تصاعد القلق المصري من مشاركة "فاغنر" في النزاع السوداني

تصاعد القلق المصري من مشاركة "فاغنر" في النزاع السوداني

01 مايو 2023
روسيان أمام مقر "فاغنر" في سانت بطرسبورغ، نوفمبر 2022 (Getty)
+ الخط -

يتصاعد منسوب القلق المصري تجاه الصراع الدائر في السودان، لا سيما في ظل معلومات عن انتقال مقاتلين تابعين لمجموعة "فاغنر" الروسية إلى السودان من أجل دعم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو الأمر الذي يرى مراقبون أنه "غير مقبول على الإطلاق" من جهة القاهرة، التي ترى فيه تهديداً لأمنها القومي.

وأكدت مصادر غربية، لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة نقلت مخاوفها إلى حكومات غربية، وقدّمت تفاصيل بشأن انتقال قوات تابعة لشركة "فاغنر" من ليبيا إلى السودان دعماً لحميدتي.

وتجلّى القلق المصري في تصريحات وزير الخارجية المصرية سامح شكري، الذي أكد، خلال اتصال أجراه القائم بأعمال وزير خارجية جنوب السودان دينغ داو، أن "مصر وجنوب السودان من أكثر الدول تأثراً بالنزاع الجاري في السودان، لا سيما في ظل وجود حدود مشتركة كبيرة تجمع بين الدولتين ودولة السودان".

قلق مصري من اتفاق حميدتي و"فاغنر"

وفي السياق، كشفت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، وأخرى مصرية، أن القاهرة "أبدت، خلال اتصالات مع أطراف غربية، قلقها ورفضها إزاء اتفاق جرى خلال الأيام القليلة الماضية بين حميدتي وشركة فاغنر الروسية، بوساطة خارجية، يجرى بموجبه توسيع وزيادة نشاط المجموعات المسلحة التابعة للشركة لدعم قوات الدعم السريع".

عرضت القاهرة على مسؤولين غربيين معلومات استخبارية عن نقل "فاغنر" معدات عسكرية نوعية لقوات الدعم السريع

وقال دبلوماسي غربي في القاهرة، تحدث لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة "عرضت على مسؤولين غربيين معلومات استخبارية بشأن وصول مجموعة من المقاتلين السوريين التابعين لمجموعة فاغنر قادمة من أحد المعسكرات التابعة للمجموعة في سورية".

وبحسب المصدر، فإن "المعلومات التي نقلتها القاهرة تضمنت نقل معدات عسكرية نوعية، كانت بحوزة فاغنر الموجودة في ليبيا، إلى قوات الدعم السريع، وكانت من بين تلك المعدات إحدى منظومات بانتسير للدفاع الجوي".

كما كشف الدبلوماسي عن أن القاهرة "نقلت رسائل إلى الإدارة الأميركية، ومسؤولين غربيين، تفيد برفضها وجود أي عنصر أممي أو دولي على الأراضي المصرية عند المعبر الحدودي مع السودان، مشددة على أن هذا الأمر غير مقبول، وأنه إذا كانت هناك نيّة لنشر عناصر أو مسؤولين أمميين، فإنه لن يكون لهم مكان سوى عند الجانب السوداني".

رسالة تحذير إلى حفتر

في غضون ذلك، كشف دبلوماسي مصري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "وفداً أمنياً مصرياً رفيع المستوى زار شرق ليبيا خلال الأيام الماضية، والتقى بقائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر، لنقل رسالة تحذير من المسؤولين في القاهرة بشأن انخراطه في دعم قوات حميدتي، في ظل العلاقات الوثيقة بينهما".

وأوضح الدبلوماسي أن حفتر "أبلغ الوفد الأمني المصري، الذي التقاه في مقره في الرجمة شرقي ليبيا، أنه غير مسؤول عن أي دعم تقدمه مجموعة فاغنر لحميدتي، وأنه ليست له أي ولاية على مجموعة المقاتلين التابعين للشركة في ليبيا".

خبير حفظ السلام الدولي السابق في البلقان العميد المتقاعد أيمن سلامة رأى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "دخول مرتزقة إلى السودان، كما حدث في ليبيا وانضمامهم إلى أي طرف من أطراف النزاع سيكونان بمثابة برميل بارود مشتعل يحيق خطراً، ويشعل أتون الحرب أكثر مما هي مشتعلة ومستعرة".

