تفرض الولايات المتحدة، بدءاً من اليوم الأحد، العقوبات الأممية على إيران من طرف واحد، في محاولة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحقيق مبتغاه بدفن الاتفاق النووي، بالتوازي مع مسابقته الوقت وتقديم المزيد من الإغراءات للناخب الأميركي على بعد أسابيع قليلة من موعد الاستحقاق الرئاسي في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. إلا أنّ واشنطن تكاد أن تكون وحيدة ضدّ الجميع في هذا التوجه، إذ تعترض عليه روسيا والصين بالإضافة إلى الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا، مع إعلانهم أخيراً، أنّ إعفاء إيران من العقوبات الأممية مستمر بعد 20 سبتمبر/أيلول الحالي. لكن الإصرار الأميركي على التصعيد ضد إيران ينتظر أن يفتح باباً جديداً من المواجهة بين الأوروبيين وإدارة ترامب التي سبق أن هاجمت بعنف الدول الأوروبية الثلاث بعد رفضها دعم المحاولة الأميركية لتمديد فرض حظر الأسلحة على طهران منتصف أغسطس/آب الماضي في مجلس الأمن. كما لن تكون العلاقات الأوروبية الإيرانية بمنأى عن التوتر لا سيما أن طهران تعتبر أن الشركاء الأوروبيين لم يفعلوا أي شيء عملي في مواجهة الخطوات الأميركية المتتالية. وتأتي هذه التطورات بينما تتواصل السجالات الكلامية الأميركية الإيرانية عن بعد، فيما دخلت حاملة طائرات أميركية الخليج عبر مضيق هرمز منذ يوم الجمعة.
واليوم الأحد، انقضت مهلة الشهر الواحد بعد إخطار الإدارة الأميركية، في العشرين من الشهر الماضي، مجلس الأمن الدولي بتفعيل آلية "فض النزاع" التي يعاد بموجبها فرض العقوبات الأممية على إيران، والمنصوص عليها في الاتفاق النووي لحل الخلافات بشأن تنفيذه، بحجة "انتهاكات" إيران، على الرغم من أن واشنطن نفسها كانت قد انسحبت من الاتفاق قبل أكثر من عامين. وعليه، أعادت واشنطن فرض جميع العقوبات الأممية على إيران، المرفوعة بعد التوقيع على الاتفاق النووي في العام 2015، بنص القرار 2231 الأممي الصادر عن مجلس الأمن بعد أسبوع من الاتفاق. وقللت الحكومة الإيرانية، من جهتها، من أهمية الخطوة الأميركية أخيراً، مؤكدة على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، أنّ العشرين من سبتمبر (أي اليوم) "لن يحدث فيه شيء جديد"، على الرغم من مواصلتها التهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي.
بريطانيا وفرنسا وألمانيا: إعفاء إيران من العقوبات مستمر
وظهر أنّ إيران بنت قناعتها هذه على رفض واسع واجهته الإدارة الأميركية في مجلس الأمن بشأن طلبها تفعيل آلية "فض النزاع"، إذ رفض 13 عضواً من أصل 15 الخطوة، من بينهم جميع الشركاء المتبقين في الاتفاق النووي، أي الصين، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا، مؤكدين أنّ أميركا لا يحق لها استخدام الآلية لانسحابها من الاتفاق وزوال عضويتها بعد ذلك.
ومساء الجمعة، أبلغت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مجلس الأمن الدولي أنّ إعفاء إيران من عقوبات الأمم المتحدة بموجب الاتفاق النووي، سيستمر بعد 20 سبتمبر. وفي رسالة للمجلس، قال مبعوثو بريطانيا وفرنسا وألمانيا لدى الأمم المتحدة، إن أي قرار أو إجراء لإعادة فرض العقوبات "سيكون بلا أي أثر قانوني".
إلا أن واشنطن من جهتها رفضت هذه المواقف، مسندة خطوتها لتفعيل آلية "فض النزاع" إلى تفسيرها القانوني الخاص، أولاً من خلال الفصل بين الاتفاق النووي والقرار 2231، قائلة إن القرار صدر عن مجلس الأمن، وهي عضو فيه، ويحق لها استخدام الآليات الواردة في قراراته. وثانياً تقول واشنطن إن القرار ينص على أن "أي دولة مشاركة" في "خطة العمل الشاملة المشتركة" (الاتفاق النووي) يمكنها استخدام آلية "فض النزاع".
وسط هذا الجدل، انتهت مهلة الشهر، من دون أن يُحسم هذا النزاع القانوني، عبر آليات داخل مجلس الأمن أو من خارجه في محكمة العدل الدولية. ولم تتجاوز مواقف هؤلاء الشركاء إطارها الكلامي الرافض، إلى خطوات عملية قانونية تتصدى للتوجه الأميركي.
