تسريع المرحلة الأولى من اتفاق غزة لتجاوز مماطلة الاحتلال

20 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 01:06 (توقيت القدس)
خلال الإفراج عن أسير إسرائيلي في خانيونس، 15 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت حماس عن الإفراج عن ستة أسرى إسرائيليين وجثامين أربعة آخرين كجزء من اتفاق غزة، مؤكدة على ضرورة التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بإدخال الآليات الثقيلة لانتشال جثامين الشهداء.

- تهدف حماس من خلال هذه الخطوة إلى زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، مستغلة الدعم الأمريكي لإسرائيل، وتعتبر ملف الأسرى ورقة ضغط مهمة لتحقيق أهدافها.

- تواجه حماس تحديات في ضمان التزام إسرائيل بالاتفاق، وتسعى لإتمام صفقة التبادل والانتقال إلى المرحلة الثانية المتعلقة بالقضايا الكبرى مثل الانسحاب الكامل ووقف إطلاق النار.

فاجأت حركة حماس الجميع، واتخذت قراراً بتسريع دفعتي الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها ولدى فصائل المقاومة في قطاع غزة، من خلال قرار الإفراج السبت المقبل عن ستة أسرى أحياء ممن تنطبق عليهم شروط المرحلة الأولى من اتفاق غزة بالإضافة إلى جثامين أربعة أسرى إسرائيليين سيتم الإفراج عنها اليوم الخميس.

وأعلن رئيس حركة حماس في قطاع غزة ورئيس وفدها المفاوض، خليل الحية، مساء أول من أمس الثلاثاء، أنه سيتم الإفراج عمن تبقى من أسرى الاحتلال الإسرائيلي الأحياء السبت، وتسليم جثامين أربعة اليوم الخميس، وذلك تمهيداً للانخراط في المرحلة الثانية من مفاوضات اتفاق غزة لوقف إطلاق النار مع الاحتلال. وشدد الحية، في كلمة مصورة، على أن ذلك يأتي "استمراراً لجهودنا المتواصلة في إنجاح وإنجاز المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار مع العدو، وتمهيداً للانخراط في المرحلة الثانية منه، وتجاوباً مع جهود الوسطاء".

جدية حماس بتنفيذ اتفاق غزة

اللافت في كلمة الحية كان تأكيده أن هذه الخطوات تعكس جدية الحركة في تنفيذ بنود اتفاق غزة كما وردت، واستجابة لجهود الوسطاء، مشدداً على ضرورة إلزام الاحتلال بتنفيذ جميع بنود اتفاق غزة كما وردت، دون استثناء أو مماطلة، خاصة إدخال الآليات الثقيلة لنتمكن من انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض، وكذلك جثامين أسرى الاحتلال، الذين قتلوا نتيجة القصف الإسرائيلي.

ساري عرابي: حماس تدرك أن ملف الأسرى ورقة ضغط مهمة في مواجهة إسرائيل وتحريك المجتمع الإسرائيلي

وعكس قرار حركة حماس رغبتها في تمرير اتفاق غزة في مرحلته الأولى دون أي عودة لشبح الحرب في ظل المواقف الإسرائيلية المتشددة، المشفوعة بدعم أميركي غير مسبوق من الرئيس دونالد ترامب الذي قدم خطة تقوم على تهجير أهل قطاع غزة والسيطرة عليه. إلى جانب ذلك، تبدو مرونة حماس في هذه المرحلة محاولة منها لكسب الوقت في سبيل تعزيز الضغط الداخلي على حكومة بنيامين نتنياهو، لا سيما من عوائل الأسرى الإسرائيليين في ظل توالي عمليات الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.

