تشكيك وسخرية من الرواية الرسمية لمحاولة "الانقلاب" على لوكاشينكو

تفاصيل محاولة "الانقلاب" على لوكاشينكو: تشكيك وسخرية

18 ابريل 2021
موسكو تتمسك ببقاء لوكاشينكو في السلطة (Getty)
+ الخط -

بعد ساعات على إعلان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو كشف محاولة لاغتياله مع أبنائه بدعم من السلطات الأميركية، كشف جهاز الأمن الفدرالي الروسي، اليوم الأحد، ما قال إنه تفاصيل مخطط الانقلاب العسكري على لوكاشينكو. وعرضت قنوات روسية مقاطع لعملية اعتقال متهميْنِ بتدبير الانقلاب، إضافة إلى لقطات قالت إنها تخص بحث كيفية تنفيذ العملية، وذلك في إحدى الحانات وسط مدينة موسكو.
وكانت أجهزة الأمن البيلاروسية أعلنت، مساء السبت، أنها فككت أثناء "عملية خاصة مجموعة منظّمة ذات توجّه إرهابي"، كانت تخطط "لاغتيال الرئيس وعائلته" و"تنظيم تمرد مسلح بهدف أخذ السلطة بوسائل عنيفة". 
وقال لوكاشنكو في فيديو نشرته الرئاسة لاحقا: "اعتقلنا المجموعة وكشفوا لنا كيف خطّطوا لكلّ شيء، بقيت صامتاً. بعدها، اكتشفنا عمل أجهزة استخبارات أجنبية بوضوح، من المرجح جداً أن تكون سي آي إيه (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية) وإف بي آي (مكتب التحقيقات الفدرالي)".
ونقلت قناة "روسيا 1" اليوم الأحد، عن جهاز الأمن الفدرالي الروسي، أنه تم اعتقال متهميْنِ بالتخطيط لتنظيم انقلاب عسكري في بيلاروسيا، ونهب ممتلكات الرئيس لوكاشينكو، و"تبني ديمقراطية تحاكي تجربة بولندا". ولم يحدد الأمن الروسي موعد اعتقال المتهميْنِ، المحامي يوري زينكوفيتش الذي يحمل الجنسيتين البلاروسية والأميركية والمعني بالتنسيق مع الجانب الأميركي وتمويل عملية الانقلاب، والخبير السياسي ألكسندر فيدوتا. 
ويظهر تقرير بثته القناة المتهميْنِ الرئيسيين وهما يتحدثان إلى شخصين آخرين لم يظهر وجهاهما، وقيل إنهما يمثلان جنرالات في الجيش متذمرين من حكم لوكاشينكو، وفيها يشرح زينكوفيتش أن "المهمة الأولى هي القضاء على الهدف رقم 1، والمهمة الثانية تعطيل عمل قوات الأمن الداخلية وتعطيل عمل قوات الأمن الخاصة، والمهمة الثالثة احتلال بعض الأماكن الرمزية في مركز المدينة (مينسك)، ومن ضمنها مقر الإذاعة والتلفزة، ومن المفضل إغلاق مينسك حتى نتمكن من قراءة البيان". 
وفي أثناء عرض لقطات اعتقال الرجلين، أورد التقرير أن مدبري الانقلاب العسكري حصلوا على جميع البيانات الشخصية الخاصة بالمسؤولين اليبلاروسيين بعد اختراق خوادم وزارة الداخلية البيلاروسية، ولجنة أمن الدولة البيلاروسية (كي جي بي. نفس الاسم السوفيتي السابق)، ولجنة التحقيق. وذكر التقرير أن "الانقلابيين" خططوا لدعوة المسؤولين في إدارة لوكاشينكو ووضعهم أمام خيارات، إما الولاء لهم أو القتل أو احتجازهم في معسكرات اعتقال. وأضاف تقرير "روسيا 1" أن الرجلين خططا للاستيلاء أيضا على ثروات لوكاشينكو، وأن زينكوفيتش أخبر الحضور بأنه على ثقة عمليا بأن نجل لوكاشينكو ساشا "لديه محفظة احتياط في مكان ما، ويجب الاستيلاء على هذه الثروة بهدوء"، مستدركا أن المبالغ موجودة في منزل لوكاشينكو في بلدة أستروشيتسك، وأن المنزل لن يكون محميا بشكل جيد أثناء العملية. 
وحسب رواية القناة الحكومية الروسية، فإن "الانقلابيين خططوا لإشراك القوميين الأوكرانيين في التحضير للانقلاب". 
ويؤكد التقرير أن المشاركين في النقاش حول الانقلاب في موسكو شددوا أكثر من مرة على أن الهدف الأساس هو اغتيال لوكاشينكو، ونقل عن زينكوفيتش قوله "إذا أجريت الانتخابات الآن، فسيتم انتخاب لوكاشينكو"، وسيظل كذلك مدة 25 عاما أخرى. وذكر التقرير الروسي أن الانقلابيين قالوا إنهم بحاجة إلى خمس سنين على الأقل لتغيير المجتمع والدولة، وإنهم سوف يسعون إلى تحويل بيلاروسيا إلى حاضنة للديمقراطية على الطريقة البولندية. 
وفي إسقاط تاريخي لمحاولة الانقلاب على رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، في أغسطس/ آب 1991، ذكر التقرير أن المشتبه بهم خططوا لقيادة البلاد عبر "لجنة طوارئ حكومية"، وأن زينكوفيتش سيشرف على عمل البرلمان والمحاكم، ويتعامل مع الإصلاحات القانونية والدستورية، بعد نجاح الانقلاب. في المقابل سيتولى فيدوتا تحديد معايير الحزب والنظام الانتخابي، والسيطرة الأقسام الأيديولوجية (الصحافة، الثقافة، التعليم)، وعرض الرجلان على الجنرالات تنظيم حملة منظمة للسطو على جميع ممتلكات لوكاشينكو. 
وتتطابق كثير من المعلومات في التقرير الروسي مع تقرير آخر بثته قناة "أو أن تي" البيلاروسية مساء السبت، والذي عرض أيضا لقطات لاجتماعات افتراضية عبر تطبيقي "زووم" و"سكايب" بين سبعة أشخاص يتحدثون فيها عن تفاصيل الانقلاب. كما أكد التقرير البيلاروسي أن عملية "شراء الذمم" تمت بحوالات من الخارج، أو تسليم مبالغ عبر صناديق البريد، أو حتى في المقابر للمشاركين المحتملين في عملية الانقلاب التي تم الكشف عنها. 
وفي حين نقل التقرير الروسي عن أجهزة الأمن الفدرالي الروسي أن موعد الانقلاب كان مقررا في 9 مايو/ أيار المقبل أثناء احتفالات ذكرى النصر على النازية، قال التقرير البيلاروسي إن المتآمرين خططوا لانقلابهم في شهر يونيو/ حزيران أو يوليو/ تموز المقبلين.


