تصاعد الرفض الشعبي للإسرائيليين في أوروبا.. حوادث متكررة ومقاطعات شعبية
استمع إلى الملخص
- تتزايد حملات المقاطعة الشعبية في دول مثل الدنمارك، حيث يقود الفلسطينيون والمسلمون حملات ضد الشركات الداعمة لإسرائيل، مما يثير قضايا قانونية وأخلاقية.
- تواجه أوروبا تحدياً في التوفيق بين حرية التعبير ورفض التمييز، وسط اتهامات بازدواجية المعايير في تعاملها مع جرائم إسرائيل مقارنة بمواقفها من روسيا في أوكرانيا.
تشهد عدة دول في أوروبا موجة متصاعدة من الحوادث والمواقف التي تُظهر رفضاً علنياً للإسرائيليين أو من يُنظر إليهم كداعمين للصهيونية، في ظل تصاعد الغضب الشعبي من الحرب الإسرائيلية على غزة. وبينما يعتبر بعض مرتكبي هذه الأفعال أنها "مواقف سياسية" أو "احتجاج رمزي"، يرى بعض السلطات القضائية والقانونية ولوبيات صهيونية، في عدد من الدول، أن هذه التصرفات قد تمثل خرقاً صريحاً لقوانين مناهضة التمييز، بل "معادة للسامية".
حادثة متجر فلنسبورغ الألمانية: رفض علني يثير عاصفة سياسية
في مدينة فلنسبورغ الألمانية، فتحت الشرطة تحقيقاً رسمياً يوم أمس الخميس، بعد أن علّق صاحب متجر لافتة كتب عليها: "ممنوع دخول اليهود! لا شيء شخصياً، ولا حتى معاداة للسامية، لا أطيقكم". اللافتة، التي أزيلت لاحقاً بناءً على طلب الشرطة، أثارت موجة من الغضب، واعتبرها سياسيون ألمان، من بينهم نواب في حزب الخضر، بمثابة "تمهيد لخطاب كراهية خطير". صاحب المتجر برر فعلته بأنها احتجاج على "الإبادة الجماعية في غزة"، لكن ذلك لم يمنع الادعاء العام من المضي في التحقيق بتهم محتملة تتعلق بالتحريض على الكراهية. رفض صاحب المتجر الانتقادات الحادة والهجمات عليه من اللوبيات الصهيونية، في تصريح لصحيفة فلنسبورغ أفيس المحلية بالقول إن خطوته جاءت احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية في غزة، وليس بدافع معاداة السامية. وأضاف: "تتحدث الأمم المتحدة عن إبادة جماعية، ومع ذلك يستمرون في ذلك. لقد بلغ النفاق أبعاداً جديدة. لم أقم بذلك من أجل الضجة".
حوادث متكررة في مطاعم ومتاجر وأماكن إقامة
وتزايد مؤخراً التعبير عن الرفض الشعبي للتعاطي مع السائحين الإسرائيليين ومؤيدي الصهيونية، إذ لا تقتصر الحوادث على ألمانيا، بل تشمل دولاً أوروبية أخرى، وظهرت مؤشرات على رفض استقبالهم في مطاعم، متاجر، فنادق، وحتى شقق للإيجار. وهذه بعض أبرز الحالات المسجلة:
- مدينة فيغو الإسبانية، يونيو/ حزيران الماضي: طرد صاحب مطعم (إسباني من أصل لبناني) مجموعة سياح إسرائيليين قائلاً: "نحن لا نخدم قتلة". وفتحت السلطات تحقيقاً باعتبارها جريمة كراهية.
- برشلونة: سيدة يهودية جرى تجاهلها في مطعم "Bo de B" وتشغيل أغنية "My name is Palestine" أثناء وجودها، احتجاجاً على الإبادة في غزة.
- مدريد: مطعم نباتي أعلن نفسه "منطقة مناهضة للصهيونية"، ما أثار جدلاً واسعاً.
- فرنسا (ستراسبورغ): سائق توصيل طعام رفض خدمة زبائن من مطعم "كوشير"، وقال بوضوح: "لا أتعامل معهم".
- في باريس، شن فرع حركة مقاطعة إسرائيل في أغسطس/ آب الماضي حملة ضد مطعم "دار ميمة" المملوك للممثل الفرنسي جمال دبوز، مطالبين بإزالة النبيذ الإسرائيلي من قائمة المشروبات. واعتبرت الحركة أن بيع هذه المنتجات يتعارض مع مبادئ المقاطعة، وأثارت الحملة جدلاً حول حرية التجارة والحقوق الثقافية.
- النمسا (فيينا): رفض مطعم رامازوتي خدمة موسيقيين يتحدثون العبرية، كما طُرد زوجان إسرائيليان من مخيم سياحي في Bad Ischl.
