قوبلت تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي السابق وزعيم حزب "دواء" علي باباجان، بشأن توجه المعارضة لفتح ملف المسيّرات التركية والصناعات الدفاعية بعد توليها السلطة، بردود فعل منتقدة.
واتهم باباجان، وهو المنشق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحد أعضاء الطاولة السداسية للمعارضة، الحكومة بدعم شركة "بايكار" فقط المصنعة لمسيرات "بيرقدار تو بي" الشهيرة.
وقال باباجان، خلال لقاء تلفزيوني، أمس الإثنين، على قناة "فوكس" الخاصة: "توليت منصب وزارة الخارجية وأعلم جيداً أهمية المسيرات، وكنت على مدار 8 سنوات عضواً لمجلس الأمن القومي، وأدرك حاجة البلاد وارتباطها للخارج، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ولهذا من الضروري دعم مشاريع الدفاع الوطنية".
وأضاف: "لكن كل هذه الجهود إن جرت عبر شركات مختلفة وليس عبر شركة واحدة فقط (بايكار) ستؤدي إلى منافسة وسباق، وتقديم الدعم الحكومي بشكل كبير لجهة واحدة فقط والمضي مع شركة واحدة أمر مخالف لمفهومنا في الاقتصاد والدفاع".
وأكمل: "هناك شركات كثيرة، ولكن الدولة يجب أن تقوي الشركات وفق معايير شفافة، وتقوية هذه الشركات بشكل عادل ودعمها، ولكن عبر شركة واحدة أمر غير جيد على المدى البعيد، وبعد تولينا الحكم سنكشف عن كافة الوثائق، لأنه لا توجد شفافية بمسائل الصناعات الدفاعية".
ويعد قطاع الصناعات الدفاعية من أبرز المجالات التي سجلت لصالح حزب العدالة والتنمية، وخاصة في السنوات الأخيرة، مع بروز دور المسيرات في الحروب الحديثة، واستخدامها ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني شمال العراق وشمال سورية منذ سنوات، وضد قوات النظام فوق إدلب بداية 2020، فضلاً عن دور هذه المسيرات في حرب أذربيجان وأرمينيا بإقليم ناغورنو كراباخ قبل عامين، والحرب في ليبيا والحرب الروسية الأوكرانية.
وتصدر شركة "بايكار" المصنعة لمسيرات بيرقدار أنواعاً من تلك المسيرات إلى 27 دولة مختلفة، وأبرز مهندسي الشركة سلجوق بيرقدار هو صهر الرئيس رجب طيب أردوغان.
ولم تصمت الشركة المصنعة "بايكار" إزاء تصريحات باباجان، مشددة على أن مصادر تمويلها ذاتية ولا تتلقى دعماً من الحكومة.
وقال رئيس مجلس الإدارة خلوق بيرقدار، الأخ الأكبر لصهر الرئيس رجب طيب أردوغان، في تصريح تلفزيوني على قناة "خبر تورك"، أمس الاثنين: "الموضوع يظهر بشكل معكوس 180 درجة، باباجان يقول إنه كان في مجلس الأمن القومي 8 سنوات، فلماذا لا يقول ماذا هي مسيرات بيرقدار التي يتحدث عنها العالم؟".
وأضاف: "الشركة لها مرحلة من التطوير تصل إلى 20 عامًا، وتعمل بإمكانياتها الذاتية بنسبة 100٪، نحن من أكبر شركات العالم، ونعرف أهمية ذلك بمستقبل البلاد، ونسير بخطى دون أي تفاهم مع أي نظام حكم في تركيا، بإمكانيات ذاتية".
من جهته، قال وزير الدفاع خلوصي أكار، اليوم الثلاثاء: "ارتفعت نسبة المنتجات الوطنية إلى 80٪ بدعم من الرئيس رجب طيب أردوغان للصناعات الدفاعية، وشكلت المسيرات والمدافع نقطة فخر وطنية، ومن الطبيعي أن تزعج الدول الأخرى، ولكن أن تكون هناك أطراف محلية منزعجة تعبر عن ذلك فإنه أمر غير مقبول، وعدم احترام للكوادر الوطنية".
