف دير حافر شرقي حلب، وقالت في بيان إن "فصائل تابعة لحكومة دمشق المؤقتة، ومرتبطة بالدولة التركية، ارتكبت مجزرة مروعة بحق المدنيين في قرية أم تينة، حيث بدأت الاعتداءات باستخدام الطائرات المسيّرة، تبعها قصف مدفعي مكثف، استهدف منازل الأهالي مباشرة، ما أدى إلى استشهاد سبعة مدنيين بينهم أطفال ونساء وإصابة أربعة آخرين بجروح".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وكانت "قسد" قد تمددت بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسيطرت على عشرات القرى في ريف حلب الشرقي وبلدتين هما: دير حافر ومسكنة على الطريق الحيوي الذي يربط حلب بالرقة ودير الزور. ومنذ ذلك التاريخ، تشهد المنطقة مناكفات عسكرية ما بين الجيش السوري و"قسد"، في ظل تراشق إعلامي وتبادل التهم بين دمشق و"قسد" بالمسؤولية عن التصعيد الذي تشهده نقاط التماس بين وقت وآخر.

استمرار تراجع حظوظ الاتفاق

وجاء التصعيد في ريف حلب، السبت الماضي، بعد يوم واحد من تحذير الرئيس السوري أحمد الشرع من تدخل عسكري تركي في شمال شرق سورية بحلول ديسمبر المقبل، في حال فشل مسار دمج "قسد" في المنظومة العسكرية والأمنية السورية، وفق ما نصّ عليه اتفاق بين دمشق و"قسد" وقّع عليه الشرع وقائد هذه القوات مظلوم عبدي في دمشق في العاشر من مارس/آذار الماضي. واتهم الشرع بعض الأجنحة داخل "قسد" وحزب العمال الكردستاني بعرقلة تنفيذ الاتفاق المذكور، مجدداً رفضه مطلب هذه القوات بـ"اللامركزية السياسية" في البلاد، معتبراً إياها "غطاء للنزعة الانفصالية". ونصّ الاتفاق بين دمشق و"قسد" الذي وُصف بـ"التاريخي" بُعيد توقيعه، على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

وخاض الجانبان بالفعل أربع جولات تفاوض لتطبيق الاتفاق، إلا أنها لم تحقق نتائج، فموقف "قسد" لم يتغير، وخصوصاً لجهة الحفاظ على بنيتها العسكرية والدخول كتلة واحدة في الجيش السوري تحت مسمّى عسكري آخر وبقائها الجهة المسيطرة على القسم الأكبر من محافظات الرقة ودير الزور والحسكة وقسم من ريف حلب. كما تطلب "قسد" اعترافاً دستورياً بـ"الإدارة الذاتية" التابعة لها، وبالمناطق ذات الغالبية الكردية وحدة سياسية في دولة اتحادية لامركزية. من جهتها، تريد دمشق دمج "قسد" بشكل إفرادي في الجيش السوري وعودة مؤسسات الدولة كافة إلى الشمال الشرقي من البلاد، ما يعني عملياً نهاية هذه القوات وأذرعها الإدارية والمدنية والسياسية، وهو ما تحاول تجنّبه من خلال المناورة التي كما يبدو لن تصبر دمشق وأنقرة عليها طويلاً.

كادار هوزان: الفصائل المنفلتة التي تدعي الاندماج في الجيش السوري تعمد إلى التصعيد بين الفينة والأخرى

وأمام هذا الاستعصاء السياسي، تبدو الأوضاع في شمال شرق سورية تتجه إلى التصعيد العسكري الذي حاول الجانبان تجنّبه منذ الثامن من ديسمبر، فـ"قسد" كما تشير تصريحات قيادييها، ليست بصدد تغيير موقفها، في مقابل موقف حكومي متصلب، وخصوصاً إزاء الدعوات الداعية إلى اللامركزية في سورية. وقال الشرع في تصريحات لصحيفة تركية، الجمعة الماضي، إن "المجتمع السوري غير مهيأ لمناقشة الفيدرالية"، معتبراً القانون 107 (قانون سوري للإدارة المحلية صدر في عام 2011)، يوفر بالفعل ما نسبته 90% من اللامركزية الإدارية.

وتعليقاً على التصعيد العسكري والتراشق بالبيانات ما بين دمشق و"قسد"، رأى المحلل العسكري العميد فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الدائرة بدأت تضيق على مليشيات قسد واحتمالية قيام عمل عسكري ضدها قد يكون قد اقترب أوانه". وتابع: "ألمح الرئيس السوري أحمد الشرع إلى ذلك بقوله الجمعة إن تركيا قد تقوم بعمل عسكري ضد قسد قبل نهاية العام، إذا لم تستكمل اندماج مؤسساتها المدنية والعسكرية بالدولة السورية تنفيذاً لاتفاق مارس". وبرأيه فإن "الدولة السورية وتركيا تسعيان إلى حلّ سلمي لدفع قسد للاندماج مع دمشق، لكنهما لن تترددا في شنّ عملية عسكرية ضدها، في حال تعنتها ومماطلتها في تنفيذ مضامين الاتفاق".

ولكن الأسمر رأى أن العملية العسكرية في حال حدوثها ستكون "محدودة وليست شاملة وواسعة"، مضيفاً أن "الهدف منها هو إضعاف موقف قسد ووضع حدّ لتشددها، وإجبارها عن طريق الضغط العسكري على تقديم تنازلات من شأنها أن تسهم في عملية استقرار الدولة السورية وسيطرتها على كامل أراضيها". وأعرب عن اعتقاده بأن "الظروف والأجواء السياسية المعقدة المحيطة بالملف السوري والتحديات الأمنية الداخلية والخارجية، ناهيك عن التحديات المعيشية والاقتصادية والخدمية ومسائل إعادة الإعمار، تُثقل كاهل الدولة السورية وتقيّد أي عمل عسكري ضد قسد". ولفت كذلك إلى أن "عدم وضوح موقف واشنطن أو وجود ضوء أخضر منها لدمشق وأنقرة للتعامل العسكري مع ملف قسد يعرقل بدء عملية عسكرية واسعة، ولكن هذا كلّه لن يقف عائقاً طويل الأمد، في ظل نفاد صبر دمشق وأنقرة على هذه القوات التي تماطل في تنفيذ الاتفاق".

في المقابل، استبعد كادار هوزان، مدير مؤسسة "كرد بلا حدود" في باريس، في حديث مع "العربي الجديد"، حدوث مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين دمشق و"قسد". واتهم ما سمّاها بـ"الفصائل المنفلتة التي تدّعي الاندماج في الجيش السوري" بالتصعيد بين الفينة والأخرى لـ"السيطرة على نقاط تابعة لقوات قسد"، معرباً عن اعتقاده بأن "بيان قوات قسد حول المجزرة التي حدثت في ريف حلب السبت كان واضحاً، أما بيان وزارة الدفاع فكان ركيكاً"، وفق تعبيره. وأضاف: "أهل المنطقة يعرفون الجهة التي قصفت ما أدى إلى حدوث المجزرة"، مبيناً أنه "من طرف قوات قسد لا يوجد أي تصعيد، وهي تدعو دمشق إلى التهدئة وضبط الفصائل المنفلتة في ريف حلب كي لا تتجه الأوضاع إلى تصعيد".

المساهمون