استمع إلى الملخص
- أثارت قرارات المحكمة بحبس مسؤولين في بلدية إسطنبول احتجاجات شعبية، حيث اعتبر المتظاهرون أن هذه الإجراءات تهدد الديمقراطية، بينما أكدت الحكومة أنها مؤقتة حتى انتهاء التحقيقات.
- أدى اعتقال إمام أوغلو إلى انقسامات داخل حزب "الشعب الجمهوري"، ويُعتقد أن هذه الأحداث قد تفيد حزب "العدالة والتنمية" في حال إجراء انتخابات مبكرة.
لم يقفل حبس رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، أمس الأحد، ملف الخلافات السياسية وتبادل الاتهامات بين حزب "العدالة والتنمية" الحاكم والحكومة التركية من جهة، وحزب "الشعب الجمهوري"، أكبر الأحزاب التركية المعارضة وأنصاره في الشارع من جهة أخرى، وإن تحوّلت الخلافات إلى أروقة وملاعب أُخرى، بعد وعيد الحزب المعارض بتقديم طعن وعدم قبول الحكم والتحرك بسرعة ليعود إمام أوغلو بل وتزكيته مرشحاً وحيداً لانتخابات الرئاسة المقبلة عام 2028، خلال الانتخابات التمهيدية التي جرت، أمس الأحد، وصوّت فيها 15 مليون تركي، منهم 13 مليوناً لإمام أوغلو.
حبس احتياطي
وكانت محكمة الصلح والجزاء قد قضت، أمس الأحد، بحبس رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو احتياطياً حتى بدء محاكمته بتهم تتعلق بالفساد، إلى جانب عدد من مساعديه بناء على طلب النيابة العامة، في تحقيق يتعلق بتأسيس وإدارة منظمة إجرامية وتلقي رِشى، والابتزاز، والحصول على بيانات الشخصية بشكل غير قانوني، والاحتيال. كما قررت المحكمة توقيف مدير الشركة الإعلامية التابعة لبلدية إسطنبول مراد أونغون، ورئيس وكالة إسطنبول للتخطيط بوغرا غوكيتشه، ورئيس بلدية "بيلك دوزو" محمد مراد تشاليك، بتهمة الفساد، بينما أوقف رئيس بلدية شيشلي رسول إيمره شاهان بتهمة مساعدة منظمة إرهابية.
وأكدت وزارة الداخلية التركية في بيان رسمي إيقاف عدد من رؤساء البلديات في إسطنبول عن مهامهم مؤقتاً، وذلك في أعقاب صدور قرارات قضائية بسجنهم على خلفية قضايا فساد وارتباط بمنظمات إجرامية وإرهابية، مبينة أن توقيف إمام أوغلو عن العمل بعد صدور قرار من محكمة الصلح الجزائية العاشرة في إسطنبول بتاريخ 23 مارس/آذار 2025، يقضي باعتقاله على خلفية اتهامات تتعلق بـ"تسجيل بيانات شخصية بطريقة غير قانونية، تلقي رشى، التلاعب في مناقصات مؤسسات عامة وتأسيس منظمة بهدف ارتكاب الجرائم". وعزل إمام أوغلو من منصبه من قبل وزارة الداخلية، وذلك في إجراء مؤقت وفقاً للمادة 127 من الدستور والمادة 47 من قانون البلدية رقم 5393.
في حين جاء توقيف رئيس بلدية منطقة بيليك دوزو في إسطنبول محمد مراد تشالك بسبب تهم الانضمام إلى منظمة أُنشئت لارتكاب جرائم، وذلك بموجب قرار من المحكمة، وتمت إقالته مؤقتاً بقرار من وزارة الداخلية استناداً إلى المادة 47 من قانون البلديات رقم 5393. وشمل القرار أيضاً رئيس بلدية منطقة شيشلي رسول إمراه شاهان، الذي وُجهت إليه تهمة تقديم الدعم لتنظيم إرهابي مسلح، ووفقاً لقرار محكمة الصلح الجزائية العاشرة، تقرر توقيفه عن العمل أيضاً وتعيين قائم مقام شيشلي جودت إرتوركمن قائماً بأعمال رئاسة البلدية مؤقتاً.
وتعد جميع هذه الإجراءات تدابير مؤقتة بموجب الدستور التركي وقانون البلديات ريثما تستكمل التحقيقات والمحاكمات القضائية بحق المتهمين، رغم أن السلطات التركية أعلنت عن إجراء انتخابات داخلية، يوم الأربعاء المقبل، لاختيار رئيسين جديدين لكل من بلديتي إسطنبول الكبرى وبيليك دوزو، في ما يعتبر إجراء قانونياً واجباً من وزارة الداخلية إلى تنظيم انتخابات داخلية لسد هذا الفراغ.
