تصريحات فانس بشأن غرينلاند تشعل موجة غضب في الدنمارك: صفعة أميركية

29 مارس 2025   |  آخر تحديث: 15:30 (توقيت القدس)
رئيسة وزراء الدنمارك ميته فريدركسن خلال مؤتمر صحافي في كوبنهاغن، 16 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصريحات نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في غرينلاند أثارت استياء الدنماركيين، حيث شجع الغرينلانديين على الانفصال عن الدنمارك، مما أدى إلى شعور بالمرارة في الدنمارك.
- ردود فعل دنماركية غاضبة تصاعدت بعد تصريحات فانس، حيث اعتبرتها الدنمارك "صفعة أميركية"، ودعا سياسيون إلى إعادة النظر في العلاقة مع الولايات المتحدة.
- تلقى الموقف الدنماركي دعماً من الدول الإسكندنافية، مؤكدين على احترام سيادة الدول، بينما أكدت رئيسة وزراء الدنمارك استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة تحت مظلة حلف شمال الأطلسي.

استفاقت الدنمارك على وقع كلمة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس خلال زيارته القصيرة رفقة آخرين إلى قاعدة بتوفيك (ثولا) في غرينلاند أمس الجمعة. تكرار فانس القول إنّ الحلفاء الدنماركيين قصّروا ولم يقوموا بدورهم طوال العقود الأخيرة أثار مشاعر من المرارة والخيبة في الدنمارك، لتدخّله في سيادة بلدهم، ودغدغته لمشاعر الغرينلانديين وتشجيعهم على "تقرير المصير للخروج من تحت المظلة الدنماركية إلى المظلة الأميركية الأفضل لهم".

صدمة التذكير بقنابل اليابان

وبدت الساعات الأخيرة هي الأصعب، وفق وصف الدنماركيين، في رسوخ علاقة الحليفين منذ ما بعد الاحتلال النازي للبلد في عام 1940، فالشعب الدنماركي الصغير (نحو 5.6 ملايين نسمة) لم يشعر بالصدمة نتيجة كلمة فانس فحسب، بل زاد منها تلازمها وحملة ضاغطة قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنشره فيديو على منصته تروث سوشال عن تضحيات أميركا لمنع الألمان من احتلال غرينلاند، وعن "علاقة مُتخيّلة" مع شعب الجزيرة.

والأسوأ بالنسبة للدنماركيين أن المحطة الإعلامية الموالية لترامب "فوكس نيوز"، وبالتوازي مع لسعات فانس، ذكّرت الحلفاء الدنماركيين، الذين شاركوها في حروبها الخارجية في العقود الأخيرة، بقوة أميركا بالقول: "ألقينا قنابل ذرية على اليابان، والآن أصبحوا حليفاً رئيسياً لنا في المحيط الهادئ".

وقال المعلق السياسي المحافظ في المحطة جيسي واترز: "إن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى أصدقاء. وإذا كان علينا أن نحرق بعض الجسور مع الدنمارك للاستيلاء على غرينلاند... فنحن الكبار"، واعتبر واترز أن أميركا "ليست مقيّدة بالتاريخ".

كرة ثلج غرينلاند تكبر.. الدنمارك ترفض "الإهانة"

تناقلت صحف ووسائل إعلام كوبنهاغن ما بثّه ترامب و"فوكس نيوز" وكلمة فانس، ما أضاف أبعاداً أخرى إلى مشاعر الخيبة من تدحرج كرة ثلج غرينلاند بصورة عشوائية في علاقة الحليفين، إذ إنّ نزع القفازات الدبلوماسية الأميركية لم يعد ينعكس على المستوى السياسي فحسب، بل يمكن تلمّسه شعبياً في دعوات للتظاهر أمام السفارة الأميركية، وتوسع حملة مقاطعة بضائعها، ومثل هذه التحركات لم يشهدها البلد منذ حقبة أواخر ستينيات وفي سبعينيات القرن الماضي ضدّ سباق التسلّح الأطلسي والأسلحة النووية وحرب فيتنام.