- إيطاليا (نابولي): طرد إسرائيليين من مطعم بعد أن علم صاحبه بجنسيتهما، قائلاً إن "الصهاينة غير مرحب بهم". وهي حالة تكررت في إيطاليا خلال الأسابيع الأخيرة، كما شهدت اليونان حالات مشابهة.
الدنمارك من المقاطعة الاقتصادية إلى رفض الأفراد
تشهد الدنمارك حملات شعبية متزايدة لمقاطعة شركات يُنظر إليها كداعم لإسرائيل، مثل كوكاكولا وماكدونالدز وستاربكس، يقودها فلسطينيون ومسلمون دنماركيون، ثم انضم إليهم دنماركيون آخرون، خاصة بعد توتر علاقات بلادهم مع واشنطن، إثر تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول "شراء غرينلاند". هذا التغير عزز من تفهّم الشارع الدنماركي لحركة المقاطعة، ورافقته تقارير عن رفض بعض المطاعم والمرافق استقبال إسرائيليين، إضافةً إلى ظهور شروط استبعاد على منصات Airbnb وBooking.com لحاملي الجوازات الإسرائيلية.
بين المقاطعة والتمييز: جدل قانوني وأخلاقي يتصاعد
ويؤكد البروفيسور ماركوس هاينرش، الخبير في القانون الأوروبي، أن "التعبير عن المواقف السياسية لا يبرر انتهاك الحقوق الأساسية للزوار أو المواطنين. ورفض تقديم الخدمة بناءً على الجنسية أو الأصل قد يُعد جريمة في قوانين مثل تلك المعمول بها في ألمانيا وفرنسا"، بحسب ما نقلت عنه صحف ألمانية. ويتزامن هذا التوتر القانوني مع تصاعد حملات المقاطعة الشعبية في أوروبا ضد إسرائيل، احتجاجاً على الحرب في غزة، لكنه عند منتقدي الاحتجاج يطرح تساؤلات، خاصة عند تحوّل المقاطعة الاقتصادية إلى تمييز فردي يستهدف أشخاصاً بناءً على هويتهم أو لغتهم.
تخاذل رسمي أمام اختبار القيم
تواجه أوروبا معضلة في التوفيق بين حرية التعبير ورفض التمييز، وسط اتهامات بازدواجية المعايير في تعاملها مع جرائم إسرائيل مقارنة بمواقفها من روسيا في أوكرانيا. ومع تصاعد الجرائم في غزة، بات التمييز بين الاحتجاج المشروع والسلوك المتهم بأنه عنصري أكثر ضبابية، في ظل صمت رسمي عن انتهاكات الاحتلال، وتناقض متزايد بين مواقف الحكومات والرأي العام الأوروبي الغاضب، وهو أمر جرى التحذير منه طويلاً، بسبب تردد الاتحاد الأوروبي في معاقبة الاحتلال على انتهاك القانون الدولي وحرب التجويع والإبادة.
ومع اشتداد الجرائم الإسرائيلية في غزة، تزداد صعوبة التفرقة بين الموقف السياسي المشروع، وبين التصرفات التي يزعم البعض أنها "عنصرية" أو "معادية للسامية".
استطلاعات الرأي: مزاج شعبي غاضب في ألمانيا
63% من الألمان يؤيدون فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل بسبب حرب غزة (وفق مجلة دير شبيغل)، مقابل 29% يعارضون ذلك. وفي استطلاع آخر من محطة ARD، كشف 73% من الألمان عن أنهم يريدون فرض رقابة أشدّ، و30% منهم يدعمون فرض حظر كامل. عموماً، تتقاطع هذه الممارسات مع توجه عالمي متزايد لاستخدام الاستهلاك والسياحة كأدوات ضغط سياسي، كما حدث سابقاً مع مقاطعة أوروبية المنتجات الأميركية بسبب ترامب. واليوم، يُترجم الغضب من إسرائيل إلى رفض الزوار أنفسهم، ما يسلط الضوء على التناقض الغربي بين الشعارات والقيم المعلنة.
أوروبا تقف أمام اختبار قيمي حاد: بين حماية حرية التعبير ومناهضة العنصرية، وبين غضّ الطرف عن الأبرتهايد الإسرائيلي وجرائم الحرب. ومع تصاعد المقاطعة والطرد الشعبي، يبدو أن ما يجري لم يعد محصوراً في غزة، بل بات يفرض نفسه داخل الشارع الأوروبي، مهدداً بانزلاق أخلاقي وقانوني إذا استمر التراخي الرسمي في مواجهة جرائم إسرائيل، في انتظار أن تُترجم خيبة الشعوب في صناديق الاقتراع.