ودحضت دائرة الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية، أمس الأحد، ما تم تناقله عن تعيين وصي على بلدية إسطنبول الكبرى، مبينة أن تعيين وصي على بلدية إسطنبول الكبرى "غير صحيح"، وأن وزارة الداخلية أعلنت أنه تم إبعاد رؤساء بلديات إسطنبول وبيلك دوزو عن مناصبهم في إجراء مؤقت بسبب اعتقالهم. بناءً على ذلك، أعلنت ولاية إسطنبول أنه سيتم انتخاب نائب رئيس البلدية في مجالس بلدية إسطنبول وبيلك دوزو يوم الأربعاء.
تواصل التظاهرات واستمرار التقييد
إلى ذلك، شهدت مدينة إسطنبول بعد نقل رئيس البلدية إمام أوغلو إلى سجن مرمرة، غربي إسطنبول، والمعروف باسم "سيليفري"، مساء أمس الأحد، احتجاجات هي الأكبر منذ نزول أتراك إلى الشوارع قبل أربعة أيام. وذلك بعد دعوة إمام أوغلو "خلال تغريدة" الأتراك إلى مظاهرات حاشدة ضد اعتقاله، واصفاً قرار محكمة الصلح الجزائية بـ"وصمة العار" على ديمقراطية البلاد، قائلاً: "معاً سنزيل هذه الوصمة عن ديمقراطيتنا".
ولكن بالعموم تراجعت حدة التظاهرات وعدد الأمكنة التي تجري فيها، الأحد، بعد قرار حبس إمام أوغلو احتياطياً وبيان حزب الشعب والانتخابات التمهيدية التي زكت رئيس بلدية إسطنبول الكبرى المعتقل، بعد اعتذار رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش عن الترشح. لكن الحشود أمام بلدية إسطنبول لم تغادر، كما شهدت بعض الأحياء بالعاصمة أنقرة وإسطنبول وإزمير مظاهرات ترفض حبس إمام أوغلو.
وأعلنت ولاية إسطنبول عن الطرق والمسارات البديلة التي سيتم إغلاقها في المدينة حتى الأربعاء 26 مارس/آذار الجاري، في إطار الإجراءات الاحترازية. وبيّن البيان الصادر عن مكتب المحافظ أنه إضافة إلى الإجراءات المتخذة يوم 19 مارس، تقرر إغلاق بعض الطرق أمام حركة المرور من الساعة الرابعة من عصر الأحد وحتى رفع الإجراءات.
بدوره، ورداً على استمرار الدعوة إلى التظاهرات، قال وزير العدل التركي يلماظ تونتش إن للشعب الحق في الاجتماعات والمظاهرات، وهو حق أساسي، لكن الدعوات للاحتجاج استناداً إلى التحقيقات القضائية هي أمور غير قانونية وغير مقبولة.
وأضاف تونتش أن "التحقيقات الجارية يجب أن تكون في إطار القضاء المستقل، وأن الشوارع ليست المكان المناسب للرد على التهم الموجهة في القضايا القانونية، لأن القضاء يتخذ قراراته بناءً على ملفات القضية، وليس بناءً على أي تأثير خارجي، بما في ذلك الشارع. بعد إتمام التحقيقات، سيتم عرض التفاصيل المتعلقة بالقضية بشفافية تامة أمام الرأي العام، بما في ذلك التهم والدفاعات والأدلة".
ويؤكد وزير العدل التركي أن الطعون ضد الأحكام ستكون متاحة في إطار القانون، مشدداً على ضرورة انتظار نتائج التحقيقات بهدوء دون التسرع في إصدار الأحكام المسبقة. كما أن أي محاولة لاستفزاز الشرطة أو إشعال الفتن في الشوارع لن تفيد أحداً، وأكد أنه لن يُسمح لأحد بتقويض أمن واستقرار الشعب التركي.
اختيار إمام أوغلو مرشحاً للرئاسة
وآثر حزب الشعب الجمهوري المعارض اختيار أكرم إمام أوغلو المرشح الوحيد للحزب خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما فتح الباب لتصويت تمهيدي داخلي شارك فيه نحو 15 مليوناً من أعضاء الحزب وأتراك من خارج الحزب، لاختيار الشخصية المنافسة في الاستحقاق الرئاسي المقرر عام 2028. وتمت تزكية إمام أوغلو باعتباره مرشحاً وحيداً بعد رفض رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش خوض المنافسة قائلاً إن "الوقت ما زال مبكراً"، وهو بحسب مراقبين أحد أبرز الأسماء داخل المعارضة.
وجرى التصويت من قبل 15 مليون تركي عبر 5600 صندوق انتخابي في 81 ولاية تركية، وسط ما وصف بمشاركة لافتة من خارج صفوف حزب الشعب في ما يعرف بصناديق التضامن، ما اعتبره البعض رضى واستفتاء شعبياً وتعاطفاً كبيراً مع أكرم إمام أوغلو ليتبوأ منصب الرئيس وسخطاً على اعتقاله.
في حين رأى عضو حزب العدالة والتنمية باكير أتاجان أن التصويت تأييد عاطفي وغير مجد، مرجحاً أن يدان إمام أوغلو وربما يسجن إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، فضلاً عن سحب شهادته الجامعية بقرار رسمي، وهو ما يمنع، أصلاً، ترشحه لمنصب الرئيس.