ولفت سلامة، وهو عضو في المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أن "مصر تحدها مع السودان حدود مترامية وطويلة تصل إلى 1200 كيلومتر، وهذه الحدود، الدولية في معظمها، لم يتم ترسيمها حتى الآن، أي أنه لم يُوضع الكثير من العلامات الحدودية بموجب اتفاقية تعيين الحدود عام 1899، التي جرى توقيعها بين مصر وبريطانيا".

وقال سلامة إن "المسألة الخطيرة التي لها علاقة مباشرة وحيوية جداً بحالة السيولة السائدة الآن في السودان، باعتباره الدولة الكبيرة المتماسة مع مصر، هي أن الأمن القومي في السودان لا ينفصل على الإطلاق عن الأمن المصري بمشتملاته وأركانه، سواء كانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية أو ثقافية".

وأشار إلى أنه "سبق للحكومة السودانية في عهد الرئيس الراحل جعفر النميري أن طالبت مصر بمساعدتها عسكرياً في قصف الذين حاولوا الانقلاب على الحكم، وكان معظمهم من الشيوعيين، وذلك في حقبة الرئيسين المصريين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات".

وأضاف أنه "على الرغم من استقلال السودان عن الإدارة المصرية البريطانية في يناير/كانون الثاني 1956، لكن مئات الضباط المصريين المتخرجين من الكلية الحربية، منذ ذلك التاريخ وحتى منتصف الستينيات، كانوا يقومون بمهام في السودان من أجل الدفاع عنه، كشأن الضباط المصريين في سورية والعراق واليمن وغزة والعديد من الدول العربية الأخرى".

تداعيات كارثية لتقسيم ثانٍ للسودان

وشدد على أن "أي تقسيم ثانٍ للسودان، بعد التقسيم الأول بموجب مقررات اتفاق السلام ووقف إطلاق النار الدائم في نيفاشا بكينيا عام 2005، ستكون تداعياته الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كارثية، ولن يحيق بمصر خطر مثله".

أيمن سلامة: ستكون تداعيات أي تقسيم ثانٍ للسودان كارثية

وأضاف أن "مصر من أهم الدول التي من المفترض أن تتواصل معها كل جهود الوساطة الدولية، سواء كانت من (إيغاد)" أو حتى من باقي الدول من داخل الإقليم أو من خارجه". وتابع: "من المفترض أن تجرى استشارة مصر في الحالة السودانية، لأن التفاعل المصري السوداني، سواء كان على المستوى الرسمي أو الشعبي، كبير ومهم ومؤثر في أمن الإقليم".

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن إمكانية تدخل قوات أجنبية من ليبيا في الصراع السوداني وارد وبقوة، خصوصاً في ظل التحالفات الاستراتيجية القوية بين حميدتي ومجموعة فاغنر، وعدد من التشكيلات المسلحة التي تنطلق من الأراضي الليبية والتشادية".

واعتبر أن "طرفي الصراع السوداني لديهما أطراف خارجية يمكنهما الرهان عليها في عملية التدخل الخارجي عسكرياً، وقد تعددت التقارير التي تشير إلى حدوث مثل هذا التدخل بالفعل خلال تطور الصراع، خصوصاً أن الصراع لم تعد حدوده تقف عند التوازنات الإقليمية فقط، لكن أصبح يشمل أطرافاً دولية أخرى، مثل الولايات المتحدة باعتبارها عضواً في اللجنة الرباعية للاتفاق الإطاري في السودان في مواجهة روسيا عبر ذراعها الأمني ممثلاً في فاغنر".

وأضاف أنه "في ظل تضارب الأجندات الإقليمية والدولية، فمن الوارد جداً أن يكون هناك تدخل لأطراف خارجية عسكرياً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر". وتابع: "مصر حسمت خيارها في ما يتعلق بدعم الجيش السوداني بقيادة (عبد الفتاح) البرهان، وهي قد تضطر لاتخاذ مواقف أكثر وضوحاً إذا تدخلت فاغنر، بما يؤثر على توازن القوى العسكرية داخل السودان".