تشكيك ترامب في مبدأ سيادة الدول يعيد رسم مناطق النفوذ العالمية

12 ابريل 2025
دونالد ترامب خلال توقيع أوامر تنفيذية في البيت الأبيض، 31 مارس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشكك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مبدأ سيادة الدول، مما يعزز خطر تقسيم العالم بين القوى الكبرى، ويتجلى ذلك في نية الولايات المتحدة ضم كندا وغرينلاند والتصدي للمصالح الصينية في قناة بنما.

- اقترح وزير الدفاع الأميركي إنشاء قاعدة لضمان أمن قناة بنما، ووافقت بنما بشرط عدم إنشاء قواعد دائمة، مما يعكس توافق إدارة ترامب مع فكرة مناطق النفوذ.

- كانت الولايات المتحدة ضامنة للنظام الدولي القائم على سيادة الدول، لكن الآن تساهم في تقويضه، مما قد يؤدي إلى تقاسم جديد للعالم بين واشنطن وبكين وموسكو.

من كندا إلى غرينلاند مروراً ببنما، يشكك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مبدأ سيادة الدول الذي دافعت عنه واشنطن حتى الآن، ويشجع بذلك على معاودة ظهور مناطق النفوذ، معززاً خطر تقسيم جديد للعالم بين القوى الكبرى، بحسب محللين. فمن روسيا التي تغزو أوكرانيا، إلى الصين التي تريد السيطرة على تايوان، وصولاً إلى الولايات المتحدة التي باتت تنتهج موقفاً مماثلاً، عبر نيتها جعل كندا "الولاية الأميركية الحادية والخمسين"، أو "ضم" غرينلاند، أو التصدي للمصالح الصينية في قناة بنما.

الأربعاء، اقترح وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إنشاء قاعدة أميركية لضمان أمن قناة بنما، بعد حوالي 35 عاماً من الهجوم الأميركي لإطاحة الديكتاتور مانويل نورييغا، الذي شكل رمزاً للوضع في أميركا اللاتينية التي كانت تعتبر آنذاك بمثابة الحديقة الخلفية لواشنطن. وأعلنت بنما موافقتها على تأمين مواقع تنتشر فيها القوات الأميركية، ولكن ليس قواعد في حد ذاتها.

وقال البروفسور غريغوري هال من جامعة كنتاكي لوكالة "فرانس برس" إن "إدارة ترامب الجديدة توافق إلى حد بعيد على حصول القوى الكبرى على مناطق نفوذ". بدوره، أورد الدبلوماسي الهندي جواد شريف، المستشار السابق لرئيس الوزراء ناريندرا مودي "عبر التحدث علناً عن غرينلاند وكندا وقناة بنما، والازدراء بمبادئ القانون الدولي، وقبول التبرير الروسي لغزو أوكرانيا، يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة تسرع من الانزلاق" نحو تعزيز مناطق النفوذ.

إمبراطوريات

منذ نهاية الحرب الباردة، طرحت الولايات المتحدة نفسها ضامناً للنظام الدولي مستندة إلى "مبادئ المساواة بين سيادة الدول ووحدة أراضيها"، بحسب قول الباحث الأميركي جيفري مانكوف من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومؤلف كتاب "إمبراطوريات أوراسيا: كيف يشكل الإرث الإمبريالي الأمن الدولي". هذه المبادئ تتنافى مع المصالح الاستراتيجية كما تراها روسيا والصين. وذكّر الباحث بأن الدولتين "نشأتا من إمبراطوريتين وتتصرفان على هذا النحو في جوانب عدة" وترغبان في اعتماد هذا النهج في محيطهما لأسباب تتصل بالهيبة والحماية وإظهار القوة.

والواقع أن مناطق النفوذ لم تختف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن الولايات المتحدة كانت تستغل هذه المبادئ لدحض الطموحات الإمبريالية لحساب مصالحها الخاصة. وأوضح جواد شريف "أنهم سعوا إلى توسيع منطقة نفوذهم نحو الشرق، في ما كان يعرف سابقاً بدائرة النفوذ السوفييتية ثم الروسية". لكن الصورة تبدلت الآن، إذ باتت الولايات المتحدة تساهم في تقويض هذا النظام انطلاقاً من اعتبارها أن الحفاظ عليه بات أكثر كلفة، في ظل رفض خصومها له وانتقاده من بقية أنحاء العالم.

ولاحظ مانكوف أن كل ذلك "يوفر فرصاً لتبني السلوك الإمبريالي مرة جديدة". ومن شأن هذا التطور أن يفسح المجال أمام تقاسم للعالم شبيه بما قرره الأميركيون والسوفييت في مؤتمر يالطا العام 1945. تستطيع واشنطن وبكين وموسكو التفاهم على هذا المفهوم الجديد الذي قد ينطوي على تقاسم لمناطق النفوذ على حساب بلدان أخرى.

ورأى ديريك غروسمان من مركز "راند" الأميركي للأبحاث في مارس/آذار أن "تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين بات وشيكاً". وكتبت مونيكا توفت، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة تافتس (ماساشوستس) في مجلة "فورن أفيرز"، أن "القوى الكبرى الراهنة تسعى إلى التفاوض في ما بينها على نظام عالمي جديد".

وتوقعت تبني "سيناريو تتفق فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا على مصلحة حيوية تقضي بتجنب حرب نووية واعتراف كل منها بمنطقة نفوذ الأخرى، بحيث تكون آلية" لتنظيم العلاقات. وفي هذا السياق، لفتت إلى أن "المفاوضات الهادفة الى إنهاء حرب أوكرانيا يمكن أن تكون شبيهة بيالطا جديدة".

لكن من شأن هذه الفرضية أن تثير غضب الأوكرانيين والأوروبيين، خصوصاً إذا رأت الولايات المتحدة، الداعم الحيوي لكييف، أن أوكرانيا باتت جزءاً من دائرة النفوذ الروسية. ورأى مانكوف أن ما ستفضي إليه حرب أوكرانيا سيكون عاملاً حاسماً. وقال إن "نجاح أوكرانيا أو إخفاقها في الدفاع عن سيادتها سيكون له أثر كبير على الشكل الذي سيتخذه النظام العالمي في الجيل المقبل. من المهم تالياً أن تتلقى مساعدة من الدول التي لديها القدرة أو النية للحفاظ على صيغة للنظام الدولي تناهض الإمبريالية".

وأكدت ريم ممتاز الباحثة في معهد كارنيغي للسلام أن "الأوروبيين يحتاجون في عالم ترامب إلى منطقة نفوذهم الخاصة". وأضافت أنه رغم كونها قوى إمبريالية سابقة، "تبدو الدول الأوروبية اليوم في حالة تراجع، في حين تعود دوائر النفوذ في القرن التاسع عشر كمبدأ منظم للقضايا العالمية".

(فرانس برس)