وحول الإقبال على الاستفتاء واختيار إمام أوغلو، يضيف أتاجان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه كان المرشح الوحيد للاستفتاء، كما أن تسويق حزب الشعب والمعارضة أنه مضطهد وأن الاعتقال سياسي زاد من التعاطف الشعبي، ولكن، بحسب ما يشير أتاجان، فإن المشهد سيتغير حين يدان إمام أوغلو وتخرج للعلن أدلة اتهامه بالفساد والرشى والابتزاز، ومن بينها ما هو مؤكد ويتعلق بالرشى المالية بالاتفاق الحضري التي جرت، وموثقة، بين حزب الشعب الجمهوري وحزب المساواة الشعبية والديمقراطية، والتي تم كشفها قبل فترة وتوقيف رؤساء بلدية بسببها، منهم رئيس بلدية اسينيورت.
خلاف داخلي
وكشفت مصادر عدة لـ"العربي الجديد"، أن الخلاف السياسي داخل حزب الشعب الجمهوري "بين تياري الرئيس السابق كمال كليجدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول الموقوف أكرم إمام أوغلو" هو الذي فضح التهم وصعد وسرّع الإجراءات الحكومية بالاعتقال والحبس. ويقول المحلل يوسف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد"، إن هدف تعاون بعض أعضاء حزب الشعب الجمهوري مع القضاء كان لسببين، الأول تعرض بعضهم لـ"المساومة والابتزاز"، والثاني تجريم إمام أوغلو لإبعاده عن العمل السياسي لخمس سنوات على الأقل، بعد إدانته بقضايا مخلة بالشرف، على غرار "قضية فضح الشهادة الجامعية كان من عضو بحزب الشعب الجمهوري".
وحول دور رئيس الحزب الحالي أوزعور أوزال أو الوجه الأبرز رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، اكتفى كاتب أوغلو بالقول إنه "لا يمكنني اتهامهما ولكنهما مستفيدان من إبعاد إمام أوغلو بعد دعمه وتسويقه من الحزب خلال السنوات العشر الماضية، منذ كان رئيس بلدية بيلك دوزو".
إلا أن حزب الشعب وبقية الأحزاب المعارضة ترى أن إبعاد إمام أوغلو عن المشهد السياسي وحبسه هو في صالح حزب العدالة والتنمية الذي هزمه إمام أوغلو مرتين خلال انتخابات بلدية إسطنبول، وفي صالح الرئيس التركي أردوغان، إن حدثت انتخابات مبكرة، لأن إمام أوغلو برأيهم وكما يدلي طيف واسع من الأتراك، هو المنافس الأكبر للرئيس أردوغان.
ربما التصريح الأبرز أمس، بعد قرار المحكمة بحبس أكرم إمام أوغلو، هو ما قاله إمام أوغلو عبر رسالة وجهها للأتراك بعد قرار حبسه احتياطياً، عبر حسابه على منصة إكس، مبيناً فيها أنه "ليس للخوف فائدة عندما يأتي الأجل (عند الموت)، بهذه الطريقة سوف تهزم (...) بهذه الطريقة سوف تهزمون. بفضل استقامتنا، وشجاعتنا، وتواضعنا، ووجهنا الباسم، سوف نزيل هذه البقعة السوداء بالوحدة".
وأضاف إمام أوغلو: "وطني العزيز. لا تحزن أبداً، لا تيأس أبداً، لا تفقد الأمل أبداً، سنعمل جنباً إلى جنب على اقتلاع هذا الانقلاب وهذه البقعة السوداء التي تلطخ ديمقراطيتنا. لقد اقتربت الأيام التي سيُحاسب فيها القائمون على هذه العملية أمام الخالق القدير، في الدنيا والآخرة".
كما قال رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال بعد قرار اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، إنه "يعلم من دبر المؤامرة ضده"، مضيفاً أن "إمام أوغلو انتخب ثلاث مرات متتالية من قبل 16 مليوناً من سكان إسطنبول، اعتقل لأن جريمته الوحيدة كانت هزيمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولأنه سيفوز في الانتخابات القادمة. لكننا نواجه مجموعتين من المؤامرات"، ووعد بـ"اعتراضات ستقدم بسرعة، لعودة إمام أوغلو إلى حريته، وسيتم تقديم الاعتراضات اللازمة للإفراج عن أكرم إمام أوغلو بسرعة، وستكون هذه الاعتراضات قانونية، بالإضافة إلى اعتراضات اجتماعية. لأن حب وثقة الناس الذين نزلوا إلى الطرقات والشوارع والساحات من أجل أوغلو، لمدة أربعة أيام، والذين ينتظرون في كيلومترات من الطوابير في جميع أنحاء تركيا اليوم، لم يذهب سدى".
ليأتي الرد على لسان رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي، الذي وجه أمس الأحد تحذيراً لرئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، قال فيه: "احترم القضاء وابقَ في حزبك"، مؤكداً على ضرورة احترام القرارات القضائية وأن التدخل في شؤون القضاء يتعارض مع مبادئ الديمقراطية".