ومن ناحية ميدانية، ترى الحركة أنها حققت، ولو بالحد الأدنى بعض النجاحات من وراء اتفاق غزة أهمها عودة النازحين إلى مناطقهم في القطاع، وعززت من انتشار الأجهزة الأمنية والشرطية، فيما تعمل بصمت تام في الشق العسكري المتعلق بإعادة ترتيب صفوفها وإمكانياتها التي فقدتها أو خرجت عن الخدمة خلال شهور الحرب. غير أن الهدف الأساسي بالنسبة للحركة، التي فقدت جزء رئيسياً من قياداتها العسكرية والسياسية، هو استمرار حالة الهدوء وتحقيق الانسحاب الكامل من القطاع وضمان عدم عودة قوات الاحتلال.

كما أكد القيادي في "حماس" طاهر النونو، لوكالة فرانس برس أمس، أن الحركة "أبلغت الوسطاء أنها مستعدة ضمن اتفاق لإطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين، الأحياء منهم والجثث، بمن فيهم الضباط العسكريون الكبار، في المرحلة الثانية (من اتفاق غزة) دفعة واحدة وليس على دفعات كما كانت الحال في المرحلة الأولى... في مقابل إطلاق سراح كل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال". وأوضح أن هذه الخطوة "لتأكيد جديتنا واستعدادنا التام للمضي قدماً في إنهاء هذا الموضوع وكذلك المضي في خطوات تثبيت وقف إطلاق النار وصولا للوقف المستدام".

ورقة حماس... وتهرب إسرائيلي

وقال الباحث والكاتب في الشأن السياسي ساري عرابي إن التساؤل الأبرز يتمحور حول مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي بالبروتوكول الإنساني المتعلق بإدخال المساعدات والوقود والمساكن المؤقتة، بالإضافة إلى الجرافات اللازمة لرفع الركام من داخل غزة. وأوضح عرابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم حتى اللحظة بهذه البنود، رغم أنها تعد جزءاً أساسياً من اتفاق غزة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، بوساطة قطر ومصر وأميركا. ورأى أن الإدارة الأميركية الحالية، كما هو متوقع، لن تمارس أي ضغط على إسرائيل للالتزام بهذه البنود، بل على العكس، تقدم لها الدعم المطلق. في المقابل، أشار عرابي إلى أن الموقف العربي يبدو ضعيفاً إلى حد بعيد، إذ يعكس حالة من القلق والخوف وضيق الخيارات، خصوصاً في ظل تأثير الإدارة الأميركية برئاسة ترامب، ولهذا السبب، من المحتمل أن تكون هناك وعود قدمت لحماس، عبر الوسطاء العرب، لتقديم نوع من المرونة في ملف الأسرى الإسرائيليين، مقابل التزام الاحتلال بالإجراءات الإنسانية المطلوبة.

وبيّن أن حماس تدرك أن ملف الأسرى ورقة ضغط مهمة في مواجهة إسرائيل وتحريك المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً في ظل مطالبات شخصيات سياسية وأخرى مجتمعية إسرائيلية بضرورة استعادة جميع الأسرى، حتى لو كان الثمن تقديم تنازلات لحماس. لكن عرابي لفت إلى أن الحركة تراعي في الوقت ذاته الاعتبارات النفسية والمعنوية داخل غزة، إذ تتوجس من احتمال استئناف الحرب، وتسعى لتفادي تحميلها مسؤولية أي تصعيد جديد، لا سيما في ظل موقف عربي يتراوح بين الضعف والخوف من إدارة أميركية منحازة لإسرائيل، أو حتى التواطؤ المباشر مع الاحتلال.

أما في ما يتعلق بنتائج هذه الخطوة، فأكد عرابي أن الأمر لا يزال غير واضح، إذ يجب الانتظار لمعرفة ما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي سيستجيب لهذه الوساطات، إذ إن الفكرة الأساسية التي دفعت بعض الوسطاء للضغط على حماس لتسريع الإفراج عن الأسرى، تتمثل في منحهم أدوات للضغط على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها. لكن من المهم الإشارة إلى أن عدم عودة الحرب لا يعني بالضرورة نجاح المرحلة الثانية من اتفاق غزة إذ إنه ومنذ توقيعه كان واضحاً أن هناك إصرار من حماس على استمرار التفاهمات الأولية، خصوصاً وقف إطلاق النار وانتشار القوات (الإسرائيلية) وفق التفاهمات القائمة وفقاً لعرابي، الذي لا يستبعد أن يستمر الوضع الراهن دون تقدم نحو المرحلة الثانية، وفي نفس الوقت دون العودة إلى الحرب، إذ تبقى جميع الاحتمالات متساوية، نظراً لكون استئناف الحرب ليس أمراً سهلاً، لا سيما بعد عودة النازحين الفلسطينيين إلى الشمال.