بدوره، رد زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، حليف حزب العدالة والتنمية الحاكم، على كلام باباجان أيضاً بالقول بكلمة الثلاثاء أمام كتلة حزبه البرلمانية: "تشويه سمعة الشركة التي تصدر منتجاتها إلى 27 دولة، و75٪ من مصادر ربحها من التصدير يعتبر عملاً غير وطني".
كذلك، قال رئيس الصناعات الدفاعية التابعة لرئاسة الجمهورية إسماعيل دمير، في تصريحات صحافية اليوم الثلاثاء: "التصريحات تلقي بظلالها على جهود وعرق كل عامل، وتلطخ كل هذه المرحلة من النجاح عبر مقاربات وافتراءات نأسف عليها، جميع التمويلات المتعلقة بمسيرات بيرقدار جرت بجهود ذاتية من الشركة".
الكاتب والصحافي إسماعيل تشوكتان قال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "من المرجح بأن تصريحات باباجان ليست مبرمجة من قبل ما يسمى الطاولة السداسية، وحديثه أن شركة بايكار هي الشركة الدفاعية الوحيدة التي تحصل على دعم مالي من الدولة كلام عار عن الصحة، لأن الدولة تدعم أيضاً شركات توساش، وأسيل سان، وهافيلسان الدفاعية وغيرها".
وأضاف: "لا شك أن قطاع الصناعات الدفاعية هو قطاع جديد في تركيا، ومن الطبيعي أن تحصل مثل هذه النقاشات في الأوساط السياسية التركية، نظراً لأن هذا القطاع كان يعتمد تماماً على الدعم الخارجي قديماً، وشركة بايكار غيّرت المعادلة".
وأردف: "هناك تغيرات كبيرة في السياسة التركية في الأعوام الأخيرة منذ تولي العدالة والتنمية الحكم، فقد انحسر دور الجيش في السياسة، والمعارضة لا تريد تقبل ذلك، ورغم مواقف المعارضة من الحكومة في هذا الملف، إلا أن رئيس حزب البلد المعارض محرم إنجه أعلن بأنه لن يسمح لأحد أن يمس هذا القطاع، ويمكن القول إن تركيا تحتاج لمزيد من الوقت حتى تمنح لقطاع الصناعة الدفاعية موقعاً فوق السياسة".
وختم بالقول: "لابد من استمرار هذه الإنجازات في الصناعات الدفاعية، إذا كانت تريد تركيا أن تبني قوتها العسكرية المستقلة في المرحلة القادمة، هذه المرحلة ستكون صعبة جداً وستحتاج كل دولة لمواردها العسكرية الخاصة، لذلك فأياً كان في الحكم بتركيا سيحتاج لإمكانيات يتيحها هذا القطاع، والخلاصة فإن المساس بالشركات الدفاعية خطأ كبير في حال قامت به المعارضة عند وصولها إلى الحكم".
من جهته، قال المحلل السياسي محمد جيرين، لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع الصناعات الدفاعية يعد من أقوى أوراق الرئيس أردوغان الانتخابية، وارتباط شركة بايكار بصهره تجده بعض أطراف المعارضة مساحة للتصويب على الرئيس أردوغان في مرحلة ما قبل الانتخابات، ولهذا لجأ باباجان إلى هذه الحملة، إلا أنه لم يتلق دعماً أو دفاعاً من بقية حلفائه في الطاولة السداسية، لأن الطعن في هذا الملف بحاجة إلى دقة كبيرة في تناوله".
وشرح ما ذهب له بالقول: "هناك شعبية واسعة للمسيرات التركية في البلاد، والرأي العام يدرك دورها في الحروب الأخيرة، وبدلاً من قيادة الشعب إلى مساحات مربكة ذات نظرة ضبابية، من مثل تصريحات باباجان، يمكن أن تقدم المعارضة أفكاراً مع تبني المسيرات ومشاريع جديدة، ومحاولة سحب هذه الورقة بطريقة أخرى، مثل طرح أن تكون مسألة فوق السياسة، لعدم استثمارها سياسياً من قبل أي طرف عندها قد تنجح طروحات المعارضة".