 ومن المثير أن تقرير المحطة البيلاروسية يكشف أن فيدوتا يعرض على باقي المتهمين محاولة الانقلاب الاستفادة من تجربة اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1981، ويرى أنها السبيل الوحيد للتخلص من سلطة لوكاشينكو، وينصح باقي أفراد الشبكة بالاطلاع على تفاصيل العملية في موسوعة "ويكبيديا".
ورأت قائدة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا، من منفاها في ليتوانيا، أن هذه التصريحات "استفزاز تمارسه أجهزة الأمن الروسية والبيلاروسية، وتورط فيه مواطنون من بيلاروسيا والولايات المتحدة". 
وقالت في تصريح نقله عنها مكتبها الإعلامي إنه "من الضروري الامتناع عن اتخاذ قرارات والتوصل إلى خلاصات متسرّعة قد تضرّ بالمصالح الوطنية وسيادة بيلاروسيا واستقلالها". 
وأثارت اتهامات لوكاشينكو لمكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي سخرية واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي في بيلاروسيا، ورأى كثير من المدونين أن الأنباء الأخيرة عبارة عن "فيلم جديد من إخراج لجنة أمن الدولة البيلاروسي، لتصوير لوكاشينكو أنه ضحية لمؤامرة عالمية".

وسخر المدون والسياسي البيلاروسي ديمتري بلكونيتس، في فيديو نشره على "يوتيوب"، من سيناريو ضعيف ومفكك، يشبه قصص الخيال العلمي، متسائلا: "كيف تمكن مناقشة تفاصيل انقلاب عسكري عبر زووم أو سكايب أو في حانة في وسط موسكو"، مشيراً إلى أن تقرير التلفزة البيلاروسية لم يقدم أي دليل عملي.
ومعلوم أن لوكاشينكو، الذي يحكم بيلاروسيا منذ 1994، واجه حركة احتجاجات غير مسبوقة على مدى عدة أشهر تنديداً بإعادة انتخابه في أغسطس/ آب الماضي، في انتخابات قالت المعارضة إنها مزورة. واستطاع لوكاشينكو تقليص حجم التظاهرات كثيرا بعد حملة قمع غير مسبوقة مارستها الأجهزة الأمنية على المحتجين، واعتقال قادة المعارضة أو إجبارهم على مغادرة البلاد.