رسائل حماس

إلى ذلك، رأى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة أن حماس تسعى من خلال تسريع عملية الإفراج عن الأسرى، خاصة الأحياء منهم، إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أولها يتمثل في إظهار الجدية والرغبة في إتمام صفقة التبادل والانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تعتبرها الحركة أكثر أهمية من المرحلة الأولى، لكونها تتعلق بالقضايا الكبرى. وأضاف عطاونة، لـ"العربي الجديد"، أن الهدف الثاني يتمثل في تأمين الإفراج عن العدد الأكبر من الأسرى، خاصة من أصحاب الأحكام المؤبدة، بالإضافة لإرسال رسالة واضحة إلى الوسطاء لحثهم على الضغط على الاحتلال للمضي قدماً في المرحلة الثانية من الصفقة. وبحسب عطاونة، فإن هناك أيضاً بعداً آخر لهذا التسريع، وهو الرد على محاولات الاحتلال تمديد المرحلة الأولى من اتفاق غزة إذ تسعى إسرائيل إلى إتمام عملية التبادل بالكامل خلال هذه المرحلة، لتجنب الدخول في قضايا سياسية كبرى، مثل الانسحاب الكامل ووقف إطلاق النار، والتي تتطلب تفاهمات أوسع.

لكن حماس، وفقاً لعطاونة، تحاول من خلال هذه الخطوة تأكيد رفضها تمديد المرحلة الأولى دون مقابل، وسعيها إلى إغلاقها بالإفراج عن الأسرى المتفق عليهم، فيما تبدو أن العوامل التي أدت للتوصل إلى وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى لا تزال قائمة، ما يعزز إمكانية استمرار المسار التفاوضي.

أحمد عطاونة: التحدي الرئيسي الآن هو ما إذا كانت المرحلة الثانية ستشكل نهاية للحرب أم لا

وأوضح مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أن الاحتلال وصل إلى نقطة لم يعد بإمكانه فيها تحقيق أهدافه من خلال القوة العسكرية، خاصة في ما يتعلق باستعادة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، ما أجبره على اللجوء إلى المفاوضات. وأشار إلى أن إسرائيل فشلت في القضاء على المقاومة كلياً، ولم تتمكن من فرض إدارة جديدة لقطاع غزة أو تحقيق أي اختراقات عسكرية حاسمة، ما جعلها تحت ضغط داخلي وخارجي، خاصة من الإدارة الأميركية التي دفعتها إلى التوقيع على الاتفاق. وبحسب عطاونة فإن التحدي الرئيسي الآن هو ما إذا كانت المرحلة الثانية ستشكل نهاية للحرب أم لا، إذ إن الإجابة عن هذا السؤال ترتبط بالقرار الأميركي والمواقف الإقليمية، خاصة العربية، إلى جانب موقف حكومة الاحتلال. وأعرب عطاونة عن اعتقاده أن التسريع في تنفيذ الصفقة قد يدفع الجمهور الإسرائيلي وعائلات الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، إلى زيادة الضغط على حكومتهم لإنجاز اتفاق غزة بسرعة، لا سيما بعد حديث الحية الواضح بشأن استعداد الحركة لإنجاز المرحلة الثانية من الصفقة رزمةً واحدة، وخلال فترة زمنية قصيرة، وهو ما قد يزيد الضغوط على حكومة الاحتلال لإنهاء الملف.

المساهمون