وعلى المستوى الرسمي الدنماركي والمتوافق مع الشعبي، فقد اعتبر في وقت متأخر من ليلة أمس أن ما يجري هو "صفعة أميركية"، واضطر وزير خارجية الدنمارك لارس لوكه راسموسن للرد على وسائل التواصل الاجتماعي مخاطباً الأميركيين بصورة مباشرة بالقول: "هذه ليست الطريقة التي تتحدث بها مع حلفائك المقربين"، وشدد على أنه يرفض النبرة التي يخاطبهم من خلالها حليفهم الأميركي.

والتبريرات الأميركية التي كررها فانس، في كلمته أمس، تركزت على أن "روسيا والصين تعملان على تعزيز وجودهما في المنطقة القطبية الشمالية"، مستعرضاً محاولات بكين الضغط على غرينلاند، وبأن دعم بلاده لحق تقرير المصير لشعبها يعني حياة أفضل بكثير من حياته تحت المظلة الدنماركية، هذا رغم أن أغلبية الأحزاب وسكان الجزيرة يكررون رفضهم لرغبات ترامب وأن جزيرتهم ليست للبيع.

ويلقى تصوير فانس للدنمارك وكأنها تستغل بلاده، دفاعياً، وبأنها منقذة لشعب غرينلاند، رفضاً حزبياً وشعبياً، وقلقاً على وحدة كومنولث مملكتهم (الدنمارك وغرينلاند وجزر الفارو)، إذ لم يخف فانس دوافع أخرى للسيطرة تتعلق بالموارد الطبيعية والمواد الخام النادرة في غرينلاند، محذراً من ترك بكين وموسكو يستغلان الفراغ.

التدخل في الشؤون الداخلية لتأليب الغرينلانديين على كوبنهاغن اعتبره وزير العدل الدنماركي الأسبق، هانس إنغل "واحدة من أكبر الصفعات التي تلقيناها في الآونة الأخيرة"، وأكد إنغل أن الخطاب هو"إهانة هائلة وجهها فانس إلى الدنمارك"، وقال زعيم حزب راديكال فينسترا (يسار وسط) ووزير الخارجية الأسبق مارتن ليدغارد إن "الزيارة خاطئة وفي توقيت خاطئ، وفيها خطاب خاطئ، والكثير من التصريحات غير المحترمة وغير الصحيحة عن الدنمارك"، ودعا اليسار الدنماركي في حزب إنهدسليستا (اللائحة الموحدة) قبل ظهر اليوم السبت إلى "التوقف عن اعتبار أميركا حليفاً يعتمد عليه".

وبكثير من القلق على وحدة كومنولث المملكة الدنماركية، وصفت رئيسة حكومتها ميته فريدركسن، تصريحات فانس بأنها "غير عادلة". وينسجم امتعاض فريدركسن مع المزاج العام في الشارع ولدى أغلبية الأحزاب البرلمانية في كوبنهاغن ونووك، عاصمة غرينلاند، وينظر هؤلاء إلى تصرفات أميركا على أنها تدخل في السيادة ومحاولة تصوير كوبنهاغن كأنها فاشلة تماماً في الجزيرة.

وقدّمت فريدركسن، فجر اليوم السبت، ما يشبه جردة حول ما قامت به بلادها وما يمكن القيام به على مستوى المزيد من المراقبة والدفع بسفن جديدة إلى القطب الشمالي، بالإضافة إلى نشر طائرات بدون طيار بعيدة المدى، وتعزيز المراقبة بالأقمار الصناعية، مذكرة فانس مرة أخرى بأن غرينلاند والقطب الشمالي مسائل "تخصّ حلف شمال الأطلسي (ناتو) وجميع حلفاء القطب الشمالي". وأكدت، في الوقت نفسه، استعداد بلدها "ليلاً ونهاراً" للتعاون مع الأميركيين "وعلى أساس قواعد اللعبة الدولية الضرورية"، وخصوصاً تحت مظلة "الأطلسي".

ويلقى الموقف الدنماركي تضامناً أوروبياً، وخصوصاً في المنطقة الإسكندنافية، فقد عبرت كل من السويد والنرويج اليوم عن تضامنهما التام مع "سيادة مملكة الدنمارك" و"ضرورة التقيّد بالمبدأ الأساسي في القانون الدولي في احترام سلامة أراضي وسيادة الدول".

المساهمون