تصريحات ماكرون تجدد الجدل بشأن "قانون تجريم الاستعمار" في الجزائر

تصريحات ماكرون تجدد الجدل بشأن "قانون تجريم الاستعمار" في الجزائر

04 أكتوبر 2021
مشروع القانون يحظى بدعم الأحزاب الكبرى في الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -

مع كل أزمة سياسية بين الجزائر وفرنسا، يكون ملف الذاكرة أحد أبرز عواملها؛ يتجدد النقاش السياسي في الجزائر، حول مشروع "قانون لتجريم الاستعمار"، وهو مشروع لا يثير الجدل في مضمونه، ولكن في كون كل الأطراف السياسية العضوة في البرلمان والحكومة أيضاً، ترغب في إصداره رداً على قانون فرنسي صدر قبل 16 عاماً يتعلق بتمجيد الاستعمار، غير قادرة على تحرير المبادرة النيابية، وتنساق في الوقت نفسه إلى خيارات السلطة السياسية في الجزائر، والتي تفرض تعطيل المصادقة عليه في كل مرة لأسباب غير معلنة.

وعادت دعوات إصدار قانون "تجريم الاستعمار" إلى الواجهة تزامناً مع التصريحات المثيرة للجدل، للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتجاه الجزائر. حيث دعت "حركة البناء الوطني"، التي تشارك في الحكومة، اليوم الإثنين، البرلمان إلى إطلاق مبادرة "لمناقشة وإقرار قانون تجريم الاستعمار وما يتبعه من إجراءات المتابعة القانونية في الجرائم الاستعمارية كجرائم ضد الإنسانية والاعتذار والتعويض".

كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، "حركة مجتمع السلم"، اعتبرت أن الوقائع السياسية الأخيرة، تفرض على السلطات الجزائرية استخلاص الدروس واتخاذ الإجراءات الفعلية التي يتطلع إليها الشعب الجزائري للقطع مع ما تعتبره العهد الكولونيالي، خاصة ما يتعلق بالسماح للبرلمان بإصدار "قانون تجريم الاستعمار"، على أن يكون ذلك متزامناً مع إصدار "قانون منع استعمال اللغة الفرنسية في الوثائق والخطاب والاجتماعات الرسمية"، وتفعيل قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وهو قانون كان وقعه الرئيس السابق ليامين زروال، لكن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعاد تجميد العمل به.

وينحاز حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، المشارك في الحكومة إلى هذا الطرح، إذ طالب في بيان رداً على تصريحات ماكرون بـ"حث الحكومة على رفع التجميد عن قانون التعريب وتفعيله، والمطالبة بإنهاء الوصاية اللغوية الفرنسية في الإدارات والهيئات العمومية، مع إبراز البعد الحضاري والثقافي للأمة الجزائرية بمختلف الآليات"، وباحتساب مجموعة نواب الكتل النيابية الثلاث؛ "حركة مجتمع السلم" و"حركة البناء الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، إضافة إلى نواب أحزاب أخرى؛ فإن تمرير "قانون تجريم الاستعمار" يصبح ممكناً نظرياً، لكن السؤال يبقى معلقاً بشأن دواعي تعطيله، إلا إذا قدرت السلطة السياسية وطبيعة الأزمة الجديدة مع فرنسا ضرورة تمريره.

وطرحت أول مبادرة لسن قانون لتجريم الاستعمار في البرلمان الجزائري عام 1984، لكن المشروع حفظ حتى عام 2001، حيث قام النائب في البرلمان محمد أرزقي فراد بتجديد طرح المشروع مجدداً، لكنه أخفق في تمريره، وفي العهدة النيابية بين 2007 و2012، أعادت كتلة من النواب، يتصدرهم النائب موسى عبدي، طرح المشروع وجمع توقيعات بلغت 114 نائباً، رداً على إقرار الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)عام 2005، لقانون يمجّد الاستعمار، واعتبار أن فرنسا قامت بنقل الحضارة إلى الجزائر والشعوب المستعمرة، ويصفه بالعمل الحضاري. لكن مكتب البرلمان برئاسة عبد العزيز زياري، رفض المشروع بضغط من الرئاسة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يعتبر أن القضايا المتعلقة بالسياسات الخارجية والعلاقات مع الدول من صميم صلاحياته وحده.

ويستهدف المشروع تجريم كل أشكال الاستعمار، وإلزام الدولة الجزائرية ببذل الجهد اللازم لإجبار فرنسا على الاعتراف الرسمي بجرائمها في الجزائر، وتقديم اعتذار رسمي للجزائريين وتعويضات مادية عن الأضرار التي لحقت الأمة الجزائرية نتيجة لذلك، كما ينص على حماية الذاكرة وتجريم كل من يؤيد الطروحات الاستعمارية أو يقلل من الجهد النضالي التحرري للمقاومة الجزائرية ومعاقبته، خاصة بعض الكتاب والإعلاميين الذين يخلطون بين مواقفهم المناوئة للسلطة، وينشرون كتابات تزعم بأن الوضع في زمن الاستعمار الفرنسي كان أفضل من زمن الاستقلال.

وتذهب بعض التفسيرات السياسية إلى أن السلطة في الجزائر، والتي تتحكم في البرلمان وتعطل كل مبادرة نيابية، كانت تستغل في ظروف معينة فكرة مشروع قانون تجريم الاستعمار، لدواعي التلويح بالضغط السياسي على فرنسا، وقال الكاتب والناشط السياسي محمد أرزقي فراد، والذي كان وراء مبادرة نيابية لسن القانون عندما كان نائباً عام 2001، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إن السلطة هي التي كانت تقف وراء تعطيل المبادرة النيابية، حيث كانت تفرض هيمنتها على البرلمان وعلى قرار الأحزاب التي كانت تشكل الأغلبية، على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، خلال العهدات السابقة منذ عام 1997، وهي من تقدم على إحباط تمرير المشروع"، مشيراً إلى أن ذلك لا يعفي الأحزاب من مسؤوليتها السياسية والأخلاقية إزاء قضية تاريخية بالغة الأهمية.

لكن النائب في البرلمان المنتخب في يونيو/حزيران الماضي، يوسف عجيسة، أبدى تفاؤلاً كبيراً بإمكانية أن تسهم التغيرات التي شهدتها الجزائر بعد الحراك الشعبي، وتحرر الجيل الجديد من النواب نوعا ما من ضغوط السلطة، وطبيعة التهجمات السياسية غير مسبوقة ضد الجزائر؛ في تحرير المبادرة النيابية وتمرير قانون تجريم الاستعمار، وكشف عن مبادرة نيابية تذهب في هذا السياق، خاصة وأن عدداً من الأحزاب بات يتبنى المشروع.

المساهمون