وتقول السلطات الأميركية إن هذا التفعيل يحيي القرارات الأممية الستة الصادرة ضد إيران في مجلس الأمن والملغاة بفعل القرار 2231. وإحياء هذه القرارات يعني إعادة فرض جميع العقوبات الأممية على إيران. وتستهدف العقوبات الأممية بالأساس البرامج النووية والصاروخية والعسكرية الإيرانية، إذ بموجبها تم فرض الحظر التسليحي على إيران، والذي سينتهي في 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، سواء لجهة استيرادها الأسلحة أو تصديرها، وحظر تخصيب اليورانيوم بأي مستوى كان. كما فرضت عقوبات على أشخاص وكيانات مرتبطة بالبرنامجين النووي والصاروخي، فضلاً عن منع بيع تقنيات وسلع، يمكن أن تكون لها استخدامات فيهما. كما تجيز تلك العقوبات تفتيش الشحنات الجوية والبحرية من إيران وإليها، للتأكد من أنها لا تتضمن مواد ومعدات محظورة. والخطورة أن هذه العقوبات فرضت على إيران تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة العسكرية في حالات معينة، لمواجهة التهديدات ضد السلام الدولي.
وأما عن تطبيق هذه العقوبات، على ضوء الخلافات بين واشنطن وأعضاء مجلس الأمن، باستثناء جمهورية الدومينيكان، بشأن قانونية تفعيل آلية "فض النزاع" من عدمها، فقد لجأت الإدارة الأميركية إلى ورقة التهديد بفرض عقوبات قاسية على أي دولة ترفض الالتزام بهذه العقوبات الأممية، اعتباراً من 20 سبتمبر الحالي. ونقلت وكالة رويترز منذ يوم الخميس الماضي عن مصادر مطلعة أن يخطط لإصدار أمر تنفيذي ينص على فرض عقوبات على أي جهات تقوم بتصدير الأسلحة لإيران.
وفي خضم هذه التطورات، فإن السؤال الأبرز اليوم يدور حول خيارات طهران في مواجهة الوضعية الأممية الجديدة التي تؤسس لها واشنطن، لتدويل مواجهتها معها. وثمة خيارات أمام طهران، وفق مراقبين، يمكنها الاحتماء بها في حال رأت أن العقوبات الأممية قد عادت فعلاً، وأن شركاء الاتفاق النووي ملتزمة بها. وهذه الخيارات أربعة، يمكن أن تطبق جميعها في آن واحد، أو بشكل متدرج ومتصاعد، وهي الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق النووي، وإنهاء العمل بالبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي فُرضت بموجبه رقابة مشددة على برنامجها النووي، وإعادة وضعية برنامجها النووي إلى ما قبل التوقيع على الاتفاق، وصولاً إلى الخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. لكن يستبعد أن تلجأ طهران إلى أي من هذه الخيارات، قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية، لعلها تطيح ترامب وتأتي بمنافسه جو بايدن، والذي ربما يتبع مساراً مختلفاً عن الرئيس الحالي.
إيران: ما يفعله ترامب دعاية لكسب الرأي العام الأميركي
وفي ظل هذه الأجواء، قال مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، وهو عضو اللجنة الإيرانية الداخلية للإشراف على تنفيذ الاتفاق النووي، أمس السبت، إن "ما يفعله ترامب ليس إلا دعاية وضجة ومحاولة لكسب ود الرأي العام الأميركي". وأضاف ولايتي لوكالة "تسنيم" بشأن رد فعل إيران على خطوة الولايات المتحدة لتفعيل آلية "فض النزاع"، إن "موقف الجمهورية الإسلامية واضح جداً، أولاً لا يمكن لها الالتزام بالاتفاق النووي من جانب واحد من دون أن تنفذه بقية الأطراف، ثانياً الأميركيون انسحبوا من الاتفاق ومزاعمهم حول تفعيل الآلية باطلة".
في المقابل، هاجم ولايتي، جميع شركاء الاتفاق النووي، قائلاً إن "أيا منهم لم ينفذوا تعهداتهم تجاه الاتفاق وأطلقوا وعوداً فقط وشاركوا بشكل مباشر وغير مباشر في العقوبات الأميركية". وفي خضم هذه التوترات، أعلنت البحرية الأميركية أنّ حاملة طائرات تابعة لها وبوارج بحرية مرت عبر مضيق هرمز لتدخل الخليج أول من أمس الجمعة. وذكر الأسطول الأميركي الخامس في بيان أنّ مجموعة هجومية بقيادة حاملة الطائرات "نيميتز"، تضم طرّادين مزودين بصواريخ موجهة ومدمرة مزودة بصواريخ موجهة، أبحرت في الخليج للعمل والتدريب مع شركاء أميركيين ودعم التحالف الذي يقاتل تنظيم "داعش".